بقلم حسن عبّاس:

تذهب بعض التحليلات إلى الربط بين العنف الأسري وبين ظاهرة الإرهاب التي تتفشّى في المجتمعات العربية. وبغض النظر عن صحة هذا الربط، فإن المؤكد هو أن العنف الأسري عامل مساعد جداً على نمو شخصية الأطفال مع ميول عنفيّة.

وأشار مستشار الطب النفسي ورئيس تحرير المجلة العربية للطب النفسي الدكتور وليد سرحان، إلى أن "الأسرة هي وحدة بناء المجتمع فيها تُبنى الأجيال ويتم إعداد شخصياتهم وصقل مواهبهم". وأضاف في نص أرسله إلى موقع (إرفع صوتك) أن "الجو الأسري الذي يعيشه الفرد يؤثر على التطور النفسي والعاطفي له، ومن أسوأ الأجواء الأسرية التي يمكن للفرد أن يعيشها، هو الجو الأسري المليء بالعنف".

اقرأ أيضاً:

داعش يمكن قهره… أبرز هزائم التنظيم في سورية والعراق

الإفراج عن كاتب أردني اتهم بنشر مادة “مسيئة للذات الالهية”

بدورها، لفتت الدكتورة هبة عيسوي، أستاذة الطب النفسي في جامعة عين شمس وعضو في الجمعية الأميركية لطب نفس الأطفال والمراهقين، إلى أن "الأسرة بالنسبة للطفل هي مكان للأمان والسكينة، وهي التي تعطيه الأمان الأسري الذي يجعله ينمو نفسياً وجسدياً بطريقة صحية".

وأضافت لموقع (إرفع صوتك) أن "الطفل لينمو بشكل سليم يحتاج إلى الأمان واللعب. ولو حرمناه من أحد الأمرين سنتسبّب له بنمو مبتور".

يُعتبر العنف الأسري الذي يختبره الطفل في أسرته مسؤولاً عن الشكل الذي تنمو عليه شخصيته. ولكن هذا لا يعني أن كل أشكال العنف الأسري تؤدي إلى النتائج ذاتها على شخصية الطفل.

ويمكن إيجاز بعض أشكال الآثار النفسية للعنف الأسري على الطفل من خلال النماذج التالية:

1ـ توارث العنف

"الشاب الذي تعرّض للقمع والإساءة والعنف هو شاب ضعيف ومهزوز ومهزوم، ويعاني من الرهاب الاجتماعي وانخفاض النظرة إلى الذات وصعوبة تكوين العلاقات وصعوبة تأسيس أسره قوية".

هذا ما أكّده الدكتور سرحان لموقع (إرفع صوتك)، مضيفاً أن "هؤلاء الشباب يكونون عنيفين ويكرّرون ما فعله آباؤهم بهم وكأنّ دورة العنف تنتقل من جيل إلى آخر".

من جانبها، أكّدت عيسوي أن "الطفل الذي يُمارَس عليه العنف يصير عنيفاً حتى ولو لم يكن العنف سمة أساسية في شخصيته. سيتحوّل إلى شخصية عنيفة في تعامله مع أصدقائه وفي تعاطيه مع مختلف المسائل في حياته".

2ـ القوي يأكل الضعيف

"الطفل الذي سينشأ في أسرة مليئة بالعنف لا شك أنه سيتعلم هذا النموذج، ويحمله معه إلى المجتمع والمدرسة والشارع، ثم إلى أسرته التي سيكوّنها في المستقبل، وسيُتوارث العنف جيلاً بعد جيل".

لخّص سرحان، في النص المُرسل إلى موقع (إرفع صوتك)، آثار العنف على الطفل بالفقرة السابقة شارحاً أن العنف الأسري قد يكون لفظياً فيه الصراخ والعويل والشتائم بين أفراد الأسرة وبكل الاتجاهات، وقد يكون عنفاً بدنياً.

وتابع أن العنف الأسري يمارسه القوي على الضعيف. فالزوج يضرب الزوجة والأبناء، ثم الأم تضرب الأبناء، وبعد أن يشب بعض الأبناء يبدأون بضرب إخوتهم وأخواتهم، وقد يبدأون بضرب الوالدين وحتى الأجداد، "فكل واحد يضرب مَن هو أضعف منه جسدياً ويكيل له الشتائم، وهذا هو نظام القيم الذي سيسود الأسرة وقد ينتقل العنف إلى المجتمع ويساهم بالعنف المجتمعي بكافة أشكاله"، كما يرى سرحان.

3ـ غياب العدالة الاجتماعية

تختلف الآثار النفسية التي يعاني منها الطفل وتؤثر على تكوين شخصيته بحسب طبيعة العنف الأسري الذي يختبره.

