الأردن – بقلم صالح قشطة:

يعاني الأردن شحاً في الموارد والثروات الطبيعية. وبحسب كثير من الخبراء، فإن العنصر البشري هو العامل الذي يمكن التعويل عليه في سبيل النهوض بالاقتصاد الأردني، والذي يرون أن لا بد من استثماره كثروة لا تقل عن أي من الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها العديد من الدول التي تتمتع باقتصادٍ أفضل.

ويرى الخبراء أيضاً أنه لا بد من تفعيل دور جميع الشرائح القادرة على العطاء والعمل في المجتمع، ومنها المرأة التي يشددون على أهمية تمكينها للانخراط في سوق العمل، والتي بمشاركتها ستساهم بتعزيز الاقتصاد الأردني ورفده بموارد أكبر، لتزيد بالتالي نسبة الفئات المنتجة مقابل الفئات المستهلكة التي تشكل الشريحة الأكبر منه حالياً. ولتفاصيل أكثر حول دور المرأة كحل من الحلول المقترحة لتدعيم الاقتصاد الأردني كان لموقع (إرفع صوتك) حواراً مع نور المغربي، الخبيرة في تمكين المرأة اقتصادياً، ومديرة مشروع "أنا هنا" لتمكين المرأة في الأردن.

هل تفعيل دور المرأة وتمكينها من أجل دخول سوق العمل يعتبر من الحلول التي قد تدعم الاقتصاد في الأردن؟

المرأة في الأردن هي من أسس الثروات، وهي متعلمة وحققت الكثير من النجاحات في كافة الميادين، لكن لدينا معضلة وهي أن المرأة الأردنية لا تعمل، فعلى سنوات متتابعة حققنا نسباً متدنية جداً في مشاركة المرأة في الاقتصاد قد تصل إلى 13 في المئة، أي أنه من بين كل 100 شخص عامل هناك 13 امرأة فقط، وبحسب التعداد السكاني فإن المرأة تشكل نصف المجتمع، وهناك فرق كبير بين القدرة النسائية على العمل وبين المستغل فعلياً، وهذا مؤشر خطير، لا سيما بدخول الأردن في تحديات اقتصادية كبيرة. وإذا أردنا أن ننهض باقتصاد المجتمع فلا بد أن نشجع كل امرأة على القيام بدورها، فمن حقوقها كإنسان أن تعمل وأن تقرر بماذا تعمل.

نسب البطالة مرتفعة، وقد يظن البعض أن المرأة بعملها قد تأخذ فرصة الرجل، ولكن مشاركتها في الحقيقة تزيد من الفرص الاقتصادية، ولو شاركت بنسبة 25 في المئة فقط، فسينمو الاقتصاد الأردني تلقائياً بنسبة خمسة في المئة، وهذا وفقاً لاستراتيجية الأردن 2025، وبالتالي ما نشهده هو هدر للثروة البشرية لا يصب في مصلحة المجتمع والاقتصاد الأردني.

ما الأسباب التي أدت إلى تعطيل مشاركة المرأة في الاقتصاد الأردني؟

الأسباب التي قد تخطر ببال أي شخص هي قلة الفرص الاقتصادية، لكن هذا غير منطقي لأن الفرص الاقتصادية تُصنع كلما دخل المزيد من الناس إلى السوق، وبالتالي هي عبارة عن إرادة وقرار تتخذه المرأة أو مَن هو موصى عليها من الرجال بأن لا تعمل، فبالتالي تجلس في المنزل وتختار أن تكون مساهمتها في المجتمع محدودة.

ما الحلول التي قدمتموها في "أنا هنا"؟

مبادرة "أنا هنا" تعزز الحوار المجتمعي في موضوع عمل المرأة، بدأنا بعروض لأفلام تحاكي واقع المرأة العاملة في المنطقة العربية والتحديات التي تواجهها، سواء في أماكن العمل، أو في العائلة والمجتمع، وكان الهدف الرئيسي من هذا الحوار هو الاعتراف بوجود المعيقات المجتمعية التي قد تعيق وصول المرأة إلى ما تريد، لكن كيف نستطيع أن نتجاوز هذه المعيقات؟

"أنا هنا" تطورت لتُدرّس كمادة لا منهجية في المدارس والجامعات حول عمل المرأة، فمن حق الشباب والشابات أن يعبروا عن رأيهم في هذا المجال، وأيضاً أن يناقشوا الموضوع بطريقة مفتوحة، وأن يسمع صوتهم، وأن يواجهوا بنماذج ناجحة لنساء.

ما وضع الأردن بالنسبة لباقي المجتمعات العربية؟ وما وضع الدول العربية بالمقارنة مع الدول الغربية من ناحية مشاركة المرأة الاقتصادية؟

المرأة العربية تواجه العديد من العوائق الاجتماعية حول ماذا تعمل وأين تعمل وفي أي قطاع تعمل. وفي الأردن تواجه هذه المشكلة بالنظرة الدونية لبعض الأعمال، والتي للأسف توطدت بطريقة من الصعب أن نعيد تقبلها لدى أبناء المجتمع، وهذا ما لا نجده في كثير من الأحيان في دول عربية أخرى، فالعمل في بعض القطاعات يعد غير مقبول في الأردن، في حين يلاقي قبولاً أكثر في تونس والمغرب ومصر.

وبالنسبة للغرب نجد أن المرأة لا تتوانى عن القيام بدورها الاقتصادي، بل تعتبره جزءً أساسياً من أدوارها الأخرى، وتسعى للعمل دائماً، وهذا غير موجود في نمط تفكيرنا، فلدينا المرأة تتقاعد مبكراً، بينما في الغرب تعمل لأقصى حد حتى تثبت أنها قادرة على العطاء ولتفيد عائلتها ومجتمعها بهذا العطاء، وتمتلك روح التحدي والمثابرة والقدرة على تحمل مسؤوليات أكبر، من وازع داخلي بإيمانها أنها قادرة على تحقيق كل ما تصبو إليه مثلها مثل زميلها الرجل.

وبالنسبة للعرب فإن دول المغرب العربي تحقق عادة نسباً أعلى من مشاركة المرأة الاقتصادية وكذلك دول الخليج العربي، أما الدول الأخرى فتتراوح نسب المشاركة الاقتصادية فيها ما بين 18-30 في المئة، ولا توجد أي من الدول العربية التي تصل فيها نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة لأكثر من 35 في المئة، وهي النسبة التي نبدأ بها في الدول الأكثر تقدماً.

*الصورة: نور مغربي مديرة مشروع "أنا هنا" لتمكين المرأة في الأردن/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".