بقلم حسن عبّاس:

"إذا وضعت لحماً مكشوفاً في مكان ثم جاءت القطط وأكلته، فخطأ مَن يكون هذا؟ القطط أم اللحم المكشوف؟ إن اللحم المكشوف هو المشكلة".

هذا تشبيه أثار الكثير من الجدل عام 2006. أمّا "اللحم المكشوف" فهو كناية عن المرأة. وأمّا "القطط" فهي كناية عن الرجال. والمقصد أن المرأة التي تتعرّض للاغتصاب هي المذنبة!

لكن مَن هو صاحب هكذا قول؟ إنه تاج الدين الهلالي، أبرز رجال الدين المسلمين في أستراليا، ومؤلف أكثر من 10 كتب إسلامية. وحين قاله، كان يشغل منصب مفتي أستراليا وقاله في خطبة في سيدني أمام 500 مصلٍّ.

هذه ليست حالة شاذة. من الأمثلة الأخرى تحميل الداعية سعد عرفات للمرأة ذنب التحرّش الجنسي بها. "المرأة هي التي تدعو إلى الإثم... أنت الداعية. اعلمي أنك السبب... لعلك خرجت بغير حاجة فسلّط الله عليك هذا الذنب"، قال عرفات.

وبشكل عام، ترى الأستاذة الجامعية والباحثة عايدة الجوهري أن بعض رجال الدين ينظرون إلى المرأة "ككائن مفتن ممكن أن تثير الشغب إذا أُطلقت حريتها وبالتالي يجب الحجر عليها حفاظاً على التوازن الاجتماعي".

تهميش المرأة

في دراسة، تابعتْ فيها الخطاب الإسلامي عن المرأة كما يظهر على الفضائيات الدينية ومواقع التواصل الاجتماعي، خلصت الباحثة المصرية خلود سعيد عامر إلى أن معظم الخطاب الإسلامي المعاصر يقع، بشكل عام، "في إشكاليتين: إما أنه يرى في المرأة فتنة تمشي على قدمين، أو إنه لا يراها أصلاً".

وعادةً، لا يتطرّق الدعاة إلى قضايا المرأة. وإذا تحدث بعضهم عنها فإنه يذكرها بصفتها زوجة أو أم أو ابنة أو أخت، فهي "غير موجودة بشكل مستقل، غير موجودة بكينونتها امرأة فقط، وأي فتاة غير متزوجة وتتولى أمر نفسها ليس لها أي وجود في مثل هذا الخطاب"، كما لاحظت عامر.

الرجل الوصي

ولأن النساء يُنظر إليهنّ كناقصات عقل ودين في تعميم غير جائز للحديث النبوي، تُفرض على المرأة وصاية الرجل، إذ يُنظر إليها ككائن غير قادر على اتخاذ القرارات. ويتجلّى هذا لا فقط في خطب الدعاة بل أيضاً في معظم قوانين الدول العربية التي تضع قيوداً على حركة المرأة، وتظهر هذه القيود بشكلها الأكثر شدّة في السعودية.

ويصل الأمر إلى حدّ تحريم وعظ المرأة للناس بسبب عدم أهليتها لمثل هذا الأمر. ففي تعليق له على ظاهرة النساء المتحدثات بشؤون الدين على الفضائيات، قال الشيخ أبو اسحق الحويني، أحد أبرز شيوخ السلفية في مصر وأشهر علماء الحديث، إن "هذا من الخبل الذي نعيشه الآن. بأي دليل تخرج امرأة على قناة فضائية تواجه الكاميرا وتخاطب ملايين الناس؟ ماذا عند هذه المرأة من العلم حتى تقدّمه؟ العلم إنما هو للرجال فقط".

لكن في مقابل هكذا آراء، هنالك آراء إسلامية تُعلي من شأن المرأة وتذكّر بأهمية الأدوار التي لعبتها النساء منذ زمن الرسول.

وقال الداعية الإسلامي المهندس فاضل سليمان إن "الإسلام لم يمنع المرأة من المشاركة في أي أمر. كانت المرأة المستشارة السياسية للرسول ﷺ فأم سلمة رضي ﷲ عنها  أشارت عليه في أمور سياسية ونزل على رأيها في يوم صلح الحديبية، وكانت حاضرة في الغزوات ليس فقط كطبيبة وممرضة بل كمقاتلة. وقد لعبت امرأة دور الحارس الشخصي للرسول في غزوة أحد، وكانت أيضاً معلّمة فالرجال كانوا يذهبون إلى السيّدة عائشة رضي ﷲ عنها لتعطيهم الدروس. والمرأة أدلت بصوتها في أُحُد إذ استشار الرسول ﷺ النساء والرجال في ما يجب فعله عندما بلغه خبر تجهيز المشركين لجيش يريد مقاتلتهم، وكذلك في اختيار الخليفة عثمان بن عفان".

وأضاف لموقع (إرفع صوتك) أن "أنس خاتون، زوجة المحدّث ابن حجر العسقلاني، كانت تعطي دروساً في مجالس مصر ويجلس نحو ألف رجل على الأرض ويدوّنون الملاحظات".

ما يُتداول إشكالي

وبعد إشارتها إلى أن الإسلام نقل المرأة من وضع الجاهلية وأعطاها حركة في ميادين المجتمع الإسلامي المختلفة، لفتت الباحثة هبة رؤوف عزت إلى أن عدم تفعيل هذا التصوّر في الواقع الراهن هو مفارقة تحوّل التصور الإسلامي حول المرأة من التحرّر إلى "أفق تقييد ومصادرة لحريات".

وبرأي فاضل سليمان، "عندما ترك المسلمون القرآن والسنّة وخلطوا الدين بثقافاتهم تأخروا"، معتبراً أن "بعض رجال الدين يستغلّون الدين بتأويلاتهم الخاطئة لنصوصه".

أما التيارات النسوية فقد انقسمت حول تحليل علاقة الإسلام بالمرأة، بحسب الجوهري، صاحبة كتاب "رمزية الحجاب مفاهيم ودلالات".

وقالت الجوهري لموقع (إرفع صوتك) إن "القراءات النسوية للنصوص الدينية أنتجت موقفان: الأول كالذي اتخذته الكاتبة اللبنانية المولودة في الآستانة عام 1909 نظيرة زين الدين والكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي والذي يقول إنه أسيء فهم الإسلام وإن الإسلام أنصف المرأة، لكن الفقهاء ظلموها. أما الموقف الثاني، فيعتبر أن الدين هو تعبير عن انتصار الرجل وهذا ما تقوله الكاتبة رجاء بن سلامة وتردده الكثيرات ممن يتبنّين الخطاب المدني".

وتصنّف الجوهري نفسها ضمن التيار الثاني. وبرأيها "المشكلة في عالمنا هي مشكلة تنوير، وطالما بقيت ثقافة الرضا والتسليم الدينية سائدة طالما أن العقل سيُغيّب".

الصورة: نساء منقبات/عن موقع Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".