بغداد – بقلم دعاء يوسف:

"كان يغيب عن البيت لأسابيع ولا يعود إلا عندما يتعرض لمضايقات في الشارع"، تقول سعاد علي عن ابن شقيقتها وهاب كريم، الذي يبلغ من العمر الآن 13 عاماً ، ويعمل في جمع القناني الفارغة من أماكن الطمر الصحي.

الحبوب المخدرة

 قصة وهاب بدأت بعدما قتلت أمه بدافع "غسل العار" من قبل والده، الذي اتهمها بالخيانة وقتلها. "واعتبرت قضية شرف عشائرية"، حسب ما قالت سعاد لموقع (إرفع صوتك).

والد الطفل لم يعد يريده ولم يعد يسأل عنه، فأخذته خالته للعيش معها. لكنّ علاقة الطفل وهاب بخالته هي إحدى مشاكل الطفل. فقد كان يعيش في صراع كبير بسبب ظروفها المعيشية السيئة وأيضا لكثرة مشاجرات أطفالها معه، مما اضطره للعمل لتوفير بعض احتياجاته بعيدا عنهم.

اقرأ أيضاً:

أسئلة وأجوبة حول الإسلام والعنف الأسري

هل استفادت المرأة الجزائرية من قانون تجريم العنف ضدها؟

"حتما سأجده منزوياً على مقربة من أحد أماكن الطمر الصحي مع صغار بنفس عمره"، تقول الخالة التي تأسف كون ابن اختها الآن قد تعلم كل السلوكيات المنحرفة وأصبح مدمناً على تناول الحبوب المخدرة، على حسب ما تعرف.

تمسك أمي بزوجها المتدين

 تطأطئ رشا، 17 عاماً، رأسها على هاتفها النقال وتضعه جانباً، بعد أن تفحصت ما وردها من اتصالات ورسائل. ثم تقول بنبرة حزينة إنّها هربت من عائلتها منذ سنتين. وهي الآن تعمل نادلة في نادٍ ليلي.

تروي رشا لموقع (إرفع صوتك) أنّها كانت تتعرض كثيراً للضرب من قبل زوج أمها الذي  كان متشدداً ويفرض عليها الالتزام بتعاليم الدين بالقوة. تزوجت والدة رشا بعد أن توفي والدها في الاقتتال الطائفي في العام 2007.

وفي إحدى الليالي، كانت رشا تحاول الدفاع عن والدتها عندما كان زوجها يضربها لأنها سمحت لابنتها بسماع الأغاني. "ليلتها، ضربني أنا أيضا بقسوة، ولم يكن هناك ما أستطيع فعله غير الهرب".

وتضيف الفتاة "لم أخرج بشيء من منزلي لا ماديا ولا معنويا، إذ لا توجد هناك معاملة جيدة ولا احترام أو حتى علاقة طيبة، فقط الضرب والتوبيخ والمعاملة السيئة".

رشا واحدة من عشرات الفتيات اللّواتي يعملن في النوادي الليلية والمطاعم. التقى بها موقع (إرفع صوتك) في مركز لتجميل النساء في منطقة الكرادة ببغداد عندما كانت تستعد لحفل سيقام في المطعم ليلتها.

تقول إنّها بعد هروبها بدأت العمل كخادمة لدى امرأة تعمل في نادٍ ليلي، وتعرفت عليها عن طريق صاحبة مركز تجميل النساء.

كانت رشا في البداية متحمسة للعمل في النادي الليلي. لكن تدريجياً، بدأت تشعر بالخوف من هذا العالم. "كلما تعرضت لسوء معاملة من الزبائن أشعر بالخوف وأرغب بالهرب منهم. لكن هؤلاء يختلفون لأنهم لن يتركوني".

لم تكن حياة رشا كما تتمنى، على حد قولها، فبسبب الحاجة إلى المال وتمسك أمها بزوجها المتدين، وجدت نفسها مرة أخرى عرضة للاستغلال وسوء المعاملة والخوف.

الزواج المبكر

 ولا يبدو الوضع أفضل حالاً مع زهراء، التي أجبرت دون إرادتها على الزواج المبكر من رجل تركها بعد أشهر قليلة. إذ بدأت قصة زهراء عندما اكتشفت خيانة والدها مع ابنة فلاح حديقة منزلهم وأخبرت والدتها بذلك، ليبدأ الأب بمعاقبتها بالضرب ومنعها من إكمال دراستها.

وبعد مشاكل كثيرة وانفصال أبويها، بدأ شقيقها الوحيد بمعاملتها بطريقة سيئة ومن ثم قام بتزويجها من أول متقدم لخطبتها.

تقول أم زهراء في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن شقيقها كان قد فرض عليها الزواج قسراً وهي قاصر لأن المتقدم كان من أصدقائه المتدينين. وهذا كان قبل أن يتعرض الأخ لحادث انفجار سيارة مفخخة أفقده القدرة على الحركة نهاية العام 2010.

الزواج لم يكن ناجحاً ولا موفقاً، فمنذ ثمانية أعوام (أقل من عام بعد الزواج) وما زال زوج زهراء، البالغ من العمر 46 عاما، حتى الآن هارباً على خلفية توقيعه لصكوك مالية دون أرصدة ولا يعرف مكانه.

تقول والدتها إن أصحاب المبالغ المالية التي قام زوجها باستدانتها لم يتركوا ابنتها وشأنها، حيث كانت تتعرض بين الحين والآخر لتهديدات إذ لم توفر المبالغ لهم. لذا قررت زهراء العمل في وقتها في معمل لصناعة الكبة لتسديد المبالغ التي كانت بذمة زوجها على شكل دفعات.

وتشعر أم زهراء، الابنة التي لم تتجاوز 25 عاماً من عمرها، بالقلق على ابنتي وطفلها، وهو في السابعة من عمره، وخاصة بعدما اكتشفت أنه يرافق بعض الشباب الذين تدور حولهم الشكوك. وما يحمله ذلك من احتمالات من أن يتم استغلاله وتورطه بمشكلات أو جنح.

"كثيراً ما حاولت منعه من مرافقتهم، لكن دون جدوى. هو لا يستمع إليّ ولا يخاف من أحد".

*الصورة: عراقيات يتظاهرن للمطالبة بوقف العنف ضد المرأة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".