بوتين وإردوغان بلقطة أرشيفية
بوتين وإردوغان بلقطة أرشيفية

تُعتبر القمة التي ستشهدها طهران، في التاسع عشر من يوليو الحالي، أول "لقاء" يعقد وجها لوجه بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا منذ عامين، فيما تشكّل حدثا بارزا، لاعتبارات تتعلق بتزامنها مع سلسلة من التطورات الإقليمية والعالمية.  

وقبل الإعلان عنها كان من المقرر أن يجتمع رجب طيب إردوغان بنظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي فقط، وأُعلنت إضافة فلاديمير بوتين لاحقا، من خلال بيان نشره "الكرملين"، أشار فيه إلى نية الأطراف الثلاثة مناقشة الملف السوري، وقضايا أخرى في العاصمة طهران. 

وتشير معظم تصريحات المسؤولين، في طهران وأنقرة وموسكو، إلى أن الرؤساء سيناقشون بشكل أساسي الملف السوري، في خطوة سبق أن تكررت خلال السنوات الماضية، وكان آخرها في يوليو 2020، عبر خدمة الفديو كومفرانس.  

وسيناقشون، أيضا، قضايا أخرى تتعلق بتعاملاتهم التجارية، إضافة إلى موقف كل طرف مما يحصل على مستوى الإقليم والعالم، وخاصة في أوكرانيا، التي تعيش حربا روسية، منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي. 

ماذا يحمل إردوغان؟  

سوريا، يحمل إردوغان إلى طهران التهديدات التي أطلقها بشن عملية عسكرية في شمال سوريا، حسب ما أشارت إليه وسائل إعلام مقربة من حكومته، بينها صحيفة "صباح"، التي ذكرت أن "العملية العسكرية هي الأكثر أهمية بين تركيا وإيران خلال القمة". 

ويحمل قضايا وملفات ثنائية بين أنقرة وطهران. ومن المتوقع، حسب الصحيفة، توقيع مذكرات تفاهم لتطوير وتسريع العلاقات بين البلدين، وستُناقش العملية المتعلقة بالممر التجاري بين تركيا وإيران والإمارات، فضلا عن "أجندة الإرهاب والإتجار بالبشر". 

ولا توجد أي مؤشرات واضحة عن التوقيت الذي ستبدأ فيه تركيا عمليتها العسكرية في سوريا، والتي سبق وأن عارضتها إيران، معتبرة أنها "تهدد وحدة الأراضي السورية". 

وبعد هذا الموقف، كان لافتا سلسلة التحركات التي أقدمت عليها طهران تجاه النظام السوري، وبينما وصل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان والتقى ببشار الأسد، أجرى إبراهيم رئيسي اتصالا هاتفيا مع الأخير، تطرق فيه إلى سياقات العملية التي تهدد بها أنقرة. 

مهند حافظ أوغلو، وهو أكاديمي وباحث سياسي، يقول إن "إردوغان ذاهب إلى طهران ليس من أجل العملية العسكرية فحسب، فتركيا ليست بحاجة إلى إذن إيران أو روسيا أو أميركا".  

ويضيف الباحث لموقع "الحرة أن "السبب الأبرز في عدم بدء العملية العسكرية حتى الآن هو الوصول مع تلك العواصم حتى آخر الطريق دبلوماسيا، لأنها طلبت من أنقرة فتح المجال لتنفيذ ما اتفقوا عليه معها عام 2019"، من أبعاد "وحدات حماية الشعب" إلى عمق 30 كيلومترا، عن الحدود الجنوبية لتركيا. 

ويتابع الباحث: "أنقرة تسير في هذا الاتجاه، ولكن إذا ما رأى صانع القرار التركي أن إعلان ساعة الصفر قد حانت فإنها ستبدأ". 

وقد تكون زيارة إردوغان إلى طهران مرتبطة بأمرين، الأول: "الهجرة غير الشرعية إلى تركيا، التي تتعمد طهران انتهاجها". 

أما الثاني، وفق حافظ أوغلو: "هو إفهام طهران أنه لا يمكن لتركيا أن تتحول إلى مكان تصفية حسابات بينها وبين تل أبيب". 

ماذا عن موسكو؟  

ومن جانب موسكو تبدو هناك "نبرة إيجابية وكبيرة" حيال القمة المرتقبة، وهو ما بدا في حديث نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي اعتبرها "حدثا مهما للغاية". 

وستكون هذه ثاني زيارة يجريها بوتين إلى الخارج منذ أرسل قواته إلى أوكرانيا أواخر فبراير، بعدما زار طاجيكستان أواخر يونيو الماضي.  

