صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:
عندما اجتاحت جماعة الحوثيين الشيعية العاصمة اليمنية صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، كانت الآمال لا تزال تحدو معظم اليمنيين في بناء دولة اتحادية ديموقراطية، بناء على مقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي رعته الأمم المتحدة، في أعقاب ثورة “الربيع اليمني” التي أطاحت بنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح في 2011، بعد 33 عاما من التشبث المستميت بالسلطة.
آمال عريضة سرعان ما تبخرت مع فرض ميليشيات الحوثيين الإقامة الجبرية على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته في كانون الثاني/يناير 2015، قبل أن يتمكن لاحقا الإفلات من محاصريه إلى مدينة عدن، جنوب اليمن، ومغادرة البلاد إلى العاصمة السعودية الرياض.
وقاد اجتياح الحوثيين المسلح للعاصمة صنعاء ومدناً يمنية أخرى، بدعم مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلى تدخل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية أواخر شهر آذار/مارس 2015، دعما لعودة الرئيس هادي إلى السلطة، ما جرّ البلاد إلى حرب طاحنة لا تزال تدور رحاها حتى اليوم.
القرون الوسطى
لذا يعتقد المحلل والناشط السياسي اليساري اليمني، طاهر شمسان، أن “مستقبل الديموقراطيةفي اليمن ما زال بعيداً، في ظل التوازن القائم حالياً لصالح القوى التقليدية المتسببة بالحرب الحالية، فضلاً عن ضعف قوى الحداثة والقوى الديموقراطية، التي جرى إضعافها وتجريفها خلال فترة حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح وهي أخطر فترة في تاريخ اليمن”، على حد تعبيره.
ويذهب شمسان، وهو أيضاً باحث متخصص في شؤون الجماعات والحركات الإسلامية، إلى أنه لا وجود للديموقراطية في “فكر الحوثيين، وحركة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب تجمع الإصلاح، والسلفيين، وتنظيم القاعدة”.
وأضاف شمسان في حديثه لموقع (ارفع صوتك) أنّ جماعة الحوثيين والسلفيين وتنظيم القاعدة، هي “جماعات ’قروسطية‘ تنتمي ثقافياً وذهنياً إلى القرون الوسطى”.
الرابطة الدينية
ومع إقراره بقبول الإخوان المسلمين بالديموقراطية، إلا أنه من وجهة نظره “قبول شكلي”، مضيفا أن “البعد الفلسفي للديموقراطية غائب في ثقافتهم، أقصد الاعتراف بالتنوع والتعدد والنظر إلى حاضر كل مجتمع على أنه امتداد لماضيه وبداية لمستقبله”.
وفضلاً عن ذلك يقول شمسان بأنهم “يرفضون العلمانية، ولا توجد ديموقراطية بدون علمانية، فإذا لم تكن الدولة علمانية لن تكون مؤهلة للوقوف على مسافة واحدة من مواطنيها الذين يتسمون بالتنوع والتعدد المذهبي والطائفي والطبقي”.
منتهى الخطورة
وينفي طاهر شمسان أن يكون هناك أي تناقض بين الدين والديموقراطية، لكنه يقول “التناقض هو بين التدين والديموقراطية، حيث تقوم الديموقراطية أساساً على التنافس بين أحزاب سياسية تقف على أرضية بشرية، وأن يأتي حزب آخر يقف على أرضية دينية ويدعي أنه يمثل السماء فذلك يعنى أنه يشيطن الآخرين”.
أكثر انفتاحاً
لكن عضوة المكتب السياسي لجماعة الحوثيين، الدكتورة حليمة جحاف، تنفي اتهام جماعتها بأنها “جماعة قروسطية“، قائلة إن الرؤية السياسية التي قدمتها الجماعة في مؤتمر الحوار الوطني 2013- 2014 “كانت من أكثر الرؤى تأكيداً على مبدأ الديموقراطية والشراكة الوطنية”.
وتابعت جحاف لموقع (إرفع صوتك) “أيضاً اتفاقية السلم والشراكة، التي تحسب للحوثيين، تضمنت بنودها المشاركة السياسية لكافة القوى والمكونات السياسية على الساحة، وهذا بالعكس ليس استبعاداً للآخر أو عودة للقرون الوسطى”، في إشارة إلى الوثيقة التي وقعت عليها الأطراف السياسية عشية اجتياح جماعة الحوثيين للعاصمة صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014.
وبشأن أسباب عدم تحول جماعتها إلى حزب سياسي، قالت جحاف إنّ “هذا القرار راجع للجماعة نفسها، لكن الأهم هو أننا جماعة سياسية منظمة”.
يناضل
في المقابل يقول عبد الملك شمسان، وهو محلل سياسي ينتمي لحزب تجمع الإصلاح، الذراع المحلي لجماعة الاخوان المسلمين، أن “وضع الجماعات الإسلامية كلها في سلة واحدة على التباعد الذي بينها، منطق غير سوي”.
وأضاف القيادي الإصلاحي لموقع (إرفع صوتك) عبر الهاتف من مدينة عدن الجنوبية، أن “التجمع اليمني للإصلاح هو حزب سياسي يؤمن بالديموقراطية والتعددية وعلى هذا الأساس تأسس (في أيلول/سبتمبر 1990) وشارك في الانتخابات ووصل إلى البرلمان، وعلى هذا الأساس يناضل اليوم من أجل دولة ديموقراطية تقوم على العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان”.
ويوضح “خروجنا عام 2011 (ثورة شعبية ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح) كان ضد التوجه للتوريث والفساد الحاصل والاقصاء والانقلاب على الديموقراطية، واليوم نحن نخوض معركة سياسية ضد الانقلاب وندعم ونؤيد المقاومة الشعبية ضد هذا الانقلاب الذي نعتبره أساساً انقلاب على الدولة وعلى الديموقراطية والجمهورية”.
لكن الأمر مختلف بالنسبة لجماعة الحوثيين من وجهة نظره، فهو يرى أنها “جماعة لا تؤمن بالديموقراطية ولا بالتعددية”.
“عندهم شيء اسمه الولاية والحكم في البطنين (أبناء الإمام علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء)، وهذا الكلام معلن في كتبهم وخطاباتهم”، يضيف عبد الملك شمسان، ما يجعل المسألة السياسية “محسومة“ سلفاً.
*الصورة: رجال مجتمعون في أحد مقاهي اليمن/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659