فالطفل الذي يشاهد عنفاً بين والديه "سيشعر بأنه لا وجود لعدالة اجتماعية"، بحسب عيسوي.

ففي هذه الحالة، يرى الطفل أن الأب يضرب الأم ويهينها وهي خاضعة ومستكينة، ما سيؤدي إلى "كرهه صورة الأب وتوحّده نفسياً مع أمه وقد يؤدي ذلك إلى عدم اهتمامه بالجنس الآخر وسعيه إلى البحث عن الارتباط برجل حنون كأمّه".

4ـ إثبات الذات بالقوة

أما في حالة الأب والأم اللذين يتبادلان الضرب، "ستنمو لدى الطفل قيمة تتلخّص بأن إثبات الذات في المجتمع يتم عبر استعمال القوة، وسينمو عنده الجانب الانفعالي على حساب الجانب العقلاني الذي يُعلي من قيمة الحوار"، بحسب عيسوي.

5ـ شخصية بلا مشاعر

وفي حالة الأم التي تعنّف الأب، إما من خلال ضربه وإما من خلال إجباره على تنفيذ أمور لأنها تتحكّم بالأسرة اقتصادياً، "سيكره الطفل شخصية أبويه ولا يتوحّد نفسياً مع أي منهما ولا يعتبر أي منهما مثله الأعلى وسيكون هذا الطفل مشروع شخصية بلا مشاعر يعذّب القطط والكلاب ولا يتألم لألم الآخرين لا بل يتلذّذ بتعذيبهم"، شرحت عيسوي.

6ـ العنف الأسري والتطرّف

السؤال عن ارتباط التطرّف بالعنف الأسري الذي يُمارَس على الطفل هو سؤال مشروع، خاصةً أن شخصية الطفل الذي يختبر العنف فيها الكثير من شخصية المتطرّفين.

لكن "ليست هناك دراسات كافية لنقول أن التطرف ينتج عن العنف في الأسرة أو المجتمع"، أوضح سرحان لموقع (إرفع صوتك) مضيفاً أن "الخبرة العملية تقول إن العنف الذي تعرّض له الإنسان في الطفولة قد يجعله أكثر ميلاً للتطرف".

بدورها، لفتت عيسوي إلى أن "العنف الأسري قد يكون سبباً غير مباشر للتطرّف. فالتطرّف معناه أن الشخص غير قادر على السير مع المعايير الاجتماعية السائدة ويعني أنه كسر قناعته بهذه المعايير".

وأضافت أن "المتعرّضين للعنف واللاعدالة يقتنعون بأن العدالة غير موجودة وينتهجون طرقاً غير السائدة في مجتمعهم".

*الصورة: طفل سوري في مدينة حلب يحمل سلاحا بلاستيكياً/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

The name of 22-year-old woman Mahsa Amini who died in the September 2022, while in the custody of the country's morality police…
اسم مهسا (جينا) أميني على حائط في طهران- تعبيرية

لم تكن سياسة منع الكرد في إيران من تسمية أطفالهم بأسمائهم القومية وليدة اليوم، بل كانت موجودة في عهد الشاه وواظب نظام الخميني منذ توليه الحكم بعد الثورة الإيرانية على تنفيذها بشدة، ضمن سياسة القومية الواحدة التي يسعى النظام إلى فرضها على المكونات العرقية والثقافية والدينية في إيران.

وكشف مقتل الفتاة الكردية، جينا(مهسا) أميني، على يد شرطة الآداب الإيرانية العام الماضي بحجة عدم التزامها بالحجاب عن تنفيذ النظام الإيراني لسياسة منع تسمية الاكراد بأسمائهم في بطاقات الهوية، وكانت عائلة جينا إحدى العائلات الكردية التي لم تتمكن من تسمية ابنتها باسمها الكردي "جينا" في الوثائق الرسمية، لأن النظام في إيران فرض عليها اسم مهسا، وهو اسم فارسي، كأقرانها الآخرين من الكرد وأبناء القوميات الأخرى غير الفارسية.

شيرين، مواطنة كردية من كردستان إيران، واجهت قبل نحو عامين رفضاً من قبل السلطات الإيرانية لتسمية ابنها "راسان" ويعني النهوض، فالاسم يدخل ضمن قائمة الممنوعات لدى النظام واستبدلت السلطات اسم الطفل فورا في الوثيقة الرسمية الى "سهراب" وهو اسم فارسي.

