بقلم إلسي مِلكونيان:

منحت تونس المرأة مكاسب كثيرة ميزتها عن نظيراتها في الدول العربية. وعزز دستور تونس الجديد، الذي أقر في عام 2014، هذه الحقوق وتعهد بحمايتها، فضلاً عن إجراء تعديلات وتنقيحات على قانون يتعلق بجوازات ووثائق السفر، صادق عليه مجلس نواب الشعب في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، يضمن للمرأة حرية السفر.

 بعد مرور ستة أشهر على حزمة التغييرات الأخيرة، ما هو واقع المرأة الآن؟ وهل ترجمت القوانين المكتوبة إلى الحياة العملية لتدعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس؟

 ما هي الامتيازات التي منحت؟

منح الدستور الجديد المرأة مساحة أكبر للمشاركة في اتخاذ القرار، إذ تضمن الدولة بموجبه "تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات" و"تسعى إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة"، إضافة إلى "القضاء على العنف ضد المرأة". وتعمل الدولة كذلك على "ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة".

أما التعديلات على قانون الجوازات ووثائق السفر، قانون عدد 40 والصادر سنة 1975، فقد سمحت للنساء السفر مع أولادهن القصر دون الحاجة إلى تصريح من والدهم. وألحق فصلٌ بالقانون يخول أحد الوالدين إصدار جواز سفر لأبنائهم القصر. ووصفت منظمة "هيومن رايتس واتش" الامتيازات الأخيرة أنها "خطوة نحو الأمام في مجال حقوق المرأة".

المشاركة في الحياة السياسية

تبلورت التطبيقات الأولى للدستور الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي، في كانون الثاني/يناير 2014، في الانتخابات التشريعية بعد 10 أشهر إقرار الدستور. وكانت مشاركة خجولة للمرأة، حيث بلغت نسبة النساء المقترعات أكثر من 50 في المئة، بينما بلغ عدد المرشحات في الانتخابات حوالي 47 في المئة، ترأست 12 منهن قوائم الانتخابات. وشاركت امرأة واحدة فقط، من أصل 27 مرشحاً، في انتخابات الرئاسة التونسية.

وقالت صابرين القوبنطيني، عضو مجلس نواب الشعب، لموقع (إرفع صوتك) إن المواد التي نص عليها الدستور والتي تضمنت أيضاً حقوق المرأة كانت باتفاق كل الأطراف السياسية بما فيهم الإسلاميين. لكن تبقى الصعوبة في إقناع بعض الفئات بأن الدولة مدنية وأننا نطبق ما نص عليه الدستور، دون أن ننسى تعاليم الدين الإسلامي".

وتضيف القوبنطيني "إن التحدي الذي نواجهه هو على صعيد العقليات. ونجد أيضاً تحدي يخص المرأة الريفية. يجب أن نعمل على التوعية والبرامج التعليمية حتى نحقق نقلة ثقافية نوعية". وتضيف "هكذا نقاوم محاولات العودة إلى الوراء".

وأشارت إلى ضرورة زيادة الوعي في المناطق الريفية بحقوق المرأة التي منحت عام 1957.

المشاركة في الحياة الاقتصادية

أما اقتصادياً، يبدو أن موضوع "المساواة في الحقوق" يختلف بين العاصمة والمحافظات. تقول سيدة الأعمال راضية الصفاقسي في مداخلة لموقع (إرفع صوتك) "إننا في العاصمة وفي مجال الأعمال نتمتع بحرية كاملة ومساواة مع الرجال. عملت في مجال الأعمال منذ 28 سنة إلى أن أصبحت رئيسة شركة ولم تصادفني يوماً أدنى مشكلة لأنني امرأة".

وتؤكد أنها تتمتع بحرية حتى من ناحية القوانين. فهي تدير شركة توظف فيها 356 عاملاً تحترم فيها حقوقهم، رجالاً كانوا أم نساء. لكن يمكن أن تكون هناك أيضاً صعوبات مجتمعية.

تقول الصفاقسي "أعتقد أن البعض ما زالوا مؤمنين بأن يجب أن يكون للرجل سلطة أعلى. لم أواجه شخصياً أموراً كهذه" وتضيف "قد يختلف وضع المرأة وحريتها بين العاصمة والمحافظات".

الواقع الاجتماعي

يوجد في تونس حالياً العديد من المنظمات التي تعنى بقضايا مختلفة تتعلق بشؤون النساء، إذ بلغ عددها 152 منظمة، حتى نهاية آذار/مارس 2015، حسب تقرير أعده مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات.

على الرغم من عمل هذه الجمعيات لدعم وتمكين المرأة لتستفيد من النصوص الدستورية وزيادة مشاركتها في الحياة، تظهر هناك مشكلتين تشير إليها يسر فراوس، ممثلة الفدرالية الدولية لحقوق النساء في تونس.

المشكلة الأولى تتعلق بالقوانين، حسب فراوس التي تقول لموقع (إرفع صوتك) "واقع النساء لا يطابق واقع التشريعات التونسية. المشكلة هي أن مجلة الأحوال الشخصية (التي أصدرت في 1957 في عهد الرئيس الحبيب بو رقيبة) لم تعد تطابق الدستور التونسي الجديد الذي أقر في 2014. لذا يجب تحديثها على أن تكون مبنية على أساس المساواة مع الرجل. كما لا يجب الاكتفاء بتشريع القوانين، بل زيادة تفعيلها".

أما المشكلة الثانية، فهي تتعلق بالعنف الذي تتعرض له النساء. حيث بينت دراسة أجراها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) أن 53 في المئة من النساء يتعرضن إلى أحد أشكال العنف بجميع أنواعه الجنسي والنفسي والجسدي في الفضاء العام في تونس.

وتضيف فراوس أنه من خلال عدد من الدراسات أجريت للنظر في أمر النساء المعنفات وجدت أن عدداً كبيراً منهن يذهبن إلى المحكمة للتقدم بشكوى، وعلى الرغم من الجهد الذي تبذله المنظمات النسوية لمساعدة هؤلاء المعنفات ودعمهن بحميع الأشكال، ترى فراوس أنه على الدولة تشريع المزيد من القوانين لتدعم النساء وتضع حداً للعنف.

"نطالب بقانون شامل للقضاء على العنف ضد المرأة يعرف كل أشكال العنف اللفظي والمعنوي والاقتصادي والجنسي ويعاقب المتسبب"، وتعتقد فراوس أن هذا ما سيغيير نظرة المجتمع الذي ينظر للمرأة نظرة الاتهام على أنها المتسببة بالعنف الذي تعرضت له.

*الصورة: تونسيات يطالبن بالمساواة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".