بقلم إلسي مِلكونيان:
يشهد مستوى التعليم في الأردن تحسناً مستمراً خاصة بين النساء. فقد أشارت دراسة أجراها معهد "بروكينغز" الأميركي إلى أن نسبة النساء المتعلمات قد وصلت إلى 97 في المئة، وهي من بين النسب الأعلى بين الدول العربية.
لكن نسبة التعليم المرتفعة لا تنعكس على واقع المشاركة في سوق العمل، حيث تصل نسبة مشاركة المرأة في القوة العاملة إلى 15 في المئة، وهي الأدنى في المنطقة. وتشير دراسة المعهد إلى أن الإناث في الأردن يحققن درجات أعلى من الذكور في كل مراحل الدراسة تقريباً.
تعود أسباب تدني مشاركة النساء في القوة العاملة إلى تحديات عديدة منها تقاليد وعادات المجتمع. وعلى الرغم من هذه التحديات، تبرز نماذج نسائية ناجحة أحرزن تقدماً كبيراً في مجال العمل، ما كسر الصورة النمطية في المجتمع الأردني التي ترى أن الرجل هو أكثر قدرة على العمل وإحراز التقدم.
قصة نجاح "فيشه"
يمثل اقتناء الآلات الموسيقية ذات الجودة العالية أمراً صعباً أمام كل موسيقي يعيش في الأردن. ورغبة منها بتسهيل هذا الأمر، قامت نور الفايز (وهي مغنية أردنية) بتأسيس مشروع ناشئ في عمان يدعى "فيشه" وهو موقع إلكتروني يقدم خدمة التجارة الإلكترونية للآلات الموسيقية والآلات الصوتية.
بدأت الفايز مشروعها في عام 2012 وبمبلغ قدره 10 آلاف دينار (ما يعادل 15 ألف دولاراً أميركياً). وذلك بموجب منحة حصلت عليها من مسرعة الأعمال "أويسيس 500" في الأردن. وحصلت في عام 2013 على منحة جديدة من "دبي سيليكون أويسيس" ليشمل نشاطها الإمارات العربية ومؤخراً من "500 ستارت أبس" ومركزها الولايات المتحدة. وتسعى الفايز إلى تكبير حجم الشركة الموجودة حالياً في الأردن والإمارات العربية بحيث يتمكن الموسيقيون أيضاً من الإعلان عن آلاتهم وبيعها عبر "فيشه".
وتشرح نور الفايز لموقع (إرفع صوتك) أن سبب اختيارها لرجل كشريك مؤسس لشركتها كان لكونه فنان أيضاً وكانا يعزفان سوية وتضيف "أعتقد أن وجود الشريك أمر ضروري جداً لأي شركة ناشئة وخاصة في طور التأسيس".
وتضيف الفايز أن الحصول على عمل في الأردن بالنسبة للفتيات ليس بالأمر السهل بسبب المنافسة من قبل الوافدين من جنسيات أخرى وقلة فرص العمل ومحدودية المهن التي تناسب النساء. أما المشاريع الخاصة، فهي تمنح الكثير من المرونة التي لا يمكن إيجادها ضمن وظائف القطاع العام بدوام محدد من حيث ساعات العمل والدوام والمواصلات وبخاصة للمتزوجات منهن.
لكن... التحديات موجودة
يتعرض كل مشروع ناشئ لصعوبات عديدة حيث أن حصد الأرباح والوصول إلى النجاح ليس بالأمر السهل. وتشير الفايز إلى تحديات اجتماعية واجهتها، كانتقادات كونها امرأة تدير مشروعاً.
تقول الفايز "يجب على كل امرأة أن تؤمن بقدرتها على تخطي قيود المجتمع" وتضيف "من الضروري أن تميز كل امرأة بين أمرين: هل هذه الانتقادات موجهة لشخصي؟ أم أنها موجهة لي لأنني امرأة؟ ولا يجب لهذه الانتقادات أن تضعف من ثقتها بنفسها، كأن تحتاج إلى شركاء رجال لمساعدتها على القيام بمهامها".
وتضيف الفايز أن ما يزيد حجم هذه المشكلة هو الصورة النمطية لدى المجتمعات العربية فمعظم الأمثلة الناجحة للشركاء أو المستثمرين هم من الرجال مقابل العدد المحدود للنساء اللواتي تفوقن في عملهن، مما شكل مشكلة لدى المستثمرين أو الممولين لاقناعهم بقدرات المرأة في هذا المجال. وترى الفايز أن الطريقة الوحيدة لزيادة مشاركة المرأة في العمل هي إيمانها بقدرتها على تغيير هذه النظرة وأن لا تنتظر المجتمع ليتغير من تلقاء نفسه.
لكل مشكلة حل
على الرغم من وجود عدة نماذج لنساء ناجحات. تظهر أسباب كثيرة تشرح أسباب قلة مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية في الأردن.
تشرح أسمى خضر، المحامية والرئيسة التنفيذية لـ جمعية معهد تضامن النساء الأردني ووزيرة سابقة لموقع (إرفع صوتك) أن السبب في ذلك يتعلق بأمرين: الأول هو ظروف العمل والثاني يتمثل بتقبل المجتمع لطبيعة عمل المرأة.
وتقول "إن كان عمل المرأة محاطاً بالشكوك وبقيود اجتماعية وثقافية فهذا لا يطلق كامل إمكانياتها بل إنه يعرضها للإحراج. فإن كانت موظفة ويطلب منها حضور اجتماعات خارج أوقات الدوام دون أن يتفهم زوجها طبيعة هذا العمل، فهذا يمثل ضغوطاً نفسية واجتماعية عليها".
وتضيف خضر أن "تفاوت الأجور والضغوط الاجتماعية، وعدم وجود مواصلات عامة ميسرة يمثل تحديات إضافية. والمرأة مسؤولة أيضاً عن أعمال البيت فهي عملياً يبدأ يومها من السادسة صباحاً وينتهي في العاشرة مساءً. وبالنتيجة تنفق ما تكسبه على الأسرة ولا يعترف الزوج بكل هذا الجهد في نهاية الأمر".
إلى ذلك، تشير دراسة تفعيل مشاركة المرأة في سوق العمل، الصادرة عن المجلس الأعلى للسكان واللجنة الوطنية لشؤون المرأة، إلى وجود فجوة بين أجور الذكور وأجور الإناث تصل إلى حوالي 12 في المئة في الوظائف الحكومية لتصل إلى 17 في المئة في القطاع الخاص، إضافة إلى وجود 40 في المئة ممن يمتنعن عن العمل بسبب عائق المواصلات، وفق ما ذكرته مدونات البنك الدولي.
وكحل لهذه المشكلة توضح خضر أن منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون المرأة تنادي بسياسات استخدام مرنة وصديقة للمرأة. كما أنها تعمل على إيصال مقترحاتها للجهات المختصة بهدف خلق بيئة تساعد المرأة على فاعلية أكبر وتضمن استمرارها في سوق العمل. ومثال على ذلك، حملة صداقة والتي تهدف إلى توفير بيئة عمل صديقة للمرأة عبر المطالبة بدور الحضانة في أماكن العمل، وحملة تنظيم وسائط نقل حديثة وقليلة الكلفة ومنتظمة والإنصاف في الأجور.
*الصورة: "يجب على كل امرأة أن تؤمن بقدرتها على تخطي قيود المجتمع"/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659