لقد صمدت ثمانية سنوات لكي أكمل حياتي مع من أحببت/Shutterstock
لقد صمدت ثمانية سنوات لكي أكمل حياتي مع من أحببت/Shutterstock

بقلم إلسي مِلكونيان:

ثوب زفاف مزيّن بالدانتيل والتطريزات الناعمة، ارتدته الشابة السورية رندة في حفل زفافها الذي أقيم منذ شهرين بحضور أصدقائها وقلة قليلة من أفراد عائلتها المتواجدين في دولة  الإمارات العربية المتحدة.

ولم يكن عريس رندة أقلّ بهاء، فقد تعرّف المدعوون إلى حفل الزفاف الذي أقيم في صالة أنيقة للحفلات، بالشاب الوسيم دون أن يتمكنوا من مصافحته، لأنّه حضر زفافه عبر تطبيق سكايب!

وتقول رندة عبر الهاتف في حديث لموقع (إرفع صوتك) “في البداية لم أشعر أنّ هناك غرابة في الموضوع. فقد كان زفافي كأيّ حفل عرس طبيعي. صور وقالب حلوى وهدايا وفستان. ولكنني استفقت على الواقع الذي أعايشه بعد مغادرة المدعوين. فقد انتهى اليوم مع نهاية المكالمة مع زوجي عبر السكايب، ثم إطفاء الأنوار والخلود إلى النوم… وحيدة!”.

حق الحصول على التأشيرات

وتعرّفت رندة على زوجها في عام 2008 خلال حفل زفاف لإحدى صديقاتها وكان كلاهما آنذاك يدرسان في جامعة في سورية. تطوّرت علاقتهما بعدئذ وعزما على الارتباط.

ولكن الأوضاع الأمنية والمعيشية التي تدهورت في سورية منذ 2011 غيرت الخطة. فقد اضطرت هي للسفر إلى الإمارات بمساعدة شقيقتها المقيمة هناك واضطر هو إلى اللجوء في جمهورية التشيك في 2012، قبل أن تربطهما خطوبة.

تقول رندة “بعد عامين وحين صمّمنا على الزواج. اتصل والداه، اللذان سافرا إلى مصر، بأهلي لطلب يدي وهكذا كانت خطوبتنا”.

ثم قاما بتوكيل محامي في سورية ليثبّت زواجهما لدى المحكمة الشرعية في سورية فحصلاً بذلك على وثيقة زواج في بداية 2015 لتقديمها للسلطات التشيكية التي تمنح زوجة اللاجئ حق “لم الشمل”. أي أن تلتحق بزوجها بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي إن ثبت أن بلد المنشأ يعاني من حروب وكوارث تجعل استمرارية حياة الزوجين هناك غير ممكنة.

وبعد ذلك الوقت بدأت الأمور بالتعثر، فلا يمكن لرندة الذهاب إلى التشيك لأنها بانتظار التأشيرة الملائمة لوضعها ولا يمكن لعريسها القدوم إلى الإمارات لصعوبة الحصول على التأشيرة. فبعد أن علقت الإمارات أعمال سفارتها في دمشق عقب اندلاع الأزمة السورية في 2011، بات السوريون يواجهون صعوبات بالغة في الحصول على تأشيرة الدخول، وازداد الأمر صعوبة مع الوقت.

حق التمتع بعادات العرس التقليدي

كما فرضت الحرب السورية على مواطنيها ضغوطاً اقتصادية وأمنية، فلم يعد بوسع الناس اتباع تقاليد العرس السوري كالذي أقامته ياسمين، أخت رندة، منذ 10 سنوات في دمشق.

وتشرح ياسمين لموقع (إرفع صوتك) الحقوق المالية التي يمنحها الزواج للعروس. فإن كانت تنتمي للطبقة المتوسطة فهي تحصل من زوجها على ما يقارب 20 ألف دولار أميركي بين مقدم ومؤخر و4,000 لحفلة العرس (على اعتبار الدولار الأميركي مساوياً لـ51 ليرة سورية في 2006)، أما إن كان العروسان ينتميان لطبقة ثرية، فالتكاليف ترتفع أكثر بكثير.

تقول ياسمين، أخت رندة، في مداخلة لموقع (إرفع صوتك) “الغاية من هذه العادات أن يثبت العريس قدرته على تحمل أعباء الحياة الزوجية بمفرده. فأولويات مسؤوليات الزوجة هي منزلها وأطفالها وليس إعالة العائلة، إلا إن رغبت بذلك”.

أما الآن عندما أصبح الدولار الأميركي الواحد يساوي أكثر من 500 ليرة سورية، أصبح حق تمتع العروس بالعادات والهدايا النقدية حلماً. أضف إلى ذلك أمور النزوح التي فرقت أفراد العائلة الواحدة عن بعضها والتأشيرات في حالة السفر.

ماذا عن المستقبل؟

لرندة صديقات عدة، تزوجن بهذه الطريقة أيضأ، وهن بانتظار أن تقبل السلطات الأوروبية طلبات لجوء أزواجهن للحصول على حق “لم الشمل”.

ولكن البعض ما زال متمسكاً بالأمل. تقول رندة “لقد صمدت ثمانية سنوات لكي أكمل حياتي مع من أحببت وأنا واثقة أن حياتنا في جمهورية التشيك ستكون جيدة. مع الأسف لا أرى أن العودة إلى بلدي أمر ممكن، حتى بعد نهاية الحرب، لأن سورية تحتاج إلى وقت طويل للتخلص من أفكار ومظاهر العنف. وأنا أريد لأطفالي في المستقبل أن ينعموا بحياة أفضل”.

وتضيف “استطعت منذ شهر واحد أن أتقدم بطلب التأشيرة التشيكية، وأنا بانتظار أن أتزوج فعلاًعندما تمنحني السلطات التأشيرة المنشودة”.

*الصورة: لقد صمدت ثمانية سنوات لكي أكمل حياتي مع من أحببت/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".