بقلم حسن عبّاس:
يرد التمييز بين الرجل والمرأة في الأنظمة القانونية في الدول العربية وإن بأشكال مختلفة، ممّا يقيّد حق المرأة العربية في التماس العدالة عن طريق القضاء، هذه الإشكالية التي يعرضها “تقريرحول وضع المرأة العربية/ التماس النساء والفتيات للعدالة: من تصديق الصكوك الدولية إلى تطبيقها”. وهي دراسة أعدّتها السيدة لانا بيدس، المسؤولة الأولى للشؤون الاجتماعية في مركز المرأة في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وبإشراف مديرة المركز سميرة عطا الله.
وتشير الدراسة إلى أن “التمييز في القوانين القائمة، والنقص في القوانين التي تحظر بعض أشكال الانتهاكات هما من العوامل التي تحرم المرأة من سبل التماس العدالة”.
وفي تحليلها لافتقار مؤسسات العدالة في المنطقة العربية إلى الفعالية، تعدّد الدراسة الأسباب التالية:
ـ تعددية الآليات والنظم القانونية
تتعدد النظم القانونية في معظم البلدان العربية، فإضافة إلى النظام القانوني المدني، هنالك في معظم الدول العربية أنظمة قانونية خاصة بالديانات والمذاهب المختلفة.
وتقع القضايا العائلية عادةً ضمن اختصاص القوانين والمحاكم الدينية. وأحياناً، قد لا تكون بعض الجرائم المنصوص عليها في القوانين المدنية مصنفةً على أنها جرائم في القوانين الدينية، والعكس صحيح.
ويؤدي هذا التضارب إلى واقع أن غياب النظام القضائي الموحّد يحدّ من قدرة المرأة على المطالبة بسبل الإنصاف وإنفاذها ويضعها في حالة من الفراغ القانوني.
ـ نظام العدالة لا يراعي اعتبارات الجنسين
ينتج عدم مراعاة اعتبارات الجنسين من ضعف تمثيل المرأة في نظام العدالة، إذ أن نسبة مشاركة المرأة في القضاء في المنطقة العربية هي من أدنى النسب في العالم. وعادةً ما تُستثنى المرأة من تعيينات القضاة في المحاكم الدينية.
كذلك، تسجّل الدراسة ضعف مؤسسات العدالة في ما يتعلق بقضايا النوع الاجتماعي، وتؤكّد وجود رابط بين النقص في التوعية بقضايا الجنسين لدى الأجهزة المسؤولة عن إنفاذ القانون وضعف فرص المرأة في التماس العدالة.
كما أن مناهج المعاهد القضائية ومعاهد الشرطة “لا تعكس التزامات الدول بموجب الصكوك الدولية، كما أنها لا توفّر التدريب الملائم حول كيفية التعاطي مع قضايا الجنسين”.
ونتيجة لهذه النواقص، “قد ينشأ قضاة، ورجال شرطة ومدّعون عامّون لا يلمّون تماماً بالحساسيات المحيطة ببعض أشكال انتهاكات حقوق المرأة أو حتى إمكانية إحالتها إلى العدالة”.
ـ صعوبة التماس العدالة
وتسجّل الدراسة أن الطابع المركزي لنظام العدالة يحدّ من قدرة المرأة على التماس العدالة، فالمحاكم تتركز عادة في عواصم الدول أو في المدن الكبرى، ويكون على المرأة في الريف اجتياز مسافات طويلة للوصول إليها، وهو أمر قد لا تجيزه الأعراف الاجتماعية في أحيان كثيرة كما قد يعقّده واقع أن المرأة غير متمكّنة اقتصادياً ولا تمتلك أجرة الطريق.
ـ نقص المساندة القانونية
وتسجّل الدراسة أن المعلومات القانونية (الحقوق والواجبات)، وتلك المتعلقة بالإجراءات القانونية غالباً ما تكون معقّدة ويصعب الوصول إليها.
ـ العوائق الاجتماعية
يترك الخوف من ردود الفعل الانتقامية أو النبذ من المجتمع أثراً مدمراً على حق المرأة العربية في التماس العدالة.
ـ مدة الإجراءات القضائية
قد تستغرق تسوية القضايا المرتبطة بالمسائل العائلية فترة خمس سنوات لإنجازها. وفي حالات كهذه، يعيق طول الوقت الذي تتطلّبه الإجراءات القانونية حق المرأة في التماس العدالة وقد يعرّضها للمزيد من الاستغلال خلال الفترة التي يجري فيها النظر في القضية، بحسب الدراسة.
ما الحلّ؟
أمام هذا الواقع التمييزي بحق المرأة، تقترح الدراسة اعتماد المقاربة الحديثة المبنيّة على نهج كلّي يعتمد عدّة استراتيجيات.
فأولاً، ينبغي توفير الحماية القانونية للمرأة وتعديل القوانين التي لا تزال تميّز بين الجنسين؛
وثانياً، ينبغي تبنّي استراتيجيات تمكين قانوني تُخرج مبدأ المساواة من “طيّ النصوص القانونية” وتجعله واقعاً، وهذا يتطلّب التوعية القانونية وتأمين خدمات المساندة القانونية؛
وثالثاً، ينبغي القيام بإصلاحات قضائية من منطلق المساواة بين الجنسين ما يستوجب تحقيق المساواة في التمثيل في التعيينات القضائية، وإقامة المحاكم المختصة، ونشر الوعي القانوني بقضايا الجنسين؛
ورابعاً، تغيير أساليب إنفاذ القانون إذ “غالباً ما تقع المرأة التي تتعرّض للعنف والتمييز ضحية سلوك المسؤولين عن إنفاذ القانون”، بحسب الدراسة.
*الصورة: متظاهرات أمام البرلمان اللبناني/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659