صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

تخوض المرأة اليمنية منذ عقود كفاحاً مريراً لإثبات مكانتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إسوة بالرجل، في مهمة شاقة تبدو أشبه ما يكون بمحاولة للتجديف عكس التيار.

وتُشكل النساء حوالى نصف إجمالي سكان اليمن (أكثر من 26.5 مليون نسمة)، حسب تقديرات المجلس الوطني للسكان. لكن مشاركتهن في الحياة العامة لا تزال محدودة في “ target="_blank">بيئة تمييزية”، على حد تعبير المحامية والناشطة الحقوقية اليمنية، نبيلة المفتي، في حديث لموقع (إرفع صوتك).

موضوعات متعلقة:

الإرث في المغرب… بين مطالب المساواة والتحفظات الدينية

عراقية: حُرٍمت من المدرسة لكن لن أسمح أن يكون أبنائي أميين

وصنّف تقرير منتدى الاقتصاد العالمي حول “الفجوة بين الجنسين” لعام 2015، اليمن في المرتبة 145 كأسوأ دولة لمعيشة المرأة، على صعيد حقوق التعليم والاقتصاد والسياسة والصحة، للسنة العاشرة على التوالي.

ثغرات قانونية

وعلاوة على البيئة الاجتماعية التمييزية، تقول نبيلة المفتي إن ثغرات قانونية كثيرة ساهمت في عدم المساواة بين المرأة والرجل.

وتضرب المفتي مثالاً على ذلك “قانون الأحوال الشخصية اليمني” الذي تعتبره “تمييزياً ضد المرأة، لأنه يقضي بعدم حقها في تزويج نفسها، حيث يجب أن يكون هنالك ولي أمر، بعكس الرجل”.

تضيف “أيضاً لا ينص القانون على الشراكة في تحمل أعباء العائلة والقيام بمسؤولياتها، كذلك بالنسبة للطلاق وتبعات ما بعده، حيث يجيز الطلاق للرجل منفرداً، بينما المرأة إذا ارادت الطلاق يجب أن تتقدم بدعوى للمحكمة وتبرر أسبابه”.

وتؤكد أن معظم القوانين في اليمن رغم أنها لا تشير إلى تمييز بشكل واضح، لكنها تتضمن نصوص مخفية تؤدي للتمييز.

"عندما لا ينص القانون صراحة بتجريم التمييز معنى هذا أنه يشجع المجتمع على التمييز، وهذا هو الحاصل في اليمن”، أوضحت نبيلة المفتي، التي كانت عضواً فاعلاً بمؤتمر الحوار الوطني عام 2013- 2014، الذي أقر منح المرأة اليمنية حصة تمثيلية بنسبة 30 في المئة في البرلمان والمجالس والهيئات المنتخبة.

غير أن المفتي تعتقد أن الحرب الدائرة في بلادها، منذ نهاية آذار/مارس 2015، قوضت طموحات النساء ونضالهن من أجل التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومع ذلك تستبعد “إحلال السلام دون إشراك الإناث بصورة حقيقية”.

خطوة وتراجع ملحوظ

وعن تقييمها لمشاركة المرأة منذ اندلاع الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح بعد 33 عاماً من تشبثه المستميت بالسلطة عام 2011، تقول المفتي إن “مشاركة المرأة في الثورة الشعبية كانت مفاجئة للعالم، في مجتمع تقليدي”.

لكن الأهم “مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل بما يقارب 30 في المئة من إجمالي الأعضاء”.

واعتبرت التمثيل بهذه النسبة خطوة أولى للحصول على المساواة لاحقاً في المناصب العليا.

وتتابع الناشطة الحقوقية “شكلت النساء في فترة السلم target="_blank">حركة قوية للمطالبة بحقوقهن والمساواة، وتراجعت هذه الحركة بشكل ملحوظ في فترة الحرب الأخيرة، التي دمرت كل طموحاتنا. كنا نتوسم كحقوقيين أنه في عام 2020 ستصبح اليمن من البلدان التي وصلت بالنساء إلى مكان معين، وللأسف نحن اليوم أقل حالاً مما كنا في التسعينيات”.

"مشاركة النساء حالياً تراجعت بشكل كبير”، توضح المفتي.

 انتكاسة التعليم

وفوق ذلك تسبب الصراع في “انتكاسة كبيرة للتعليم بدءا بانقطاع مئات آلاف التلاميذ عن الدراسة، وتدمير مئات المدارس”، على حد تعبيرها.

"كانت من أبرز الخطط نشر التعليم في كل مناطق اليمن وإعطاء حوافز للفتيات بهدف المساواة ومشاركتهن في العملية التعليمية، للحد من تسرب الفتيات بين أعمار خمس إلى 15 سنة من المدارس”، قالت نبيلة المفتي.

ولذلك تعتقد أن هذا الأمر سيفاقم مشكلة الفجوة في التعليم، ما سيؤدي إلى حرمان المرأة واتساع رقعة الفقر.

لا سلام دون النساء

وتشير المحامية نبيلة المفتي إلى أن النساء أكثر دعاة للسلام، "ولا يمكن نجاح أي جهود لإحلال السلام في البلد وتحقيق إصلاحات جذرية دون مشاركتهن". وتؤكد ضرورة توفير بيئة امنة لضمان حق الحياة وإشراك حقيقي للمرأة.

"نحن اليوم بلد استنزف تماماً. لم تعد هنالك دولة. وكمجتمع أصبح لدينا تمييز متعدد بالمنطقة والهوية والقبيلة وغيرها، وهذا مخيف”.

وتتابع “تمزق النسيج الاجتماعي، هو الأخطر. وإعادة بناء هذا النسيج يعتمد بنسبة تتجاوز 80 في المئة على النساء، لأنهن من يسمع التفرقة داخل المنزل، ومن يتحلى بأخلاقيات الكره أو الحب”.

ووفقاً للمفتي، يجب توعية النساء في أنحاء البلاد بدءا بالمجتمعات الصغيرة، للحفاظ على النسيج الاجتماعي، وإزالة ما قد علق من كراهية وتفرقة وأفكار تمييزية.

وتختتم المفتي حديثها “الرجال والنساء على حد سواء يحتاجون أولا وضعا اقتصاديا مختلفا ودعما يخرجهم من الوضع السيء، أيضاً نحتاج لدعم في البنية التحتية الأساسية، يجب أن نؤسس بشكل حقيقي ليمن المستقبل”.

*الصورة: المحامية والناشطة الحقوقية، نبيلة المفتي/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".