المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
"خرجت إلى الشارع هربا من مشاجرات أبي وأمي التي تتكرر في بيتنا كل يوم، وكذا التعنيف الذي أتعرض له على يد والدي المدمن على المخدرات والخمر"، بهذه الكلمات المؤثرة يصف شاب اختار لنفسه اسم "سعيد" كيف غابت التربية الحسنة عن بيتهم وكيف فضل أن يصبح تحت رحمة الشارع في جحيم لا يوفر أدنى شروط التربية.
"الشارع أرحم"
على مقربة من محطة ترامواي المدينة العتيقة بالرباط، يجلس سعيد بثياب رثة وسحنة تبدو عليها التعب. يحمل بين يديه كيسا بلاستيكيا يحوي علب مناديل ورقية، يستجدي المارين بالشراء منه أحيانا، وأخرى ينزوي وراء شباك المحطة ليدخن بقايا سجائر يلتقطها من الأرض.
سعيد تجاوز عامه الـ17 بقليل، واحد من بين آلاف الشباب والأطفال الذين أجبرتهم ظروفهم الأسرية المتسمة بالفقر والعنف وغياب التربية، على اللحاق بالشارع أملا في إيجاد ركن يأويهم ويقيهم من ويلات العنف التي يتعرضون لها على يد الوالدين.
اقرأ أيضاً:
العراق: لا تشريع لحماية الأسرة وأحزاب دينية متهمة بتعطيله
المرأة المغربية تتعرّض للعنف ومنظومة الحماية ضعيفة
"غادرت منزلنا بالحي الصفيحي، دوار الكورة، وسط العاصمة الرباط قبل عامين بعدما عنفني أبي بسلك"، يحكي سعيد الذي تظهر عليه آثار التعنيف الذي تعرض له. "سئمت منظر رؤية أمي ساقطة على الأرض كل ليلة، حيث يعود أبي ثملا ليفسد علينا النوم".
ويحكي سعيد بمرارة كيف انقلبت حياته رأسا على عقب بعدما غادر مقاعد الدراسة وأصبح يرى ويسمع شتى أنواع التعنيف والسباب في بيتهم الصفيحي، فضلا عن معاملة أٌقرانه الذين غالبا ما كانوا يعيرونه بمشاكل والديه.
العنف يولد الانتقام
يرافق سعيد في تسكعه في شوارع الرباط طفلان آخران، رفضا الحديث عن سبب تواجدهم بالشارع، غير أن سعيد قال في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أنهما أخوين طردتهما زوجة أبيهما من البيت بعدما رفضا استغلالها لهم، إذ تدفعهم إلى التسول وبيع المناديل الورقية وتستولي على ما بحوزتهم من مال حين الرجوع إلى البيت، ناهيك عن حرمانهم من أبسط شروط العيش الكريم، على حد تعبيره.
ولدى سؤال سعيد كيف يتدبر مأكله ومبيته؟ ذرف الدموع من عينيه وأجاب بحرقة "آكل ما يتبقى على طاولات المطاعم الشعبية المجاورة، وليست كل مرة تسلم الجرة، إذ نتعرض دائما للضرب والركل من طرف أصحاب هذه المطاعم.. أما المبيت ففي الجو العادي نفترش ركناً في الشارع، وحين يكون الطقس سيئا، نقبل على المحطات الطرقية للاختباء من لسعات البرد وزخات المطر".
"حينما أكبر سأخلص أمي من قبضة ذاك المدعو أبي ولو كلفني ذلك حياتي. يجب أن يأخذ عقابه الذي يستحق"، يضيف سعيد بغضب، قبل أن يستدرك، "لا أريد أن أكون مجرما أو منحرفا. يجب أن أعود للدراسة لأضمن مستقبلي وأنقذ أمي من الضياع".
أجيال عنيفة ومتطرفة
"تعنيف الأطفال وانعدام شروط التربية في البيت ناهيك عن المعاملة القاسية شروط كفيلة بإنتاج جيل حاقد وغير سوي، يمكن أن ينتقم مما تعرض له في الصغر دون رحمة، كما هو حال الكثير من السجناء في المغرب"، يقول الباحث في علم النفس الاجتماعي عبد الحق الطاهري.
ويضيف الطاهري لموقع (إرفع صوتك) أن العنف الأسري خلل اجتماعي يهدم أواصر العلاقات الاجتماعية وينتج أجيالا متطرفة، وينشر ظواهر خطيرة تهدد الأمن والسلم الاجتماعي، كالجريمة بشتى أنواعها، وزرع الإحباط في نفوس الشباب الجانح، ممن لم يجد من يرشده إلى الطريق الصحيح.
ويلقي المتحدث باللوم على مؤسسة الأسرة والمدرسة والدولة، ذلك أن الأولى تتحمل المسؤولية الكبرى في تربية الأبناء لأن الانسان ابن بيئته كما يقال، "فمن تربى في وسط يسود فيه العنف سينتج حتما جيلا عنيفا يستنبط أفكاره مما تربى عليه، فيما تتحمل المدرسة مسؤولية التربية على الأخلاق والمعاملة، وهو ما أصبحت تفتقد إليه المدرسة المغربية".
ويضيف الطاهري أن الدولة غالبا ما تغمض العين عن المتسببين في العنف الأسري، حيث يكون الأطفال ضحية لعلاقات إنسانية غير مستقرة، ويؤدون ثمنها ، وبالتالي لا بد من تحريك قوانين الزجر والعقاب في حق المسؤولين عن هذا الأمر الذي بات مستفحلا بشكل مخيف.
*الصورة: سعيد في شوارع الرباط/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659