وتقول شيرين لـ"ارفع صوتك": "عند مراجعتنا دائرة الأحوال المدنية لإصدار الوثيقة الرسمية لابننا ابلغنا الموظفون، أن الاسم مرفوض وممنوع وفرضوا علينا اسما فارسياً، لكننا مازلنا ننادي ابننا في البيت باسمه الكردي راسان فنحن كرد ولنا الحق في تسمية أطفالنا بأسمائنا، هم يمنعوننا من ذلك رسميا لكننا لا نستخدم الاسم الرسمي لأنه لا يمثلنا".

ويعتبر الخبير بالشأن الإيراني، سوران بالاني، أن منع الأسماء الكردية سواء في عهد نظام الشاه او عهد النظام الإيراني الحالي، يأتي ضمن سياسة استخدمها النظامان لمسح وإلغاء الكرد وهويتهم، وجزء من سياسة القومية والهوية واللغة الواحدة التي يسعى النظام في طهران الى تطبيقها.

ولا تقتصر سياسة منع الأسماء على الكرد في إيران فحسب، بل تشمل القوميات الأخرى أيضا كالبلوش والعرب والتركمان.

ويضيف بالاني لـ"ارفع صوتك": "يخشى النظام من الأسماء الكردية ومن أسماء القوميات الأخرى، لذلك يستبدلها تلقائيا خلال تسجيل بيان ولادة الطفل بمجموعة من الأسماء الفارسية التي يفرضها على الأهالي، مثلا اذا سمت العائلة مولودها بأسماء كردية مثل آزاد او جينا او شيلان او هيرش وهلمت وهلو، خاصة الأسماء ذات الطابع الثوري، حينها ستستبدلها دائرة الاحوال الإيرانية بأسماء فارسية، لذلك لدى جميع الكرد في ايران اسمان اسم في الوثيقة الرسمية واسم ينادى به الشخص من قبل عائلته واقاربه وأصدقائه".

ويتهم نظام ولي الفقيه في إيران منذ سيطرته على الحكم عام 1979وحتى الآن، بارتكابه عمليات قتل واعتقالات وتقييد متواصل ضد الكرد، كما تطاله اتهامات بأنه ارتكب بعد توليه الحكم بفترة قصيرة مجازر ضد الأكراد بفتوى من المرشد الأعلى في حينه، روح الله الخميني، الذي اعتبر الأكراد "كفارا"، وأفتى بالجهاد ضدهم رداً على مطالباتهم بالديمقراطية والحكم الذاتي وحقوقهم المشروعة الأخرى.

وتشير منظمة "هانا" الكردية الإيرانية لحقوق الإنسان الى وجود نوعين من القوانين الخاصة بتسمية الأطفال في إيران: الأول هو القانون المعلن والثاني هو القانون غير المعلن.

ويوضح رئيس المنظمة، حميد بهرامي، لـ"ارفع صوتك"، أن "القانون المعلن ينص في المادة 20 من قانون الأحوال في ايران على أن الاسم يجب ألا يتعارض مع جنس الشخص والثقافة الإيرانية والإسلامية، وفي الوقت نفسه، لا ينبغي أن يكون الاسم غربياً، بموجب هذا القانون، لا يمكن للوالدين اختيار أي اسم يريدانه، ويجب أن يكون ضمن هذا الإطار".

ويشير بهرامي الى أن دائرة الأحوال المدنية جمعت الآلاف من أسماء الأولاد والبنات في كتاب وهي المتاحة للاستخدام، ومعظمها أسماء فارسية وعربية، مضيفاً "إذا اختار شخص ما اسمًا آخر غير موجود في القائمة، حينها يجب عليه أن يثبت لدائرة الاحوال ما هو الاسم ومن أين يأتي وما جذوره ومعناه وأنه لا يتعارض مع القانون".

أما القانون الثاني، غير المعلن، معمول به في جميع المحافظات والمناطق في ايران التي تتواجد فيها "الجماعات المضطهدة" كما يقول بهرامي، و"ينص على منع الأسماء التي تثير المشاعر القومية والثورية وتكون ظاهرة وهذه الأسماء المحظورة غير مثبتة بشكل واضح"، مشيرا الى أن منع الأسماء الكردية يمارس من قبل النظام بشدة في محافظتي كرمانشاه وارومية.

ويؤكد بهرامي على أن منع الأشخاص من اختيار أسمائهم وأسماء أبنائهم بحرية يعتبر أحد أبرز انتهاكات حقوق الانسان في ظل نظام ولي الفقيه الإيراني، لافتا الى أن "هذا الانتهاك لم يلق حتى الآن الاهتمام المطلوب للانشغال بتسجيل الانتهاكات الأخرى، التي ينفذها النظام ضد الكرد والشعوب الأخرى في ايران كالاعتقالات والسجن والقتل والإعدامات".