بقلم علي قيس:

على الرغم من التقديرات أن جهود تمكين المرأة في الوطن العربي ما زالت تواجه تحديات كبيرة على طريق تحقيق الاندماج الكامل للمرأة في المجتمع، خصوصا في دول الخليج، ترى ناشطات في حقوق المرأة أن واقع النساء في بعض تلك الدول حقق تقدما ملحوظا.

"الكويت في مقدمة الدول التي تتحرك باتجاه تعزيز مكانة المرأة وإن كان تحركا بطيئا نوعا ما"، تقول رئيسة قسم الدراسات في (مركز الخليج) بجامعة الكويت ندى المطوع، في حديث لموقع (إرفع صوتك). "العوامل التي دفعت بالمرأة إلى الأمام هي التعليم المبكر بشكل رئيسي. وأيضا الجانب الاقتصادي الذي يعتمد على من يملك رأس المال، فالاقتصاد لا يفرق بين الرجل والمرأة في قضية رأس المال. وأخيرا الثورة التكنولوجية التي أنصفت المرأة في إنشاء المشاريع الصغيرة عبر المنصات الإلكترونية".

موضوعات متعلقة:

“بوليس السماء”: التمييز ضد النساء.. يتجدد

الدكتورة آمنة نصير: الإسلام يساوي بين المرأة والرجل

وتؤكد المطوع أن هناك تعاون في الكويت بين الرجل والمرأة في تحمل المسؤوليات، لكنه في أغلب الأحيان يميل إلى الرجل أكثر من المرأة. وأحيانا يعطي الحقوق للمرأة لكن بعد تفعيل المبادرات المطالبة بتلك الحقوق.

وحول تعامل القانون مع حقوق المرأة، ترى رئيسة قسم الدراسات في مركز الخليج "أننا اليوم في عصر العولمة، لم يعد هناك مجال لابتكار القوانين، بل القانون يأتي بشكل يومي من المنظمات التي تكون الدولة عضوة فيها مثل الأمم المتحدة وغيرها".

متحررة ولكن خارج ديوانيات صنع القرار

ورغم تقدم مكانة المرأة في الكويت، لكنها وبحسب المطوع، ما تزال تعاني من جملة معوقات "لا توجد دولة في العالم يمكن القول إنها أعطت المرأة حقها الكامل في التمكين، سواء المناصب الحكومية العليا أو القيادية في القطاع الخاص".

وتوضح المطوع أبرز مسببات عدم تمكين المرأة في المناصب القيادية بقولها "في الكويت الديوانيات رجالية وصناعة القرار تتم فيها، فتتم التعيينات ويسمى فيها أعضاء مجالس الإدارة. والديوانية كلها رجال، لذلك ليس للمرأة دور في صناعة القرار".

وتتابع "ثانيا التقاعد المبكر، فالمدير لا يستطيع أن يعطي المرأة دورا قياديا وهو يعلم أنها ستحال إلى التقاعد بشكل مبكر، وثالثا عدم وجود جماعات أو قوى ضغط من النساء، ففي ظل المحسوبيات يسعى المدير إلى تعيينات يحاول من خلالها إرضاء التيار الفلاني أو العائلة الفلانية".

لا يمكن مقارنة البحرينية بالسعودية

"واقع المرأة في البحرين مختلف عن نظيراتها في الخليج، هناك قفزة نوعية تقريبا لكنها لم تصل إلى المستوى الذي نتمناه"، هكذا تصف رئيسة اتحاد النساء في البحرين فاطمة أبو إدريس واقع المرأة في البحرين. وتضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك)، "لا نستطيع أن نقارن واقعنا بالمرأة السعودية مثلا فالاختلاف كبير جدا، لدينا حرية عمل ومشاركة سياسة سواء في البرلمان أو الوزارة أو حتى كسفيرة، أيضا من حق المرأة السفر والمشاركة في المؤتمرات دون أي قيد، كما يسمح للمرأة سياقة السيارة والمشاركة في الجيش وقيادة الطائرة ومجالات أخرى كثيرة".

لكن المشهد ليس مكتملا أيضا، بحسب أبو إدريس، التي ترى أن هناك قوانين نحتاج تعديلها مثل إزالة التحفظات عن "اتفاقية سيداو" الخاصة بوقف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتشريع الشق الجعفري من قانون الأحوال الشخصية الذي صدر عنه الشق السني فقط.

وتتابع "الدستور في مادته 18 من الدستور يعطي حق المساواة بين الجنسين لكن نحن ضمن مطالبنا المساواة في الجنسية، أن يكون من حق المرأة البحرينية منح الجنسية لأبنائها، وهذه المسألة من أهم الملفات التي نعمل عليها".

وعلى الصعيد السياسي، فإن المرأة البحرينية لم تصل حتى الآن إلى حجمها الحقيقي في التمثيل السياسي. وتقول رئيسة اتحاد النساء "اليوم هناك مطالبات بالكوتا في البرلمان لأن المجتمع لا يزال غير منصف، ونظرته إلى المرأة متخلفة وهذا يؤثر على مشاركتها السياسية".

*الصورة: "العوامل التي دفعت بالمرأة إلى الأمام هي التعليم المبكر بشكل رئيسي"/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".