بقلم خالد الغالي:

تبدو الأرقام عن العنف الأسري، ضد الزوجة خاصة، في بلداننا العربية مفزعة جدا. يكفي مثلا أن أكثر من نصف العراقيات لا يعتبرن ضرب الزوج لزوجته عنفا أصلا، وأن الغالبية الساحقة لقضايا العنف ضد الزوجة تسحب من المحاكم في ليبيا قبل البث فيها.

ويزداد الوضع قتامة عند النظر إلى قوانين الدول العربية المتعلقة بالمرأة، فنادرة هي الدول التي تتوفر على قوانين تجرم العنف ضد الزوجة أو إكراهها على ممارسة الجنس مع زوجها أو التحرش ضدها في الشارع العام أو في أماكن العمل. فيما يلي لائحة بـ10 أرقام و10 حقائق عن العنف ضد المرأة في البلدان العربية.

10 إحصائيات

- 27.7 مليون امرأة مصرية كانت ضحية لختان البنات سنة 2013. وهو أعلى رقم في دولة واحدة في العالم.

- 3.7 مليون متزوجة مغربية تعرضت لعنف زوجي، وفق آخر بحث وطني حول انتشار العنف ضد النساء أجرته المندوبية السامية للتخطيط في المغرب سنة 2009.

اقرأ أيضاً:

العراق: لا تشريع لحماية الأسرة وأحزاب دينية متهمة بتعطيله

المرأة المغربية تتعرّض للعنف ومنظومة الحماية ضعيفة

- 20 في المئة من الموريتانيات هن إما ضحايا أو تحت خطر التسمين القصري.

- 99 في المئة من القضايا التي ترفع في ليبيا بسبب العنف الأسري تسحب من المحكمة في الأخير.

- ما يقرب 55 في المئة من النساء العراقيات لا يرين في ضرب الرجل لزوجته عنفا.

- ما يقرب 93.3 في المئة من النساء والفتيات في مصر تعرضن للتحرش الجنسي. في سنة 2014، أدخلت مصر في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور تعديلات على القانون الجنائي من أجل تشديد العقوبات المتعلقة بالتحرش الجنسي.

- 30 في المئة من نساء البحرين تعانين من العنف داخل الأسرة.

- 80 في المئة من الفتيات ضحايا جرائم الشرف في الأردن يكتشف الطب الشرعي في الأخير أنهن عذراوات.

- حسب دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، 30 في المئة من المصريات يمارسن العنف ضد أزواجهن.

- 50 في المئة من سجناء جزر القمر مدانون بجرائم تتعلق باعتداءات جنسية ضد المرأة.

10 حقائق

- في أغلب الدول العربية (منها لبنان والأردن وليبيا وسورية والعراق والجزائر والبحرين...) يعفي القانون الجنائي المغتصب من عقوبة جريمة الاغتصاب إذا تزوج من الضحية. المغرب بدوره، لم يلغ هذا الإعفاء إلا سنة 2014، بعد انتحار قاصر تم تزويجها من مغتصبها بالإكراه.

- لم تصادق حكومات كثير من الدول العربية على قوانين تجريم التحرش الجنسي إلا في السنوات الأخيرة: الجزائر (2015)، المغرب (2015)، تونس (2016)، فيما لا تزال دول أخرى مثل السعودية والكويت والبحرين بدون هذه القوانين.

- لا توجد أيضا في الدول العربية قوانين تدين الاغتصاب الزوجي، رغم النداءات المتكررة من منظمات المجتمع المدني.

- باستثناء الأردن والسعودية ولبنان والجزائر  والبحرين، لا تتوفر باقي الدول العربية على قوانين تجرم العنف الأسري. في المغرب، صادقت الحكومة في آذار/مارس على قانون تجريم تعنيف النساء، لكنه لم يدخل بعد حيز التطبيق.

- ما زالت المرأة في أغلب الدول العربية لا يحق لها أن تمنح جنسيتها لأبنائها أو زوجها. ورغم وجود استثناءات قليلة، مثل المغرب والجزائر وتونس ومصر، لا تزال القوانين في مجمل البلدان العربية تعتبر أن رابطة الدم محصورة بالأب.

- المرأة في عدد من الدول العربية تأتي في مرتبة دونية بالمقارنة مع زوجها، أو وليها بشكل عام، فهي لا تستطيع السفر أو الزواج أو الحصول على الرعاية الصحية أو دخول الجامعة بدون موافقة ولي الأمر.

- في بعض الدول العربية إذا لم تستطع المرأة إثبات جريمة الاغتصاب، تعاقب بجريمة الزنا ويقام عليها الحد.

- رغم عدم التنصيص على عبارة "جريمة الشرف" في قوانين العقوبات في الدول العربية، إلا أن أغلب هذه القوانين تمنح تخفيفا في العقوبة للمتهمين بجرائم ضد أقربائهم "دفاعا عن العرض".

- في العراق، أقرت الحكومة قانونا للأحوال الشخصية الجعفرية يخفض سن الزواج القانوني للإناث إلى تسع سنوات. أثار الأمر ضجة كبيرة، فلم يتم تمرير القانون.

- في اليمن، كان قانون الأحوال الشخصية لسنة 1992 يحدد السن القانوني للزواج للذكر والأنثى في 15 سنة، غير أن التعديل الذي أجري سنة 1999 على المادة 15 المحددة لسن الزواج أفرغ المادة تماما من محتواها. ونص التعديل على أن بالإمكان تزويج الصغيرة، إلا أنه "لا يمكن للمعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة". وهو ما يفتح الباب لكثير من التجاوزات.

*الصورة: شابة مغربية في تظاهرة بالعاصمة الرباط، سنة 2016، ترفع لافتة تقول إن صوت المرأة ثورة وليس عورة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".