بقلم حسن عبّاس:
لا تستطيع تجميع أفكارها بسهولة. عندما تسألها سؤالاً عن نفسها، تسترسل في الحديث عن والدتها الواقعة في أسر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". تشعر بالخجل من الكلام عمّا حصل معها. قبل أن تجيب على السؤال، تتلفّت حولها وتسترق النظر إلى باب الغرفة، خائفةً من أن تكون مراقبة.
كان هناك أمان
هي شهلاء أحمد كوتُر، 30 عاماً، إحدى الناجيات الأيزيديات من أسر تنظيم داعش. حالياً تعبّر عن فرحها لنجاتها، لكنّ مظاهر الفرح لا ترتسم على وجهها أبداً حتى وهي تقول ذلك. تتحدث كثيراً عن والدتها وعن 22 فرداً من عائلتها وقعوا في أسر داعش ومصيرهم لا يزال مجهولاً. تفكر بأقاربها وبالسفر إلى ألمانيا "لأنّ الحياة هنا لا تحتمل وأخاف أن يتكرّر ما حصل معي مرّة ثانية"، كما قالت لموقع (إرفع صوتك).
شهلاء تقيم حالياً في مخيّم قاديا في إقليم كردستان العراق. عندما تقول لها "ولكن أنت هنا بأمان"، تجيب بلا تردّد "وفي قريتنا أيضاً كان هناك أمان وكانوا يقولون لنا لا تخرجوا لأننا سنحميكم". الآن تفكرّ بالفتيات اللواتي لا تزلن أسيرات.
تحمل الشابة العراقية الأيزيدية معها رحلة معاناتها التي قادتها من قرية كوجو في قضاء سنجار وصولاً إلى مكان إقامتها الحالي. بدأ خوفها قبل دخول التنظيم المتطرف إلى قريتها، منذ أن شاع خبر احتلاله مدينة الموصل وبدأ تمدّده إلى مناطق أخرى.
قتل عناصر التنظيم الرجال ونقلوا النساء والأطفال إلى قرية سولاغ ثمّ إلى تلعفر وبعدها إلى الموصل. أخذوا الأطفال الصالحين للعمل للاستفادة منهم وتعليمهم دروساً دينية. كان نصيبها أن تُباع إلى رجل سوري من الرقّة قبل أن يشتريها أحد المهرّبين ويعود بها إلى إقليم كردستان.
تُكرر اسم أبي حمزة الفاطمي، أمير داعش في منطقتهم، وتقول إنه من جيرانهم العرب ومن غير الممكن إعادة الثقة بهؤلاء الجيران من جديد، خاصة أن جزءاً كبيراً منهم انضم إلى التنظيم لحظة وصوله.
هذه آخر أيام الدنيا
معلّمة المدرسة المتقاعدة جمال حاوا المعروفة بأم ربيع، 65 عاماً، تعمل حالياً متطوعة في كنيسة للسريان الأرثوذكس تماماً كما كانت منذ طفولتها. ولكن ما اختلف حالياً هو المكان والمهمات.
"إيماني يقول لي إن هذه آخر أيام الحياة الدنيا"، تقول لموقع (إرفع صوتك) وتروي كيف تركت هي وزوجهما منزلهما في الموصل بكل ما فيه في ما تسمّيه "ليلة داعش". نزحا قبل إخراج المسيحيين من بيوتهم بساعات. الآن منزلهما مصادر "لشهداء الدولة الإسلامية"، كما أخبرها جيرانها.
تؤكّد أم ربيع أنّ "كل المسيحيين لا يريدون العودة إلى مناطقهم. إلى أين سأعود؟ لم أعد أثق بجيراني. بعض الناس قالوا لي "هذا شرعنا" تعليقاً على مأساتنا. شعرت أن الضربة أتت منهم لأنهم لو لم يتعاطفوا مع داعش لما تمكّن من الدخول، والجيل الصغير غُسلت أدمغتهم وانتهى الأمر. في اليوم الأول بكيت على بيتي بحرقة قلب، لكن في اليوم الثاني وجدت نفسي أساعد الناس الهاربين. الآن لم أعد أفكر بالعودة".
