بقلم ستيفن نبيل:
تلتفتُ يميناً ويساراً، تركضُ ورأسُك منخفضٌ بينما تحاولُ حماية من تُحب وهُم يركضون إلى جنبك لكي تصيبك الرصاصة قبل أن تصيبهم. تحاولُ فتحَ الأبواب لكي تختبئ من الإرهابي الذي يبحث عن ضحاياه. مشاهدٌ تذكرك بأفلام هوليوود المشوقة والتي يقف قلبك خلالها مع كل استدارة لبطل الفلم. الأفلام التي تشدك وتحوّلك إلى شخص داخل اللقطة فتنطلق بالصراخ وتنادي على بطل الفلم "إنه خلف الباب لا تدخُل!".
للأسف فإن ما قرأته في الأسطر الماضية لم يكن رواية بوليسية لـ أغاثا كريستي أو دان براون، إنما أحداث حقيقية جرت وقائعها معنا أنا وزوجتي أثناء عودتنا من شهر العسل في اليونان يوم الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو. فبعد زواجنا قررنا قضاء أيام قليلة في جزيرة سانتوريني اليونانية. وهي جزيرة مرسومة بألوان جميلة تجعلك تمجد الخالق على ذوقه الحسن وعظمته الجبارة.
بعدها كان لنا موعد للطيران، حيث ركبنا الطائرة من أثينا وهبطنا في إسطنبول لتبديل الطائرة ومن ثم التوجه إلى الولايات المتحدة حيث ينتظرنا الأحباب والأصدقاء لتداول صور الرحلة والذكريات الطيبة.
استلمنا الحقائب تقريبا عند الساعة التاسعة مساءً في الطابق الأول حيث خرجنا من عند البوابة التي يصطف حولها المستقبلون وهم ينتظرون بلهفة وشوق استقبال أحبابهم.
لفتت انتباهي امرأة محجبة عجوز وهي تبتسم عند وصولها، حيث جلست مع زوجها الكهل وفتحت حقيبتها البسيطة وأخرجت لقمة طعام تقاسمتها مع زوجها لكي يفطروا بعد صيام يوم كامل في أواخر شهر رمضان وبعد سفر طويل.
بعدها قررنا إيجاد مكان للاستراحة وشحن أجهزة النقال. فبسبب عدم فتح نافذة شركة الطيران لعدم حلول وقت تسجيل الركاب، أجبرنا على البقاء خارج منطقة التفتيش. وهو الامر الذي حدد خياراتنا بطاولة صغيرة في مقهى نيرو في منتصف الطابق الثاني (طابق المغادرين).
تركتُ زوجتي لكي تستريح من تعب السفر وصعدت السلالم إلى الطابق الثالث لشراء الطعام لنا. بعد لحظات من وصولي إلى المطعم سمعت صوت اطلاقات نارية كثيفة وانفجار في الزاوية المحاذية للمكان الذي كنت أنا فيه. هرعت راكضا نحو الأسفل للوصول إلى زوجتي المسكينة. كانت لحظات صعبة جداً حيث عبرني مئات المسافرين وهم يصرخون من الخوف. قلبي كان يدق بسرعة وأنا أركض بأسرع ما أستطيع للوصول إلى زوجتي التي اخترتها من بين كل الناس لكي تكون شريكة لبناء عائلة تحت حفظ الله وصونه. وجدتها مختبئة تحت الطاولة وهي تبكي. سحبتها ورفعت ذراعها لكي نخرج من المكان المفتوح حيث اقترب صوت الاطلاقات النارية. لحظتها، تأكدت أن الأبواب الخارجية للمطار حيث المنطقة التي وقفنا فيها قد سقطت أمنيا. لم نكن نعرف شيئاً، لا هوية المهاجمين أو كم كان عددهم. الوقت الذي فاتنا بسبب بُعدي عنها تكفل بحجب خيار الهروب تجاه المنطقة العميقة للمطار بسبب خلو القاعة حينها وهو ما كان سيسهل علينا رؤية الطريق.
هرعنا إلى ممر خلفنا. اكتشفت عدم جدوى الركض فيه وشكي بأنه لن يكون أمينا. صارت الأفكار والأماكن تمر في عقلي سريعاً. تذكرت رؤية صالون حلاقة، اتجهنا نحوه. فتحنا الباب الزجاجي بالقوة ودخلنا لكي نختبئ في مخزنهم الصغير.
40 دقيقة أو أكثر قضيناها كأنها 40 سنة! زوجتي كانت تبكي بصمت بينما وقفت مذهولاً ولأول مرة شعرت بقلق وعدم معرفة بما سيحصل. خلال سنوات عمري القصيرة شاهدت كل ما أستطيع مشاهدته من إرهاب وجثث وشهداء وغيرها، لكن هذه المرة أحسست أن لدي عائلة يجب أن أحميها ولست وحدي في إحدى مغامراتي القديمة. احتضنتها وأخبرتها أن كل شيء سيكون على ما يرام، بينما أمسكت بيدي الثانية قارورة الماء المغلي لصنع الشاي كان صاحب المحل قد تركها على النار وهرب. كانت هذه القارورة سلاحي الوحيد تجاه الإرهابي إذا ما فتح الباب.
لحظتها تذكرتُ المرأة العجوز وزوجها وهم يُفطرون، فالإرهابي هاجم بوابتهم. يا ترى هل هم أحياء؟
لحظتها عرفت أني كمسيحي أواجه الموت معهم كمسلمين، والإرهابي لم يفرق بيننا. الإرهاب جبان ومهمته هو مهاجمة حياتنا، أحلامنا وإيماننا وإنسانيتنا.
وعزيزي القارئ: علينا أن لا تستسلم للخوف ولا للموت الذي يحاولون صنعه بأبشع الوسائل. هم لديهم القنابل والرصاص، وأنت لديك الله وإيمانك وحياتك.. أنت المنتصر، أعدك!
عن الكاتب: ستيفن نبيل، إعلامي وناشط عراقي. تلقى تعليمه الأولي في العراق ثم أكمل دراسته الجامعية في الولايات المتحدة. ساعد نبيل في تنظيم عدة حملات إنسانية لمساعدة النازحين وضحايا الإرهاب، وهو ناشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لمتابعة ستيفن نبيل على تويتر، إضغط هنا. وعلى فيسبوك إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.