وبينما يستبعد أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، حصول "أي شيء مميز من القمة"، يقول لموقع "الحرة": "من المهم فيها أن يُظهر بوتين أنه ليس في عزلة دبلوماسية، كما فعل في أول رحلة خارجية له منذ وقت طويل إلى قمة بحر قزوين، حيث أتيحت له، بالمناسبة، فرصة لإجراء محادثات مع رئيس إيران". 

ويضيف الباحث أن دور إيران ازداد في السياسة الخارجية الروسية بعد 24 من فبراير الماضي، حيث أصبحت طهران شريكا ملموسا في التحالف المناهض لأميركا.  

وقد تعلن موسكو وطهران عن بعض اتفاقيات الشراكة والتعاون الاقتصادي، لكن من المرجح أن تظل النقطة الرئيسية حول عمليات تسليم محتملة لطائرات إيرانية بدون طيار للجيش الروسي، حسب مارداسوف.  

"معلومات أميركية"  

وكان مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان قد قال، الاثنين، إن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران تستعد لتزويد روسيا بما يصل إلى عدة مئات من الطائرات بدون طيار، بما في ذلك بعض الطائرات ذات القدرة على حمل الأسلحة. 

وأشار سوليفان إلى أن لدى الولايات المتحدة معلومات تظهر أن إيران تستعد لتدريب القوات الروسية على استخدام هذه الطائرات بدون طيار. 

وأتى تعليق سوليفان مثالا على نقص الأسلحة الذي تواجهه موسكو في حربها على أوكرانيا، وتابع: "معلوماتنا تشير إلى أن الحكومة الإيرانية تستعد لتزويد روسيا بعدة مئات من الطائرات المسيرة من بينها التي تحمل الأسلحة خلال فترة محددة". 

وأضاف أن إيران بدأت المرحلة الأولى من تدريب الجنود الروس على استخدام الطائرات المسيرة في بداية يوليو، وأنه ليس من الواضح بعد إن قامت إيران فعلا بتسليم تلك الطائرات المسيرة إلى روسيا. 

"هذا مثال واحد على الكيفية التي تنظر بها روسيا إلى دول مثل إيران للحصول على قدرات يتم توظيفها لتنفيذ هجمات على السعودية"، وأكد سوليفان أن الولايات المتحدة ستسعى جاهدة لتعطيل جهود روسيا وأن "محاولاتها لمجو أوكرانيا من الخريطة لن تنجح بتاتا". 

"فرصة اللقاء"  

في غضون ذلك تعتبر المحادثات في إيران فرصة بالنسبة لبوتين للقاء إردوغان على أرض محايدة، إذا جاز التعبير. 

وبات من المستحيل على بوتين، في الوقت الحالي، القيام بزيارة مباشرة إلى تركيا، "حيث طلب إردوغان من بوتين عدة مرات إجراء محادثات مع زيلينسكي على الأراضي التركية". 

ويوضح الباحث مارداسوف: "في هذه الحالة ستكون زيارته إلى تركيا مرتبطة تماما بأوكرانيا، وهو أمر غير مفيد للكرملين". 

ولدى بوتين وإردوغان الكثير لمناقشته، لأن موسكو وأنقرة وعلى الرغم من المنافسة في العديد من المناطق، تعتمدان على بعضهما البعض في المشاريع الاقتصادية.  

بالإضافة إلى ذلك يقول الباحث الروسي: "تعتبر تركيا مهمة للغاية بالنسبة للشركات الروسية المتوسطة والكبيرة الخاضعة للعقوبات".

في الوقت نفسه، "من المرجح أن يتذرع الكرملين بأن الأعمال العدائية في أوكرانيا عطلت خطط تطوير التعاون التركي الأوكراني على الأراضي الأوكرانية عند مستوى معين، مما يؤثر على إمدادات المحركات لطائرات أكينجي، وكذلك مشاركة الشركات التركية في الامتيازات المتعلقة بالموانئ البحرية"، حسب مارداسوف. 

وعلى مدى الأشهر الماضية التزم إردوغان بخط واحد في ما يتعلق بعلاقة بلاده مع كل من روسيا وأوكرانيا، وبينما كان يجري الاتصالات مع بوتين يتجه سريعا لاتباع ذات الخطوة مع زيليسنكي.  

ومنذ اليوم الأول لبدء الحرب الروسية على أوكرانيا، أعلنت أنقرة أنها ستبقى في موقف المتوازن بين موسكو وكييف، على اعتبار أنها ترتبط بعلاقات مشتركة مع كليهما.  

وكانت آخر محطات أنقرة على صعيد الأزمة المتعلقة بالحرب الروسية على أوكرانيا اتجاهها للقيام بدور محوري في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، من أجل استئناف إيصال شحنات الحبوب المتوقفة في الموانئ الأوكرانية.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".