بقلم جنى فواز الحسن:
في أحد تصريحاتها بعد اعتقالها، قالت المرأة العراقية التي جنّدها زوجها للقيام بعملية انتحارية في عمّان ساجدة الريشاوي إنّها لم ترد أن تقتل أحداً، وإنّها أُجبرت على القيام بالعملية.
نفّذ القضاء الأردني لاحقاً حكم الإعدام الذي كان قد جمّده بساجدة، على الرغم من تصنيفها "ضعيفة عقلياً"، ردّاً على قتل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" للطيّار الأردني معاذ كساسبة.
أُعدمت ساجدة وبقي لدينا نموذج ناقص عن "نساء الجهاد" اللواتي لا نعرف عنهن الكثير. ما نعرفه عن الريشاوي هو أنها تتحدّر من عائلة ذات امتداد في "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" وأنّها أمّ لثلاثة أطفال وأنّها في لحظةٍ ما كانت على وشك تفجير نفسها، لكنّها فشلت في نزع الصاعق من الحزام الناسف ووجدت نفسها تهرب مع الناجين.
عروس الموت
هل كانت ساجدة مخيّرة أم مجبرة؟ هل كانت فعلاً مستعدّة للتخلّي عن أمومتها مقابل الموت؟ وما الذي يدفع بالمرأة إلى الإرهاب والتطرّف؟ ا
لنماذج في العالم العربي كثيرة ومن ضمنها حكاية ترويها لنا مديرة معهد المرأة القيادية والناشطة في حقوق المرأة سندس عبّاس. تقول "خلال عملي في المعهد ونشاطي الحقوقي، صادفت امرأة ترمّلت في سنٍّ صغيرة بسبب الانفجارات التي طالت العراق. بعد مقتل زوجها ومعاناتها من الفقر وعدم إمكانيّتها أن تربيّ طفلين يتيمين وحدها، وجدت تلك المرأة حلّاً في زواجٍ ثانٍ. وافقت على الزواج من خاطبها فوراً من دون أيّ تفكير أو تدقيق بخلفيته".
اتّضح لاحقاً للعروس أنّ زوجها منخرط في جماعة إرهابية وأنّه يريد توريطها في نشاطاته العنيفة.
تروي سندس لموقع (إرفع صوتك) "حاول الزوج أن يفرض على الشابة عقائده وفكره الأصولي. لم تتوقّف المأساة عند هذا الحد، فقد كُلّفت الشابة في نهاية المطاف بعملية انتحارية. لكن تمّ القبض عليها من قبل الجهات الأمنيّة المختصّة".
التطرّف لمواجهة الإحباط
تشرح سندس الدوافع التي تحمل الفتيات للاتجاه نحو الإرهاب والتطرّف الديني، معتبرةً أنّ "الإنسان، سواء كان امرأة أو رجلاً، يلجأ إلى التطرّف حين يجد نفسه غارقاً في الإحباط كنوع من الحماية الذاتية أو وسيلة لردّ اعتباره".
وتضيف "النساء في المجتمعات العربية معرّضات للتهميش، لذا يلجأن أحيانًا للتطرّف حين يواجهن الفقدان أو عدم التقدير للتضحيات التي يقدّمنها لأسرهنّ أو مجتمعهنّ. حين تُسلب المرأة من كلّ شيء، زوجها أو منزلها أو ابنها، ولا تجد أيّ دعم من المجتمع، تصبح مرتبكة وبالتالي يصبح من السهل جرّها إلى هكذا مجال".
يتحدّث مصدر أمني عراقي إلى موقع (إرفع صوتك) عن أحوال وأوضاع سجينات بتهمة الإرهاب. ويشرح المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، "قام تنظيم القاعدة منذ عام 2003 باستغلال أوضاع هؤلاء النساء اللواتي نشير إليهنّ بالمغرّر بهنّ وجنّدهن للعمل لصالحه مقابل مبالغ ماديّة أحياناً".
من ضمن المهام الموكلة للنساء، يذكر المصدر، نقل المعلومات أو الأسلحة لصالح التنظيم. ويشير إلى أنّ تنظيم القاعدة قام أيضاً بتزويج نساء عراقيات لقادة في التنظيم بهدف تجنيدهنّ لخدمته كذلك.
