بقلم محمد الدليمي:
كيف هو شكل الحياة اليومية لطالبات المدارس في المناطق التي يسيطر عليها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؟
حجم التفاصيل والمعاناة التي تسردها الطالبات والمعلمات عند الإجابة على هذا السؤال يفوق خيال الكثيرين ويوضح تفاصيل صورة قاتمة تعيشها فتيات في مقتبل العمر.
ويختلف عدد المدارس التي فتحت أبوابها للطالبات باختلاف المدينة، لكنّها عموماً أقل بكثير مما كانت عليه قبل عام 2014 وذلك لعدة أسباب منها الهجرة المليونية لساكني هذه المدن، فضلاً عن الظروف الصعبة التي تعيشها هذه المدن من حرب وقلة مصادر الدخل ورفض الكثير من الأهالي إرسال بناتهم لهذه المدارس.
ويقدّر سكّان مدن مختلفة في محافظة نينوى والأنبار عدد المدارس التي فتحت أبوابها بخمسة بالمئة من العدد الكليّ للمدارس.
بين "الحجي" و"الحجية".. ضاعت الطالبات
تشير إحدى المعلمات في مدارس الفلوجة، التي اختارت لنفسها اسم خولة خوفاً على نفسها، إلى إنّ "المشرف العام على المدارس من قبل التنظيم يُلقّب بالحجي".
تقول "الحجي هو المشرف المباشر على المدارس في مدينتنا، لكنّ عدد المدارس ليس كبيراً.. لدينا خمس مدارس ابتدائية واثنتين متوسطة ولا يوجد مدرسة إعدادية للبنات. هذا المشرف هو المسؤول عن توزيع الرواتب ويقوم بزيارات مفاجئة للمدرسة ومجرّد ذكر اسمه يثير الرعب في النفوس".
تكمل خولة بحسرة "هو من يوزع الرواتب بعد قطع رواتبنا من الحكومة. يقوم بزيارة تفتيشية وهي ساعة رعب كبيرة، ولولا حاجتي لإعانة عائلتي لما عدت للمدرسة ولا للتدريس في هكذا ظروف".
الحجي ليس المشكلة الوحيدة. زوجته الملقبة بـ"الحجية" هي المسؤولة المباشرة عن الجولات داخل المدرسة والتحدث للطالبات، حيث تلقي عليهن الخطب وتحثهن على تبني مشروع داعش الديني والفكري. وتقول خولة إنّ كلامها يدور حول تربية جيل جديد.
تتوجّه الحجية للطالبات قائلة "أنتن أمهات المستقبل، ويجب أن تربين أبناءكن على الجهاد والتضحية". تشير خولة إلى إنّ أغلب توجيهات المرشدة وخطبها تدور حول ملابس الطالبات والمعلمات. تتصاعد أنفاس خولة وهي تتحدث عن الملابس، بنبرة توضح حجم أهمية هذا الموضوع في الحياة اليومية.
تقول خولة "الويل للمعلمة التي لا ترتدي ملابس فضفاضة لدرجة تمكّن امرأة أخرى أن تدخل في ثيابها، ولا يوجد لون مسموح به غير الأسود". وتضيف بشيء من اليأس من نتائج ما يحدث في مدرستها "بين الحجي والحجية.. ضاعت الطالبات".
عمرها 10 أعوام ومحكومة بالسواد
أماني، طالبة عمرها عشرة أعوام، لكن لسوء حظها فهي أطول من أقرانها وعناصر تنظيم داعش لا يكترثون للعمر وينظرون إلى الطول والتركيبة الجسمانية للبنات.
تقول أماني التي ترتدي الحجاب وتذهب إلى مدرستها الابتدائية "كل صباح، أجد اثنين من عناصرهم عند باب المدرسة.. منظرهما مرعب ويحاسبان أيّ فتاة لا ترتدي الملابس التي يفرضونها".
أوقف أحد المسلحين أماني عند الباب، وصاح بها لماذا لا ترتدين "اللباس الشرعي"؟
واللباس الشرعي مكون من طبقات سوداء ومخصص للبالغات. حذر عناصر داعش أماني وهدّدوها بالعقوبة إن لم تلبس هذا الزي وأمروها بالعودة إلى البيت. أماني كانت ترتدي حجاباً وملابساً سوداء، لكنهم اعتبروها بالغة "بالشكل" وبالتالي يجب أن ترتدي ملابس البالغات. تقول أماني بصوت طفولي "رجعت للبيت ركض واني ميتة خوف، ما أريد المدرسة بعد، بس أريد أظل بالبيت".
أماني ليست مختلفة عن غيرها، فالكثير من الطالبات يجلسن الآن في البيوت.
مناهج جديدة
منذ سيطرة داعش على مناطق شاسعة من العراق وسورية خلال عام 2014 والطالبات في المراحل الدراسية المختلفة في مأزق لا يحسدن عليه، لكن الكثير منهن كُنّ يعللن النفس بالقول إن "المناهج هي نفسها عدا عن إلغاء بعض المواد، لهذا سنستمر".
وكان التنظيم قد قام بإلغاء عدد من المواد الدراسية في مناطق سيطرته مثل التاريخ والفلسفة والجغرافية. كما قام بشطب عبارات من المنهج مثل "الجمهورية العربية السورية" و"جمهورية العراق" واستبدلها باسم "الدولة الإسلامية"، بالإضافة إلى تعديلات أخرى.
أما الآن فيريد التنظيم تدريس مناهج جديدة قام هو بإعدادها، وهو ما سيضع الكثير من الطلاب على محك ومفترق طرق.
موقع (إرفع صوتك) تحدث لمديرة مدرسة ابتدائية غادرت قبل أسابيع رافضة تدريس المواد الجديدة بعد إبلاغها بوصول هذه المواد وقرب توزيعها.
"يريدوننا أن ندرّس الفقه والتربية الجهادية ومناهج غريبة عجيبة للطالبات، وهو ما يعني انفصالاً تاماً عن النظام التعليمي في البلاد".
تقول المديرة التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها خوفاً من تنظيم داعش إنّ "أغلب الأهالي سيتوقفون عن إرسال الطالبات وربما نشهد محاولات من داعش لإجبارهم على إرسالهن".
"سوف تبدأ مشاكل كبيرة، خاصة في المدن التي تضمّ نسبة سكانية كبيرة مثل الموصل، ولم أشأ أن أكون جزءاً من هذه المهزلة، فوجدت طريقة للخروج وكنت محظوظة".
وعن عدد الطالبات في مدرستها، تقول إنّ "عدد الطالبات اللواتي سجلن للدراسة تناقص كثيراً بعد عدم اعتراف وزارة التربية العراقية بامتحانات الطالبات التي أجريت في منتصف العام الحالي واضطررن لإعادتها في كردستان العراق لمن استطاع السفر منهن". وتشير إلى إنّ العام الدراسي الجديد سيبدأ نهاية هذا الشهر في مناطق سيطرة داعش.
"هناك ناس أعمارهم تضيع بسبب القتل والتفجير، وطالبات أعمارهن تضيع بسبب تخريب التعليم، ومجتمع يواجه خطر الانهيار، وماكو أحد مهتم".
*الصورة: "يريدونا أن ندرس فقه، وتربية جهادية، ومناهج غريبة عجيبة للطالبات"/ وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659