نساء في الجزائر/وكالة الصحافة الفرنسية
نساء في الجزائر/وكالة الصحافة الفرنسية

الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

تضمّنَ قانون العقوبات الجزائري بعد التعديل الأخير الذي صودق عليه في كانون الأول /ديسمبر 2015، بنودا جديدة لحماية المرأة من العنف داخل الأسرة ومن التحرش بالعمل والأماكن العمومية.

وأقرّ القانون عقوبات صارمة ضد المتحرشين بالنساء تتراوح بين السجن وغرامات مالية معتبرة خصوصا إذا تعلق الامر بالقاصرات من البنات.

وأثار القانون حفيظة التيار الإسلامي داخل قبة البرلمان (خصوصا المواد المتعلقة بالأسرة) إلا أن فرع منظمة العفو الدولية بالجزائر أثنى عليه واعتبره خطوة ملفتة نحو تحقيق مبدأ احترام حقوق الإنسان بالجزائر.

وبعد مرور قرابة السنة على بدء سريان قانون التحرش، حاور مراسل موقع (إرفع صوتك) بعض النساء العاملات والفتيات بالشارع للتعرف على مدى تطبيق بنود القانون المعدل وحقيقة وضع النساء في ظل التشريع الجديد.

وفي هذا الصدد، تقول السيدة أنيسة التي لم تكشف عن لقبها في حديثها لموقع (إرفع صوتك)، إن المشكلة بالجزائر لا ترتبط بالضرورة بقوانين يجب احترامها بل بقيم ورثناها عن سابقينا، وجب العودة إليها.

مواطنون فوق القانون

كما ترى صاحبة الـ52 عاما أنه لا يمكن تطبيق القوانين دائما، لأن ذلك يستجيب لحسابات تجهلها الضحية في أغلب الاحيان.

“جميل أن تكون ببلادنا قوانين تحمي المواطن في أدق تفاصيل حياته كما هو معمول به في الغرب، لكن الأمر يختلف عندنا، ما دام هناك مواطنون فوق القانون”.

وتضيف الإدارية في إحدى المؤسسات العمومية أن القانون يفرض عليك احترام الآخر لكنه لا يستطيع “إعادة تربيتك” إذا ما افتقدت أنت لأصول الشهامة والرجولة التي توارثتها الأجيال، مشيرة إلى وجود عامل الخوف الذي كثيرا ما ينهي القضية لصالح المعتدي.

“لا تنسى أن أغلبية النساء لا تشتكي المعتدي مخافة فقدان العمل، أو الفضيحة التي قد ترهن مستقبل الفتاة غير المرتبطة على وجه الخصوص”.

وخلال حديثها لنا، كشفت السيدة أنيسة أنها تعرضت للتحرش من طرف مديرها المباشر وهي لم تتجاوز فترة الثلاثة أشهر منذ التحاقها بالمؤسسة التي كانت تشتغل بها، والقوانين آنذاك لم تكن تخدمها، فاضطرت لترك منصبها هربا من الضغوط التي كانت ضحية لها “دونما نصير” على حد وصفها.

“لم يكن سهلا بالنسبة لي أن أترك وظيفتي، لكن الأمر كان خارج نطاق تحكمي، لو كانت الحادثة الآن لأخذت مجرى آخر، خصوصا أن زوجي جد متفهم وأن القانون اليوم أضحى في صالحي. أتمنى أن تمارس النساء حقهن بالفعل”.

في الواقع… الأمر سواء

“هل هناك مؤسسة لا يوجد فيها تحرش؟”، تتساءل نسيبة مجدوب، سيدة في العقد الثالث من عمرها تشتغل بمؤسسة خاصة في قطاع الاتصالات.

وترى المندوبة التجارية أن التحرش أضحى ملازما للحياة المهنية للمرأة، وأنها تضطر للتنازل عن حقها في الشكوى للحفاظ على مصدر رزقها.

“أنا مطلقة منذ سنتين، وتعرضت لما يقارب الخمس محاولات جريئة للتحرش، لكني أحاول التحايل عليهم حتى أستمر في عملي”، تقول السيدة قبل أن تضيف “التحرش ملازم للمرأة في أماكن العمل خصوصا إذا كانت مطلقة مثلي”.

وفي إجابتها حول وضعها بعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، أجابت نسيبة بالقول “في الواقع الأمر سواء بالنسبة للمعتدي لأن الأمر يتعلق أساسا بأصحاب المناصب العليا وهم يتمتعون بحصانة معنوية يصعب تجريدهم منها”.

أنظري إلى لباسك!

وترى نسيمة سيد، وهي طالبة في كلية التجارة بالعاصمة الجزائر وجدناها تنتظر حافلة نقل الطلبة بالرغاية بضواحي العاصمة، أن المرأة إن كانت مرتبطة بالمعتدي عليها بعلاقة عمل عمودية، أي مرؤوسة له، يصعب عليها الأمر حيث تخاف فقدان عملها، لكن الشارع يعطي المرأة أكثر جرأة على من يعتدي عليها بقوة القانون وهو ما يجعل “الشارع أرحم من أماكن العمل”.

لكن الطالبة في السنة الجامعية الثالثة لا تخفي في حديثها لموقع (إرفع صوتك) تعرضها الدائم للتحرش من طرف الشباب وعلى مرأى من رجال الأمن في غالب الأحيان.

“اشتكيت مرّة لرجل أمن كان بحاجز أمني من شاب تحرش بي قبيل أذان المغرب منذ أسبوعين فقط، وما كان من الشرطي إلا أن قال لي هذا ليس وقتاً مناسباً تخرجين فيه قبل أن يضيف بجرأة انظري إلى لباسك!”.

وتروي الآنسة نسيمة القصة وكلها أسى على الرد الذي لقيته من الشرطي مؤكدة أنها كانت بمدرجات الجامعة وأنها حضرت محاضرة مهمة انتهت على الساعة الخامسة قبيل غروب الشمس بساعة ونصف فقط متسائلة عن “الذنب في ذلك وفي اللباس الذي يحصن من التحرّش”.

وتشير فريال طالبة جامعية كذلك، إلى أن حجة اللباس ليس لها أي أساس على اعتبارها تتعرض للمضايقات دونما حماية بالرغم من “ارتدائي للحجاب الشرعي” قبل أن تقطع الطالبة حديثها للفت انتباهنا إلى وضعية تحرش وقعت ونحن نسجل حديثنا حيث تحرش شاب لفظياً بفتاة كانت مارة قربه.

حاولنا إثر ذلك الاقتراب من الفتاة لكنها رفضت الحديث إلينا للإدلاء بشهادتها.

وأعقبت فريال قائلةً “ترفض الحديث للصحافة فكيف تشتكي؟ إليك مثال حيّ عن حقيقة الحماية التي تتحدثون عنها”.

*الصورة: نساء في الجزائر/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".