مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) ساجدة من الجزائر:

أهلا،

اسمي ساجدة، عمري الآن 26 سنة، من قرية جبلية صغيرة اسمها أولاد عمارة تتبع لدائرة رأس الوادي بولاية برج بوعريريج، 270 كلم جنوب الجزائر العاصمة.

مع بداية التسعينات، اندلعت الحرب في بلادنا، بين الجيش والمسلحين (الغاضبين من إلغاء انتخابات سنة 1992 التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ). التحق المسلحون بالجبال. وكانت قريتنا ضمن منطقة نشاطهم. لم تكن خاضعة لسيطرتهم بالكامل، لكن تحت مرمى نيرانهم. وغير بعيد عنا، كانت البيوت المتفرقة في الجبال مجبرة على دفع الطعام والغطاء للمسلحين. اعتبرت الدولة أن كل من يزود الجماعات المسلحة بالمؤونة سيعد متعاونا مع الإرهاب فامتنع الناس. عندها انتقل المسلحون إلى الهجوم. قتلوا عائلتين بأكملهما في قرية مجاورة.

موضوعات متعلقة:

عراقية: حُرٍمت من المدرسة لكن لن أسمح أن يكون أبنائي أميين

ناشطة يمنية: المساواة غير واردة.. والحرب دمرت طموحاتنا

لم يعد هناك أمن، رغم أن وحدات الجيش تجوب الأرجاء. هربت عائلات كثيرة من قريتنا. وشاعت أخبار عن اختطاف فتيات واغتصابهن. خاف والدي على أختي، 16 عاما، فحملها إلى المدينة عند جدتي.

كان والدي إمام القرية، ومهتما جدا بالسياسة. يتابع ما يجري في البلاد بشدة. كان متعاطفا مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لما رفعته من شعارات دينية. عندما بدأت الدولة تضيق على الملتحين، رفض قص لحيته أو نزع اللباس القصير الذي كان يرتديه. حذره كثير من أصدقائه، لكنه تمسك برأيه. رفض تضييق الدولة على الناس، كما رفض الإرهاب.

في أحد أيام صيف سنة 1997، قدم إلى بيتنا رجال بزي مدني، عرفنا لاحقا أنهم من مخابرات الجيش. أخذوا والدي إلى مكان مجهول.

لم يكن عمري يتجاوز سبع سنوات حينها. لا أتذكر شيئا تقريبا مما حدث تلك الليلة. لكن أفراد أسرتي رووا لي القصة. كانوا نياما، حين قدوم رجال المخابرات. فتح أخي الأكبر الباب، فدخلوا. كان أول شيء فعلوه هو قطع التيار الكهربائي، واستعملوا مصابيح يدوية لتفتيش البيت. قلبوه رأسا على عقب. أخذوا والدي معهم. سألوه عن عمله وعن الأماكن التي يذهب إليها. سألوه أيضا عن سبب سفره إلى تونس، فأكد لهم أنه رافق صديقا له بالسيارة، واستغل الفرصة لشراء دواء لأختي المريضة. قالو له أيضا: لماذا سافرت إلى أفغانستان؟ فأكد لهم أنه لم يسبق له أن سافر إلى هذا البلد. أطلقوا سراحه بعد أسبوع.

لم يعتدوا على أحد من العائلة. على العكس، تعاملوا بلطف. أبي يقول إن قدمه تعثرت، وهو معصوب العينين، فساعده أحد رجال المخابرات.

أياما بعد ذلك، بلغنا خبر اختطاف عمي وجدي اللذين كانا يسكنان بالمدينة. لم نعثر لهما على أثر بعدها. جدي كان بعمر 65 سنة، وعمي بعمر 36. لا نعلم بالتحديد من اختطفهما لحد الساعة. أفراد من الأسرة يقولون ربما الأجهزة الأمنية. الله أعلم. لحظة الخطف، كان جدي موجودا في البيت، رجا الخاطفين أن يتركوا ولده، وإلا فليأخذوه معهم هو أيضا. أخذوه رغم أنه كان شيخا.

كان عمي قبل اختطافه يكيل انتقادات حادة للدولة، خاصة الجيش، وكان يقول أن عليها أن تجد حلا للأزمة. كان صريحا وحادا في مواقفه. كان متدينا، يرتدي الزي الإسلامي السني المعروف، ومستاء من الوضع، لكنه لم يكن يؤيد القتل والإرهاب.

خلال فترة المصالحة الوطنية، سنة 2006، تقدمت أسرته بملفها أمام الحكومة التي فتحت ملفات البحث عن المختطفين ومجهولي المصير. لكن دون جدوى. لم يصل أبناؤه إلى نتيجة. يعتقدون أنه قُتل رفقة جدي.

بعد مدة قصيرة على اختطاف عمي، أياما فقط، جاءت مجموعة من الرجال إلى بيتنا. كانت ساعة منتصف النهار. أتذكر جيدا أن أحدهم سألني: أين والدك. لا أتذكر ما قلت لهم. ربما قلت: ليس هنا. كان الرجل يحمل سلاحه في يد. أخرج باليد الأخرى قطعا نقدية. ومثل ما يحدث عندما يختبر الكبار أطفالا صغارا، سألني "ماذا تختارين النقود أم المسدس"؟ مددت يدي إلى المسدس.

كانوا، بزيهم المدني، يتجولون بشبه حرية، خاصة أن الكل كان مسلحا حينها للدفاع عن نفسه وأهله.

انصرفوا، وعادوا بعد ذلك مرتين. عرضوا على والدي الالتحاق بالجبال والقتال معهم. رفض، فعرضوا عليه إلقاء خطب لاستقطاب الناس إليهم مقابل منزل ومبالغ مالية كبيرة. رفض أيضا. فهددوه بأخذ أخي الأكبر معهم. كان عمره حينها 17 عاما. قالوا له "أمثالك في الجبل يقاتلون وأنت هنا".

في الواقع، لم يكونوا مهتمين بأخي. كانوا يريدون والدي. ولما رفض، انصرفوا ولم يعودوا بعدها. لست متأكدة إذا ما كانوا عاودوا الاتصال به لاحقا، لكن لم نتلق منهم أي تهديد. بعد عام، انتقلنا نحن إلى مدينة رأس الوادي.

*الصورة: خلفت الحرب في الجزائر خلال التسعينات أكثر من 150 ألف قتيل/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".