الأردن – بقلم صالح قشطة:

هنّ رياديات أردنيات، بإصرارهنّ وعزيمتهنّ وإيمانهنّ المطلق بما يتمتعن به من إمكانيات، وإنجازات ونجاحات يشهد لها الكثير في مجتمعاتهنّ، تروي كلّ منهنّ لموقع (إرفع صوتك) وصفتها الخاصة التي قادتها نحو النجاح.

الإصرار على الكلمة

برزت روان عبابنة في مجالات التدريب والتنمية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة العربية. تعتبر نفسها محظوظة كونها تمكنت من تدريب ما يقارب 5000 سيدة من مختلف الفئات العمرية والمجتمعية، من دول المنطقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث عملت على تطويرهن في عدة جوانب كانت أبرزها مفاهيم القيادة، تطوير المشاريع، وكيفية كسب تأييد صنّاع القرار.

تقول لموقع (إرفع صوتك) "أبتسم عندما يتواصلن معي ليخبرنني عن إنجازهن لمشاريع ومبادرات بسبب كلمة سمعوها مني يوماً".

تتوجّه عبابنة للمرأة العربية بقولها "في كثير من الأوقات لن نحصل على التعامل الذي نستحقه، لكن إيماني بذاتي وبقدراتي كسيدة أنني أستطيع التغيير يجعلني أصنع ما أريد، وعلينا كسيدات أن نقول كلمتنا بصوت واضح، وأن نصر عليها".

الإرادة والإيمان بالذات

تقول السينمائية سوسن دروزة، مؤسسة مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان، لموقع (إرفع صوتك) "قياسي على الإنجاز هو مقدرتي على العمل على مشاريع جماعية أقود بها مجموعة من الشباب والمثقفين، سواءً في مجال المسرح، السينما أو التلفزيون أو بتأسيس مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان".

وتعتبر دروزة الإرادة والإيمان المطلق بالذات سر نجاح أي امرأة، ولا تجد مبرراً لأي سيدة لا تتخذ زمام المبادرة والعمل نحو التغيير، موجهة نصيحتها للمرأة العربية بأن تحافظ على دورها كأنثى وربة منزل ومحركة رئيسية في المجتمع، وأن تبقى سعيدة بنفسها، وأن تبث الخير والمحبة والذكاء على من حولها، وأن تبدأ بعائلتها الصغيرة، لتصنع التغيير بمجتمعها، ثم بوطنها، حتى تصل إلى العالم أجمع.

اتخاذ القرار

أمّا لينا التل، مديرة المركز الوطني للثقافة والفنون، والتي نجحت بإقناع صناع القرار في وزارة التربية والتعليم بأهمية إدخال الدراما كوسيلة إبداعية في التعليم في الصفوف الابتدائية، ومن ثم تمكنت من العمل على إدخال مادة الفنون المسرحية كمادة أساسية، بالإضافة إلى الكثير من الإنجازات الأخرى التي تعتز بها، ترى أن المجال مفتوح للنجاح، وأن كل ما على المرأة فعله هو اتخاذ القرار.

وتوضح التل "يجب على المرأة أن تعمل بثقة وبمحبة وعلم ومعرفة، وفي حال تواجدت هذه العناصر وامتلكت الثقة بنفسها، وآمنت بالعمل الذي تقوم به، فلن تجد الكثير من الصعوبات، وهي ليست مقيدة، إنما قد تحتاج جهداً أكبر مما يجب، وبالنهاية تستطيع أن تصل إلى ما تصبو إليه".

الاستعداد للمواجهة

وبالنسبة لغادة سابا، ذات الخبرة الواسعة في السينما وفي مجال حقوق الإنسان، فتعتقد أن دورها الأبرز كان بإيصالها لأصوات العديد ممن يقبعون خلف الجدران، والذين يعاني كل منهم من قصة مختلفة، مرجعة سبب نجاحها إلى العمل الجاد، كونها لا تؤمن بالحظ، بل تؤمن بالعمل الدؤوب، وأن تكون في المكان المناسب في الوقت المناسب.

وعلى حد تعبيرها، فإن وجودها في مجتمع ذكوري يجعل المهمة شاقة وأكثر تعقيداً، معتبرة أن استسلام أي امرأة سيشكل انعكاساً سلبياً على حالة النساء أجمع، داعية كل سيدة إلى أن تكون مستعدة للمواجهة بتقييم ومحاسبة ذاتها بشكل يقطع على المجتمع جلدها.

"على المرأة ألّا تخاف أو تتوقف أو تعود خطوة للخلف، فلو تراجعت أي خطوة، فستعيدنا جميعاً مئة خطوةٍ، الطريق قد تكون طويلة، إلا أنها تستحق العناء، علينا أن نتكاتف وألا نتوقف، وأعتبر نفسي محظوظة بأني ولدت امرأة".

العقبات وهمية

وكما كان تميزها في رياضات الدفاع عن النفس، تدافع نانسي الهندي عن قدرات المرأة العربية، فهي التي حصلت مؤخراً على المستوى السابع في التايكوندو، لتكون أول عربية تحقق هذا الإنجاز.

وكانت قد بدأت مسيرتها عام 1991 كلاعبة في أول منتخب للسيدات في الأردن، ورغم معارضة الكثيرين إلا أنها استمرت حتى بعد إنهاء دراستها، لتثبت أن المرأة قادرة على العطاء في أي عمر، وأنها قادرة على النجاح.

تقول لـ(إرفع صوتك) "الكثيرون عملوا على إحباطي لأتوقف، ويستنكرون إكمالي للعب الرياضة بما أني تزوجت وأنجبت".

وتؤكد من جانبها أيضاً على أن الطموح عندما يجتمع مع الإصرار فلن يؤدي سوى للنجاح، منوهةً "العقبات والمعيقات غير موجودة فعلياً، ونحن من نضعها أمامنا. يجب على كل سيدة أن تتحلى بالإصرار وأن تتحدى نفسها لتحقيق ما تطمح إليه، وهذا ينطبق على الرجال أيضاً".

*الصورة: نساء أردنيات رياديات/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".