بقلم حسن عبّاس:
لا تساوي القوانين في معظم الدول العربية بين الرجل والمرأة في ما خص العقوبات المفروضة بسبب ممارسة الجنس، إذ تتيح للرجل ما تحرّمه على المرأة.
بعض الدول اتخذت خطوات للحد من اللامساواة ولكن في أمور كثيرة تبقى آثار التمييز التاريخي بين الرجل والمرأة حاضرة في القوانين. فما هو الوضع في لبنان؟
جرائم الشرف
كغيره في معظم الدول العربية، كان القانون اللبناني ينصّ على تمتّع مرتكب جريمة الشرف بأعذار تخفيفية.
فقد كانت المادة 562 من قانون العقوبات تنص على أنه "يستفيد من العذر المخفف مَن فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه بغير عمد".
واستمر واقع الحال هذا حتى آب 2011 حين ألغى مجلس النواب المادة المذكورة. ثم حدث تعديل جديد مع القانون 293 الصادر عام 2014 والذي شدّد العقوبة على الجاني. إذ صارت عقوبة القتل العمد لأحد الزوجين من 20 إلى 25 سنة فيما هي من 15 إلى 20 سنة في الحالات الأخرى.
عقوبات الزنا
كان التمييز بين عقوبات الزنا فاقعاً في قانون العقوبات اللبناني، بحسب مواده 487 و488 و489. فقد كانت هذه المواد تتضمّن التمييزات التالية:
ـ تعاقب الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين فيما يعاقب الزاني بالحبس من شهر إلى سنة إلا إذا كان متزوجاً.
ـ تعاقَب المرأة أينما وقع فعل الزنا بينما لا يُعاقَب الرجل إلا إذا زنا في منزل الزوجية.
واستمر واقع الحال هكذا حتى عام 2014 وصدور قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري (القانون رقم 293) الذي عدّل المواد الثلاث المذكورة بشكل يساوي بين الرجل والمرأة في العقوبات التي صارت:
ـ من ثلاثة أشهر إلى سنتين للمتزوج أو المتزوجة أينما كان مكان الزنا.
ـ من شهر إلى سنة لغير المتزوج (أو غير المتزوجة) الذي يزني مع شخص متزوّج.
وعن تعديل هذه المواد، شرحت المسؤولة الإعلامية في جمعية "كفى" اللبنانية مايا عمّار أن تعديل القانون الذي جرى هو "المكتسب الأقصى الذي يمكن تحصيله في الظرف الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه البلاد حالياً"، خاصةً في ظل "منطق النواب الذين لا يزالون بمعظمهم يتمسّكون بعقليّة محافظة"، بحسب تعبيرها.
وشرحت لموقع (إرفع صوتك) أن النواب قبلوا بتغيير بعض الأمور وتنقية قانون العقوبات من بعض المواد التمييزية، "فرأوا في قانون العنف الأسري فرصةً لتمرير تغييرات طفيفة، كترضية، استجابةً لضغط الحملات الحقوقية والنسوية، واللجان الدولية أيضاً".
ناشطون كثيرون كانوا يفضّلون أن يُلغى تجريم "الزنا" بالكامل من قانون العقوبات اللبنانية كون هذا الأمر يقع، برأيهم، ضمن نطاق الحريات الشخصية. ولكن لم يكن بالإمكان أفضل مما كان.
الاغتصاب الزوجي
لم يكن الاغتصاب الزوجي، أي ممارسة الزوج للجنس مع زوجته بدون رضاها، مجرّماً في القانون اللبناني. وكان مطلب تجريمه أحد أبرز مطالب الحركات الحقوقية والنسوية.
ولكن النواب، لم يستجيبوا لهذا المطلب. وكان الحلّ نوعاً من تسوية أُخرجت في القانون 293، وبموجبها صار يعاقب الزوج الذي يقدِمَ، "بقصد استيفائه الحقوق الزوجية في الجماع، أو بسببه"، على ضرب زوجته أو إيذائها أو على تهديدها.
وقالت عمّار أنه، أثناء نقاش القانون 293، "حاولت منظمة (كفى) أن تدفع النواب نحو تجريم الاغتصاب الزوجي صراحةً لكن ذلك لم يتحقق بالشكل المطلوب بسبب العقلية الذكوية لبعض النواب الذين ناقشوا المسودّة بخلفيتهم الدينية وبتأثير رؤساء الطوائف الإسلامية تحديداً عليهم".
ظلم للمغتَصَبة
ولكن مقابل هذه التعديلات، هنالك مادتان مجحفتان بحق الفتاة التي تتعرّض للاغتصاب. فالمادة 503 من قانون العقوبات تنص على أن المغتصِب يعاقَب بالأشغال الشاقة لمدّة خمس سنوات على الأقل.
ولكن المادة 522 الظالمة للنساء تنص على أن إذا عُقد زواج صحيح بين مرتكب المغتصب والمغتصَبة تتوقف الملاحقة وإذا كان قد صدر الحكم بالقضية يُعلَّق تنفيذها.
ويرى المدافعون عن حقوق الإنسان أن المادة الأخيرة تشجع أي شخص على اغتصاب أي فتاة ثم دفع أهلها إلى تزويجه بها للملمة "الفضيحة".
مسار طويل
يبقى أن مسار إلغاء التمييز بين الجنسين في لبنان لا يزال في منتصفه. فعلى سبيل المثال، لا يحق للمرأة إعطاء جنسيتها لزوجها وأولادها بعكس الرجل.
أما الأزمة الكبرى، فسببها هو التمييز الموجود في قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي "وإن اختلفت بمضامينها، تتفق جميعها على اعتبار المرأة كائناً ثانوياً تابعاً للرجل في العائلة"، بحسب عمّار.
وتعترف عمّار بأن تغيير قوانين الأحوال الشخصية أو المسّ بها صعب، لكنها تضيف "دائماً نسلّط الضوء على الأمر، وقد كثّفنا في الأعوام القليلة الماضية حملاتنا في هذا الإطار لكي نفضح هذه القوانين والكثير من الممارسات المجحفة والتمييزية في المحاكم الدينية".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659