بقلم حسن عبّاس:
يعتبر البعض أن الحقوق التي تنص عليها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "تمسّ بالقيم الإسلامية ومبادئ الشريعة الإسلامية السمحة"، أو أنها مخالفة لـ"الخصوصية الثقافية والقيم الإسلامية السمحة".
التوصيفات المذكورة أعلاه قالها مسؤولون عرب. ويذهب البعض إلى اتهام المطالبين بتبنّي هذه الاتفاقية بدون تحفّظات بأنهم يعرّضون الأمن الداخلي للخطر.
والاتفاقية المذكورة المعروفة اختصاراً باسم "سيداو" هي اتفاقية دولية دخلت حيّز التنفيذ في الثالث من أيلول/سبتمبر 1981. وهي تتألّف من 30 مادة تدعو إلى إلغاء أي تمييز ضد المرأة، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر.
أسباب تحفّظ الدول العربية
حتى اللحظة، صادقت على الاتفاقية 20 دولة عربية هي: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، لبنان، الأردن، السعودية، العراق، الكويت، اليمن، جزر القمر، موريتانيا، الإمارات العربية المتحدة، جيبوتي، البحرين، سورية، سلطنة عمان، قطر، وفلسطين. فقط دولتان عربيتان لم تصادقا عليها هما السودان والصومال.
معظم الدول العربية التي صادقت على "سيداو" صادقت مع التحفّظ على بعض موادها. نظرة سريعة على المواد التي تتحفّظ عليها الدول العربية تضعنا سريعاً أمام المواد 2، 9، 15، 16 و29. فعلى ماذا تنص هذه المواد؟ ولماذا تتحفّظ الدول العربية عليها؟
ـ تطالب المادة 2 بـ"إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة"، وهذا لا يعجب بعض الدول العربية التي لا تزال تجد مبرّرات تخفيفية للرجل الذي يرتكب "جريمة شرف"، دون أن تعطي نفس الأسباب التخفيفية للمرأة إذا ارتكبت جريمة مماثلة.
ـ تنص المادة 9 على منح المرأة حقا مساوياً لحق الرجل في ما يتعلق بجنسية أطفالهما. لكن دولاً عربية كثيرة لا تسمح للنساء بإعطاء جنسياتهنّ لأطفالهن.
ـ تدعو المادة 15 الدول الأطراف إلى منح المرأة "نفس الحقوق في ما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكنهم وإقامتهم"، ولكن دولاً عربية كثيرة تقيّد حرية حركة المرأة وتربطها بـ"ولي أمرها".
ـ تعطي المادة 16 الرجل والمرأة نفس الحقوق في ما خص عقد الزواج وفي ما خص حضانة الأطفال. ولكن قوانين الأحوال الشخصية العربية التي تراعي الشريعة الإسلامية في هذا المقام تفرّق بين الرجل والمرأة على مستوى الحضانة كما تبيح للرجل المسلم الزواج من "كتابية" دون أن تسمح للمرأة المسلمة بالزواج من "كتابي".
ـ أما المادة 29 التي تعترض عليها معظم الدول العربية فهي مادة تنص على عرض أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية على التحكيم.
بين تحفظ واسع وإزالة التحفّظ
تنفرد دولة الكويت في التحفّظ على المادة 7 من "سيداو" وهي مادة تنص على المساواة بين الجنسين في التصويت الانتخابي والترشح والمشاركة في صياغة سياسة الحكومة وتنفيذها، وفي شغل الوظائف العامة.
وتبرز حالتا دولتي السعودية وموريتانيا إذ إن نصّ تحفظّهما على الاتفاقية فضفاض وقد يطال كل مندرجاتها. فالأولى تحفظت بشكل عام على "جميع البنود التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية"، والثانية على "جميع البنود التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية والقوانين الداخلية".
في المقابل، فإن تحفظات بعض الدول العربية على الاتفاقية لم يعد لها معنى. فالجزائر التي كانت قد تحفظت على المادة التاسعة، منحت المرأة حق منح جنسيتها لأولادها عام 2005.
من جانب آخر، رفعت تونس والمغرب تحفظاتهما السابقة على الاتفاقية. ولكن لم ينتج عن ذلك شيء ولا تزال مطالبات المنظمات النسوية تراوح مكانها.
سجال الخصوصية
لتبرير حرمان النساء من بعض الحقوق، يتحدث البعض عن أن المجتمعات العربية تختلف عن المجتمعات الغربية وأن ما يصحّ في الغرب لا يصح على العرب، فللعرب ثقافتهم وقيمهم الخاصة.
من أبرز الهاشتاغات المعبّرة عن إشكالية علاقة حقوق المرأة بالخصوصية الثقافية هاشتاغ #شريعة_الله_لا_سيداو الذي أطلقه سعوديون اعتراضاً على المطالب بإلغاء تحفظات المملكة على "سيداو".
واعتبر الشيخ عوض القرني أن الاتفاقية "تسقط فوارق العقيدة وثوابت الأخلاق وخصوصيات اﻷعراف". كما غرّد قائلاً:
https://twitter.com/awadalqarni/status/545085916239253504وكتب أستاذ العقيدة والمذاهب في جامعة الملك سعود محمد عبد الله الوهيبي:
https://twitter.com/mohammadalwh/status/544942991644041216وقال الإعلامي مالك الأحمد:
https://twitter.com/malahmad11/status/544806244796469250ولم يكن الرجال فقط مَن انتقدوا مطالبة السعودية بالالتزام بـ"سيداو". فقد اعتبرت الأستاذة بمعهد تعليم اللغة العربية بجامعة أم القرى أميرة الصاعدي أن:
https://twitter.com/Dr_AmerahSaeidi/status/544752392193835008الخصوصية تبرير؟
في مقال بعنوان "إشكاليات تنموية للمرأة العربية"، قال أستاذ علم الاجتماع والفكر التنموي في جامعة فيلادلفيا سالم ساري إنّ الخصوصية، أكانت ثقافية أو دينية أو مذهبية أو عرقية أو إثنية "ليست تفسيراً لأي شيء. وإنما هي تبرير لكل شيء".
ورأى أن المجتمع لا يصر كثيراً على الخصوصيات الثقافية "إلاّ حينما لا يجد ما يغلّف به عجزه عن السيطرة على مجريات الواقع، أو حينما يلجأ إلى تبرير انسحابه من مواقف التفاعل والاندماج، أو حسابات المواجهة والإنجاز".
في نفس الاتجاه، هنالك جزء من المواطنين يرى أن التذرّع بالشريعة الإسلامية استنسابي ولا يحضر إلا عندما يُراد الحد من حرية المرأة، وهو ما تعبّر عنه التغريدة التالية:
https://twitter.com/Khalil_Bohazza/status/717080471834898432*الصورة: امرأة عربية/ Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659