بقلم محمد الدليمي:
بينما كانت (سامية) وزوجها يسيران في مدينة راوة العراقية، توقفت أمامهما سيارة فيها أفراد "الحسبة" التابعين لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش". ليسألوا الزوج "ليش زوجتك سافرة؟".
نزلت كلماتهم على أذني الزوجين كالصاعقة. فالزوجة كانت ترتدي رداءً أسوداً طويلاً (يُسميه العراقيون الرداء الإسلامي) مع قفازات طويلة ونقاب لا يظهر منه عينٌ ولا وجه فضلاً عن جوارب سوداء.
تقول سامية "لم أعرف قبل تلك اللحظة ما معنى الخوف، إذا كانت ملابسي هذه سافرة، فماذا يجب أن أرتدي؟!".
كان على الزوج شراء زيٍ مصمم من قبل داعش يباع إجبارياً في الأسواق ويتم ارتداؤه فوق الرداء الأسود فيما "يشبه زياً أفغانياً" يصل إلى الركبة. فلم يكن أمامه إلا الامتثال خوفاً من العقوبة، ولم يكن أمامها إلا "تفضيل البقاء في بيتها".
تقول الزوجة وأستاذة الرياضيات لسنين طويلة إنها من بيئة محافظة، وليست لديها مشكلة مع ارتداء الحجاب. لكن هذا التشدد "بلا حدود وليس فيه عقل ولا منطق".
وتضيف إن حياة النساء ودورهن في المجتمع الذي يريد تنظيم داعش إقامته "يؤسس لمستقبل مظلم، ويهضم حق المرأة ويقتل آمالها".
وتضيف "من حق كل امرأة أن تفكرَ ما هو مستقبلي وكيف أطور نفسي؟ وهل سأقضي أيام العمر بهذه الطريقة. أنا مربية أجيال، أعلمهم وأتعلم منهم. ولم اقرأ في التاريخ يوماً مثل هذه النظرة الدونية للنساء التي تسود الآن وتتزايد".
كأن النساء سبب مشاكل الدنيا
تتناقص قائمة ما يمكن أن تفعله المرأة في حياتها اليومية مع كل يوم يمُر في المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش، حتى تكادُ تصل إلى الصفر. فالنساء اللواتي صار لزاماً عليهن عدم الخروج إلا مع محرم، أو برفقة طفل، أو بإذن خاص إن لم يوجد محرم، صرن يعشن في سجنٍ كبير.
إحدى هؤلاء النسوة تحدثت لموقع (إرفع صوتك) عبر الهاتف من إحدى قرى الموصل واختارت لنفسها اسم شيماء، وهي طالبة سابقة في كلية طب الموصل. وجدت نفسها وعائلتها سجينة محابس متعددة في مدينة لا تستطيع مغادرتها. فوالدها المقعد لا يستطيع الحركة، فضلاً عن ظروف الحرب وانقطاع الطرق والفقر المدقع. تقول شيماء "سأخسر سنتين من دراستي. عمر يضيع ومستقبل يضيع فماذا بقي لي؟".
شكل حياتها لا يختلف عن نساءٍ مثلها أجبرن على التعايش مع أسلوبٍ جديدٍ في الحياة لم يعرفنه من قبل.
رفضت شيماء الالتحاق بكلية الطب في الموصل، إذ تقول "ما فائدة الالتحاق بأي مدرسة لا تعترف بها الحكومة العراقية وبالتالي جهد ومخاطر تضيع بلا فائدة".
عن شكل حياة المرأة تحت حكم تنظيم داعش، تقول شيماء "كل شيء يختفي من الأسواق ومن الحياة، إلا شيء واحد يزداد كل يوم: قائمة المحرمات على المرأة".
تريد شيماء المغادرة وبأي ثمن، لكن إخوتها لم يجدوا طريقة يستطيعون بها نقل والدهم بأمان.
"نحن نعاني منذ زمن بعيد"، تقول شيماء. "اليوم نعاني أكثر من أي وقتٍ مضى، كأننا حيوانات وكأن النساء سبب مشاكل الدنيا وليس الرجال".
فُرص العمل والزواج
معدلات البطالة للنساء في الدول العربية كبيرة، أما في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش فهي أكبر بأضعاف. فقطاعات واسعة من مختلف المصالح الصناعية والصحية والمصرفية والتعليمية قد أغلقت أبوابها وذهبت معها فرص عمل كانت تتوفر لبعض النساء.
والفرص المتبقية تخنقها القيود على النساء من لباس وحركة، حيث يقوم بالتجسس لصالح التنظيم مجموعة من النساء في "كتيبة الخنساء" التابعة للتنظيم والمكونة من نساء ولائهن للتنظيم.
الزواج هو الآخر صار أصعب. فالنساء المؤيدات للتنظيم، يتزوجن ليصبحن أرامل بعد أشهر أو حتى مطلقات. كتبت إحداهن على مواقع التواصل الاجتماعي أنها لا تريد أن تكون مثل صديقتها أرملة أحد أعضاء داعش، والتي عادت لتتزوج فأصحبت مُطلقة.
أما النساء اللواتي لا يردن القرب من التنظيم أو ممن يسانده، فمعاناتهن أكبر.
تقول أم ضحى المقيمة في الموصل، والتي رفضت خطبة ابنتها من أحد أقاربها قبل أسابيع، "لا أريد أن تصبح ابنتي أرملة. فالقصفُ والحربُ لا تعرفُ مدنيين. ولا أريدُ أن تكون مثل بعض النساء اللواتي تزوجن فتصبح أرملة بعد أيام".
أم ضحى تريدُ أن تمُر الأيام حتى تعود الحياة إلى طبيعتها "عند تحرير الأرض". وتقولُ "يصعُبُ على أي إنسان تخيل الحياة حيث نعيش، بلا ماء ولا كهرباء ولا مرتبات، وكل ما لدينا هو محاولة للعيش دون الكفاف".
تعترض أم ضحى على مصطلح "الحياة في ظل داعش"، فتقول "لا يوجدُ حياة هنا، فنحن موتى نسير على قدمين وكفننا أسود".
*الصورة: عدد كبير من العائلات نزح خارج مدينة الموصل بعد سيطرة تنظيم داعش عليها وبدء قوات التحالف الدولي قصف مقرات التنظيم/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659