تساعد أم ربيع الفقراء من التبرعات التي تصل إلى الكنيسة. لا تريد الهجرة. ذهبت وزوجها إلى السويد وعادا "لأننا لم نحتمل الحياة هناك"، كما قالت، مضيفةً "لكننا لن نعود إلى الموصل. أرضي هي العراق. قد أبقى في إقليم كردستان. ما دامت كنيستنا باقية، نحن باقون".
تحزن أم ربيع لقرار كل الشباب الهجرة من العراق، لكنّها لا تلومهم فبرأيها "الدولة تخلت عنهم ولا توفّر لهم الوظائف والأعمال التي تمكّنهم من كسب المال والبقاء في الوطن".
فقدن الثقة بكل شيء
بعد حديثها عن مأساتها، أكّدت أم ربيع "جماعتنا حالهم أفضل من حال الأيزيديات. نحن على الرغم من سوء حالنا نرسل إليهم بعض المساعدات التي تصلنا".
شيرين، 14 عاماً، هي أيضاً إيزيدية من كوجو، وتواصلنا معها ومع شهلاء عبر (المنظمة الأيزيدية للتوثيق) التي تولّى أحد ناشطيها ترجمة كلامهما من الكردية إلى العربية. تقيم حالياً، بعد قطعها رحلة عذاب، في مخيّم قاديا مع والدتها وتنتظر كشف مصير أخيها وأختها.
كان نصيبها أن يشتريها رجل من الموصل ويأخذها إلى منزله إلى حين تمكنت من الهرب بالصدفة فاحتضنتها عائلة موصليّة وهرّبتها إلى كركوك. "أفكر بالناس المعتقلين هناك. رأيت كيف يعذبونهم"، قالت لموقع (إرفع صوتك) مضيفةً "أخاف من أشكالهم القبيحة. أخاف من داعش. أخاف من رؤيتهم على التلفاز".
إعادة الضحايا إلى الحياة
تعمل جمين رشيد عبد العزيز مديرة لفرع دهوك في منظمة وادي الألمانية غير الحكومية. قبل فترة، أسست المنظمة (سنتر جيندا لمتضررات الحرب) بالتعاون مع (منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسف) والحكومة الإيطالية. و"جيندا" بالكردية كلمة تعني إعادة الحياة من جديد.
إسم المركز يدلّ على حال النساء الهاربات من عنف داعش. يَجمع المركز ضحايا التنظيم المتطرف ويعمل على دعمهنّ نفسياً واجتماعياً وصحياً، بالإضافة إلى تدريسهنّ وتعليمهنّ أشغالاً يدوية وإشراكهنّ في فقرات ترفيهية للتخفيف عنهنّ.
"يعتقدن أن المسلمين هم مَن اعتدوا عليهنّ وهجّروهنّ وتسببوا بمعاناتهنّ. أساساً أكثريتهنّ لم يكنّ قد خرجن من شنكال في سنجار ولا يعرفنَ كثيراً عن عادات وتقاليد غيرهنّ. إحدى الفتيات أكّدت أن معلّمها العربي في المدرسة هو مَن اغتصبها"، قالت جمين لموقع (إرفع صوتك).
وأشارت إلى أنّ "الصغيرات في السنّ صرن يخفن من الرجال ونحاول إدخالهنّ من جديد في المجتمع. يصعب بناء الثقة معهنّ. في البداية يكنّ فاقدات الثقة حتى بأنفسهنّ ويعتقدن أنهنّ غير قادرات على إنجاز أي شيء مفيد".
ولكنها أكّدت أن "العمل معهنّ يساعد على تحسّن حالة جزء كبير منهنّ نسبياً". ونقلت قصة فتاة رفضت بدايةً زيارة الطبيب لأنها تريد الموت وفي ما بعد عادت وطلبت ذلك بنفسها.
ولفتت إلى أن الأكثرية تفضل الهجرة، لكن البعض صار يتحدث عن العودة إلى قريته وصار يفهم أن لا علاقة للإسلام بالإرهابيين خاصةً أن جزءاً من المشرفين عليهنّ هم مسلمون. كما أن بعضهنّ صار راغباً في العودة إلى المدارس والكليات، وقالت إحدى الأيزيديات "أريد ممارسة التطريز في بيتي في شنكال".
الصورة: معاناة إيزيديات العراق... فصول قاسية لم تنتهِ بعد/ وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659