بقلم جنى فواز الحسن
عندما أعدم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" المصور الصحافي الأميركي جيمس فولي، أعربت خديجة دير التي تغرّد باسم "مهاجرة في الشام" عن رغبتها بتنفيذ إعدام مماثل، وكتبت عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر "هل من روابط حول إعدام الصحافي؟ أرجوكم. الله أكبر. لا بدّ أنّ بريطانيا ترتجف الآن. أريد أن أكون أوّل امرأة بريطانية تقتل إرهابي أميركي أو بريطاني".
في تغريدتها، تبدو البريطانية الشابة التي انتقلت إلى سورية عام 2012 مع زوجها السويدي المقاتل في صفوف تنظيم داعش (أبو بكر) مبتهجة للسوء الذي يُلحق بالغرب. تسخر من بلدها الأمّ كأنّها تريد تصفية حسابٍ معه.
خديجة المهاجرة إلى الشام
تبلغ خديجة الرابعة والعشرين من العمر، وهي أمّ لطفل واحد. في منتصف مراهقتها، اعتنقت الإسلام ونشطت في المراكز الدينية في السويد قبل أن تتّجه بـ"هجرتها إلى الشام". عبر منبرها في "تويتر"، أطلقت المرأة مراراً الدعوات للنساء للانضمام إلى تنظيم داعش وترك الغرب، حتّى أنّها كتبت "لا أصدّق أنّ واحدة فقط من الأخوات استجابت لدعوتي. عار عليكن".
خديجة ليست المهاجرة الوحيدة، إذ يقدّر تقرير صادر عن (معهد الحوار الاستراتيجي) في جامعة "كينجز كوليدج" في لندن عدد المهاجرات والمقاتلات الأوروبيات والغربيات اللّواتي انضممن إلى داعش بأكثر من 550 امرأة، مقابل أكثر من 3400 مقاتل من الغرب التحقوا أيضا بالتنظيم. وقد أصدر المعهد تقريرين عن ظاهرة انضمام النساء الغربيات إلى التنظيم. وتطرّق في التقرير الأّوّل إلى الرحلة التي تقوم بها النساء وواقع الحياة في ظلّ داعش، بينما تضمّن التقرير الثاني دراسة حول سبع نساء تركن حيواتهن واخترن التطرّف.
الرحلة خارج الوطن
"في اللّيلة التي سبقت رحيلي"، تقول أم ليث، التي انضمت إلى داعش، في مدونتها، "حاولت قضاء قدر الإمكان من الوقت مع عائلتي. واللهِ أذكر النظر إلى وجه أمّي وكان من الصعب عليّ ألّا أبكي لأنّي كنت مدركة أنّني سأغادره ووالدي قريباً. لعبت مع إخوتي الصغار وأخبرتهم أنّني أحبّهم وأنّ قلبي ينفطر لأنّني أعرف أنّني لن أراهم يكبرون. لكن خير، كنت أعرف أنّ هذا سيكون للأفضل".
أوضحت في بقية النّص أنّ أصعب ما تواجهه هو بعدها عن والدتها. "حتّى إن كنت تدرك مدى صواب قرارك والطريق الذي اخترته وكيف أنّ حبك لله يأتي قبل كلّ شيء، لا يزال الأمر ينطوي على ألم، وحده من مرّ بتجربة كهذه يمكنه أن يفهمه".
تبدو رحلة أم ليث ودوافعها أقلّ غصبا من خديجة، فإذ توضح الأخيرة نقمتها على العائلة الكبيرة – أيّ الوطن – تعبّر الأولى عن مدى صعوبة الانفصال عن العائلية الصغيرة والأمّ تحديدا.
تعريف مختلف للذات
يشير تقرير جامعة "كينجز كوليدج" إلى أنّ وسيلة "عروس الجهاد" التي يستخدمها التنظيم لاستدراج النساء ليست السبب الحقيقي وراء قراراتهن. تتوهّم النساء أحيانا تصوراً مثالياً عن الواجب الديني. بعضهن يدفعهن حسّ المغامرة وأخريات يحاولن أن يكنّ متميّزات عن نظيراتهن في المجتمع.
بحسب الباحثة الاجتماعية ناديا كيالي "قد يؤدّي فائض الحريّة المتوفّر في الغرب إلى الفراغ ويولّد هذه الرغبة عند بعض النساء بإيجاد هويّة أخرى وتعريف مختلف لذواتهنّ".
وتضيف كيالي "العلاقات في الغرب تختلف عن العلاقات في عالمنا العربي. هناك مرحلة تمرّد تعيشها الفتاة خلال سنّ المراهقة ولأنّ هامش الحريّة في الغرب واسع، قد تذهب الفتاة بتمرّدها إلى أقصى أشكاله ومن ضمن هذه الأشكال التطرّف الديني والإرهاب".
تقول كيالي إنّ "بعض النساء يذهبن بدافع ديني بحثا عن الشعور بالأمان. يعتنقن العقيدة الإسلامية ويصبحن مستعدات للقيام بكلّ ما يعتقدن أنّه واجب في سبيل الدفاع عنها".
واقع الحياة في ظلّ داعش
بعد قيامهن بالرحلة، شعرت الكثير من النساء الندم. من ضمن الأمثلة قصة المراهقة النمساوية سمراء كيزينوفيتش التي انتهت مقتولة بسبب تعرضها للاغتصاب المتكرر من عناصر داعش. التحقت سمراء بالتنظيم مع صديقتها سابينا سيلموفيتش بحثا عن التشويق والإثارة، إلا أنها سرعان ما ناشدت عائلتها لإنقاذها بعد حملها من دون أن تعرف أيّ من المقاتلين أب طفلها.
بعض النساء يروّجن للأخريات ويسدين إليهن النصائح حول ما يجب إحضاره عند الانضمام إلى داعش. يقلن لهنّ إنّهن بحاجة لتعلّم غسل ملابسهنّ يدويا ويتحدثن عن انقطاع التيار الكهربائي المتكرّر. يسدين أيضا نصائح حول ضرورة الزواج لأنّه يصعب على المرأة الخروج من دون محرم.
تمييز وامتيازات
بينما قد تحصل بعض النساء الغربيات المتزوجات من قياديين في التنظيم على امتيازات ومهام أبرزها تجنيد نساء أخريات، يكثر الحديث عن تعرّض "المهاجرات" (أيّ النساء الغربيات في داعش) للتمييز والإساءة من قبل النساء والسكان المحليين.
تصف "مهاجرة أمة الله" في مدوّنتها حادثة تعرّضت له امرأة غربية منضمة لداعش في سورية. تقول إنّ المرأة كانت قد أجهضت للتو وتعاني من نزيف حاد، غير أن الطبيبة في المستشفى قامت بفحص امرأتين كانتا تعانيان من انقباضات عادية وتركت المرأة غارقة في دمائها من دون أن يعود أحد للاطمئنان على صحتها.
أوضحت بعدها أنّ التمييز يحصل بدرجات متفاوتة وأشارت إلى أنّ معظم القصص المتداولة حول إساءة معاملة السكان المحليين من قبل المهاجرات غير دقيقة.
*الصورة: الشرطة الإسبانية تعتقل امرأة مغربية (18 عاما) يشتبه أنها كانت تجند النساء عبر الإنترنت لصالح تنظيم داعش/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659