بقلم حسن عبّاس:
بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، في 19 حزيران/يونيو الماضي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مواصلة الحديث عن أولئك اللواتي اعتُبرت أجسادهنّ غنائم حرب.
وأشار إلى أن تحديات خطيرة لا تزال قائمة برغم الجهود الدولية المبذولة، لافتاً إلى أن جماعات إرهابية مثل بوكو حرام وداعش تستخدم العنف الجنسي لاجتذاب واستبقاء المقاتلين، وتوليد الدخل.
موضوعات متعلقة:
هكذا يرى مغاربة المساواة بين الرجل والمرأة
كم وزيرة في الحكومات العربية؟
وبعد لفتها إلى أن العنف الجنسي يمارس أيضاً على الرجال والأطفال، قالت الباحثة في علم الاجتماع السياسي هدى رزق لموقع (إرفع صوتك) إن هذا النوع من العنف أكثر شيوعاً ضد النساء، رابطة بين ذلك وبين نظرة المجتمعات الشرقية إلى المرأة من حيث الربط بينها وبين مفاهيم العرض والشرف إذ توصَف بأنها "الحرمة".
ما هو العنف الجنسي؟
في تعريفها لمصطلح العنف الجنسي، تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه "يُستخدم لوصف الأفعال ذات الطابع الجنسي المفروضة بالقوة أو الإكراه"، مضيفةً أنه يشمل "الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الدعارة القسرية أو الحمل غير الإرادي أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي ذي الخطورة المماثلة".
لماذا يُمارَس؟
في دراسة لها، تشير ديان مازورانا، مديرة الأبحاث وأستاذة مشاركة في مركز فينشتاين الدولي في جامعة تافتس، إلى أنه "كثيراً ما يُنظر إلى النساء والفتيات كحاملات لثقافة معيّنة فيُعتبرن مستنسِخات للعدو، وبالتالي يصبحن أهدافاً رئيسية".
وشرحت هدى رزق أنه "عندما تريد مجموعة أذيّة مجموعة أخرى بشدّة تعتدي جنسياً على نسائها"، لافتة إلى أنه في التاريخ العربي القديم كانت القبائل تمارسه ضد خصومها لإلحاق العار بهم ثم مورس في التاريخ العربي والإسلامي على شكل اتخاذ بعض النساء سبايا.
وأضافت أن أحد أسباب ذلك هو الثقافة الذكورية السائدة فـ"النظرة الذكورية للمرأة غذّتها الأديان السماوية ولا ترتبط فقط بالأعراف الاجتماعية".
وتلفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أنه يُمكن استخدام العنف الجنسي كشكل من أشكال الانتقام، أو لخلق أجواء من الخوف، أو كشكل من أشكال التعذيب. ويمكن أيضا أن يُستخدم بشكل ممنهج، كوسيلة من وسائل الحرب، تهدف إلى تدمير النسيج الاجتماعي.
من جانبه، أكّد بان كي مون أن "العنف الجنسي في النزاعات معترَف به الآن على نطاق واسع على أنه استراتيجية متعمَدة للسيطرة على المجتمعات وتخويفها ولإجبار الناس على ترك منازلهم".
موقف الدين من العنف
تمارس التنظيمات الإرهابية وبالأخص داعش بعضاً من أبشع أساليب الانتهاكات الجنسية بحق النساء وخاصةً نساء الأقليات التي يعتبرها التنظيم كافرة.
وقد استدعى ذلك مواقف من مؤسسات دينية. ومن أبرزها موقف لمرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لمؤسسة دار الإفتاء المصرية. إذ قال "إﻥ ملك اليمين لا يصح في هذا ﺍلعصر، ﻭهو مما أجمع ﺍلفقهاء عليه، وﺇﻥ كاﻥ مباحاً من قبل، لأن المسلمين التزموا بمعاهداﺕ دﻭلية حرَّمت ﺍسترقاﻕ الأحراﺭ، ﻭقد وقّعت الدول الإسلامية على هذﻩ الاتفاقياﺕ بالإجماﻉ، فلا يجوﺯ لأحد خرﻕ هذﻩ المعاهداﺕ".
ويُعدّ العنف الجنسي الذي يُمارَس خلال النزاعات المسلّحة انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، كما يصنّفه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ضمن قائمة جرائم الحرب، وضمن قائمة الجرائم ضد الإنسانية إذا ارتُكب كجزء من اعتداء واسع النطاق أو ممنهج ضد سكان مدنيين.
أجهزة الأمن ضالعة أيضاً
لا ينحصر العنف الجنسي بالجماعات المتطرّفة فبعض أجهزة الأمن العربية تمارسه كما في مصر وسورية والعراق.
لا بل أن التنظيمات الإرهابية تستغلّ الانتهاكات الجنسية ضد النساء، لكي تجيّش الشباب وتستقطبهم تحت عناوين الدفاع عن الشرف والأعراض.
وقال الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية لموقع (إرفع صوتك) إن "المرأة لها علاقة بمفهومي الشرف والعار في الثقافة العربية، ولها قيمة مستمدّة من الدين ومن المُثل الاجتماعية، وهذه نقطة أساسية في التجييش والتعبئة". ولذلك، تابع "يستخدم داعش في ما يسمّيه غزوات كلمة الانتقام للحرائر"، مؤكداً أن بعض العمليات الإرهابية التي نُفّذت في دول عربية عدّة قال منفّذوها أنها "ردّ على عمليات اغتصاب وقعت في السجون".
واعتبرت هدى رزق أن لا فرق بين العنف الجنسي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية وذاك الذي تمارسه الجماعات المتطرفة كداعش فـ"كلاهما يحملان بين طيّاتهما الحقد وفيهما نوع من الساديّة".
لكنها أشارت إلى أن النوع الأول من العنف الجنسي "يُمارَس بهدف إذلال النساء وإجبارهنّ على الإدلاء باعترافات ثم يتحوّل الأمر إلى عادة وكأنه جنس مباح بالمجّان"، فيما يمارس داعش العنف الجنسي كـ"جزء من الانتقام من طائفة وممارسة ما يشبه الاستعباد بحق جماعات".
معاناة مضاعفة
وتؤكّد اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن معاناة ضحايا العنف الجنسي تتضاعف "فإلى جانب ما يعانونه من إصابات وصدمات نفسية خطرة وطويلة الأمد، فهم يوصمون بالعار ويصبحون منبوذين داخل عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية".
وعلى الرغم من هشاشة وضع النساء خلال النزاعات، إلا أنه كثيراً ما تُدفعن إلى الخلفية عندما تبدأ عمليات السلام الرسمية.
فبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، يستمر إقصاء النساء عن مفاوضات السلام فيمثَّلن بشكل ضئيل وعادة ما يُستبعدن عن صناعة القرارات المؤثرة على سلامتهن. وفي المنطقة العربية، حدث ذلك في العراق وليبيا وسورية والسودان والصومال.
*الصورة: لوحة لأيادي نساء مرتفعات ضد العنف/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659