يتحدّث المصدر أيضًا عن حبوب مخدّرة كانت تعطى لهؤلاء النسوة من قبل التنظيم. ويروي قصّة (رانية) فتاة أجبرتها عائلتها وزوجها على القيام بعمية انتحارية. "كانت رانية مخدّرة لكنّها لم تفقد وعيها كليًّا وتمكّنت من إخبار نقطة التفتيش العسكرية أنّها تحمل حزاماً ناسفاً".
مسيّرات أو مخيّرات؟
بحسب سندس لا تذهب النساء إلى التطرّف بقرار مسبق. وتقول "في الحقيقة، أعتقد أنّ معظم النساء في العالم العربي منساقات ومجبرات لأكثر من سبب. المرأة العربية لا تملك قرارها وهي تتبع للرجل سواء الزوج أو الأب أو الأخ. ويمكن لهذا الرجل في حياتها أن يجبرها على التطرّف أو أن يقنعها بذلك. الأميّة بين النساء منتشرة أكثر من الرجال والوعي منخفض، كما أنّهن لا يملكن الموارد الاقتصادية الخاصّة بهن، لذلك من السهل ترويضهن ودفعهن إلى الإرهاب".
تقارن سندس هذا الانسياق بتوجّه بعض النساء إلى الدعارة وتقول "تعتقد المرأة أنّها تذهب إلى الدعارة بقرارها أحياناً من دون أن تعي أنّها تُدفع إلى هذا الاتجاه بسبب تركيبة اجتماعية معيّنة. وقد ينطبق الأمر أيضاً على خيار الإرهاب".
الجهاد النسوي الالكتروني
تغوص الباحثة العراقية نهى درويش في تركيبة المرأة النفسية، بالتحديد من خلال حوارات أجرتها عبر الشبكة العنكبوتية مع نساء ناشطات في الترويج لنهج داعش. تقول "كان الهدف من هذه الحوارات أن أفهم الجوانب النفسية لهؤلاء النسوة وإن كنّ مقتنعات فعلياً بالفكر الذي يروّجون له".
تشير نهى إلى أنّ معظم النساء اللواتي تواصلت معهنّ من دول شرقية والغالبية من دول خليجية. سمةٌ مشتركة وجدتها نهى بين هؤلاء النسوة هي معاناة معظمهنّ من أسر متفكّكة. "هناك خيانات زوجية من قبل النساء والرجال في هذه الأسر. هذه الخيانات المعلنة أو غير المعلنة تدفع الأبناء إلى العيش في عزلة في غرفهم واللجوء إلى غرف الدردشة المغلقة".
بحسب نهى، عاشت الفتيات تجارب نفسية صعبة وعشن تناقضات بين الشعور بالسخط على العائلة وواجبهن الديني المتمثّل بطاعة الوالدين. تقول "كان من السهل السيطرة على هذه النفسيات من قبل نساء أخريات أو رجال ينشطن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويجنّدن هؤلاء الفتيات لخدمة داعش أو تنظيمات أخرى".
وتضيف في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) "هذا الشعور بالذنب عند الفتيات يؤدّي بهنّ إلى التطرّف. هنّ أيضاً يحاولن أن يثرن الانتباه وهذا يظهر في الصور التي يستعملنها وإن لم تكن صورهنّ الحقيقية. نرى مثلًا صورة امرأة بخمار تظهر عينيها فقط بكثير من الكحل أو صورة لامرأة منقّبة وبقربها وردة. هذه الصور تحمل ايحاءات تظهر الكبت الذي تعاني منه بعض الفتيات".
تشير نهى كذلك إلى أنّ داعش يصنف المرأة كأدنى مرتبة. "هذا التصنيف للأسف يلقى صدى عند نساء يعانين من نزعة مازوشية. وهذا شعور تغذّيه بعض العائلات والمجتمعات ويصل إلى حدّ أن تستلذّ بعض النسوة بالاستعباد.. ويصبح الانسياق وراء مقاتلي داعش هنا سهلاً".
*الصورة: الإنسان، سواء كان امرأة أو رجلاً، يلجأ إلى التطرّف حين يجد نفسه غارقاً في الإحباط كنوع من الحماية الذاتية أو وسيلة لردّ اعتباره/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659