بقلم خالد الغالي:
عندما بدأ الحديث عن تحرير المرأة في الدول العربية، منذ القرن التاسع عشر، تصدر موضوعا "تعليم البنات" و"خروج المرأة إلى العمل" قائمة القضايا المطروحة. وتولى مفكرون "إصلاحيون" الدفاع عن هذين الحقين، وسط جدال شديد.
أصدر رفاعة الطهطاوي كتابه "المرشد الأمين في تربية البنات والبنين" (1972)، وتلاه قاسم آمين بكتابيه "تحرير المرأة" (1899) و"المرأة الجديدة" (1900)، ثم الطاهر حداد بكتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" (1930).
أول المكتسبات
لم يتأخر الوقت طويلاً حتى حققت المرأة أولى مكتسباتها في هذين المجالين: تأسّست أول مدرسة حكومية ابتدائية للفتيات في مصر سنة 1873، ثم في تونس سنة 1900، والسودان سنة 1907... إلخ. فتحت هذه النهضة المجال أمام ظهور جيل من الرائدات: جليلة تمرهان أول كاتبة صحفية عربية (1865)، هند نوفل تصدر أول مجلة نسائية ("الفتاة" سنة 1892)، ملك حفني ناصف أول فتاة مصرية تتخرج من مدرسة ابتدائية حكومية (1903)، ظريفة إلياس بشور أول طبيبة سورية (1911)، توحيدة بنت الشيخ أول فتاة تحصل على الثانوية العامة في تونس (1928) وهي أيضاً أول تونسية تلج التعليم العالي وأول طبيبة في البلد.
اليوم، وبعد أكثر من قرن ونصف من اقتحام المرأة ميداني التعليم والعمل، وتحقيقها قفزة نوعية مقارنة بالماضي، لا يزال الكثير من الجهد ينتظر الإنجاز. لا تتجاوز مساهمة المرأة العربية في سوق العمل نسبة 23 في المئة، وهي الأدنى في العالم. وتشكل النساء قرابة ثلثي الأشخاص الذين يرزحون تحت الأمية في الدول العربية.
المرأة والحقوق السياسية
حصلت المرأة في البلدان العربية على جزء كبير من حقوقها السياسية، خاصة حقي التصويت والترشح خلال الفترة التي تلت الاستقلالات مباشرة: لبنان (1953)، سورية (1954)، مصر (1956)، تونس (1959)، موريتانيا (1961)، الجزائر (1962)... إلخ. لكن، رغم انتزاع هذا الحق مبكراً، لم تنجح النساء في كثير من الدول العربية في الوصول إلى البرلمان إلا بعد سنوات طويلة. في سورية دخلت المرأة البرلمان بعد عقدين من حصولها على الحق في التصويت والترشيح، وفي لبنان بعد عشر سنوات.
في المقابل، تأخرت الدول الخليجية في منح المرأة حقوقها السياسية. وكانت المملكة العربية السعودية آخر دولة تمنح حق التصويت والترشح للنساء، سنة 2011. أما أول مشاركة فعلية للمرأة السعودية في الانتخابات فلم تكن إلا في نهاية سنة 2015. وقبلها، منحت عمان (1994) وقطر (1998) والكويت (2005) والإمارات (2006)، للمرأة حق التصويت والترشح.
بيد أنه، ورغم حصول المرأة على حقوقها السياسة في مجمل الدول العربية، ما يزال وصولها إلى المراكز العليا لصناعة القرار السياسي ضعيفاً. فلحد الساعة، لم تصل أية امرأة عربية إلى منصب رئيس حكومة، كما أن تعيينها في المناصب الوزارية وإدارة المؤسسات العمومية الكبرى يظل هامشياً.
الأحوال الشخصية
صاغت أغلب الدول العربية قوانين للأحوال الشخصية منذ السنوات الأولى لاستقلالها. يعد ذلك في حد ذاته أمراً جيداً، فصياغة مدونة موحدة يحدد الأحكام ويحول دون السقوط في فوضى الآراء والاجتهادات الفقهية.
اختلفت المكتسبات النسائية في هذا المجال من دولة عربية إلى أخرى، بحسب تطور مدونة الأحوال الشخصية في كل بلد ومدى تقدمها. وتمثل تونس النموذج الأكثر تحرراً، فمنذ سنة 1958 سنّت إصلاحاً تشريعياً ألغى التعدد نهائياً. في المقابل، توقفت دول أخرى، مثل المغرب أو سورية، عند حدود اشتراط الإذن القضائي سعياً إلى الحد من التعدد.
وحدّدت أغلب التشريعات العربية سن أهلية الزواج للوقوف في وجه تزويج القاصرات، كما منحت المرأة الراشدة حق الولاية في عقد زواجها، إضافة إلى حقوق أخرى في مجال الطلاق والنفقة والحضانة، واقتسام ممتلكات الحالة الزوجية في حالة الطلاق.
علاوة على هذا، انضمت أغلب الدول العربية إلى الاتفاقيات والإعلانات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 1979، وإعلان مؤتمر بكين (مؤتمر الأمم المتحدة الرابع للمرأة) لسنة 1995.
*بعد قرن ونصف على انطلاقة مسيرة "تحرير المرأة"، حققت النساء العربيات إنجازات هامة في مجال قوانين الأحوال الشخصية والحقوق السياسية والميدان الاقتصادي/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659