تبيح دول عربية ضرب الزوجات "وفق ضوابط شرعية وقانونية" بدعوى "تأديبهن"
تبيح دول عربية ضرب الزوجات "وفق ضوابط شرعية وقانونية" بدعوى "تأديبهن"

"يحق للرجل تأديب زوجته على المعاصي، التي لا حد لها، مثل تبذيرها للمال أو مقابلتها لغير المحارم"، عبارة يتضمنها مؤلف دراسي يحمل اسم "النظام الجنائي السعودي" يتم تدريسه لطلاب الحقوق في جامعة الملك عبد العزيز، حسب جريدة عكاظ السعودية.

"ضرب" أو "تأديب الزوجة" في الدول العربية ظاهرة قائمة، تستمد جذورها في كثير من الأحيان من الدين والتفسير المتوارث لآية "واضربوهن".

جواز قانوني

تبيح دول عربية الاعتداء على الزوجات بالضرب "وفق ضوابط شرعية وقانونية" بدعوى "تأديبهن". وأحيانا لا يعاقب القانون على ضرب الزوجة، إلا إذا أفضى الضرب إحداث ضرر بالغ. وفي المقابل، تمنع دول عربية أخرى ضرب الزوجات نهائيا.

في العراق، يحق للزوج "تأديب زوجته" وفق المادة 41 من قانون العقوبات رقم 111.

​​تقول تلك المادة: "يعتبر استعمالا للحق تأديب الزوج لزوجته... في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا".

الإمارات بدورها كانت حتى سنة 2016 تبيح ضرب الزوج للزوجة بنية "التأديب". نص على ذلك في قانون العقوبات الاتحادي (صادر سنة 1987) الذي يقول "لا جريمة إذا وقع الفعل بنية سليمة استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون، وفي نطاق هذا الحق. ويعتبر استعمالا للحق تأديب الزوج لزوجته" (المادة 53).

لم تشر بعض التشريعات العربية إلى جواز ضرب الزوجة، بل تركت الباب مفتوحا للرجوع إلى الشريعة الإسلامية، باعتبارها مصدر التشريع.

في مصر، أشار القانون المصري إلى جواز تأديب المرأة بشكل ضمني، حيث تنص المادة 60 من قانون العقوبات على ما يلي: "لا تسري أحكام هذا القانون على من ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة"، وهو ما تطالب المنظمات الحقوقية بإعادة النظر فيه.

نساء مع الضرب

أرقام صادمة كشفت عنها دراسة حديثة حول تقبل تعنيف الزوجة من طرف الزوج في المغرب. 38 في المئة من الرجال و20 في المئة من النساء يعتقدون أن "الزوجة يجب أن تضرب أحيانا".

تقول الدراسة، التي أعدتها منظمة الأمم المتحدة بشراكة مع الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي، إن 46 بالمائة من المغربيات يتقبلن العنف الممارس عليهن حفاظا على تماسك الأسرة ووحدتها. وأقر نصف من شملتهم الدراسة بأن المساواة بين الجنسين لا تشكل جزءا من تقاليد وثقافة المغرب.

دراسة أخرى أجرتها الأمم المتحدة في أربع دول عربية العام الماضي حول الرجال والمساواة بين الجنسين في العالم العربي كشفت أن أزيد من 32 في المئة من نساء مصر يؤيدن ضرب الزوج لزوجته، وعبرت 36 في المئة من النساء الفلسطينيات عن تأييدهن لذلك مقابل 5 في المئة من اللبنانيات.

"ثقافة الخوف مستشرية بقوة في المجتمعات العربية. أحيانا لا تقوم الزوجة بالتبليغ عن ضربها من طرف الزوج حفاظا على استمرار العلاقة الزوجية، وخوفا من حدوث طلاق، ناهيك عن اعتبارها فعل الضرب أمرا مشروعا" تقول الناشطة الحقوقية المغربية بشرى عبده.

الضرب جريمة

يبقى لبنان وتونس والمغرب أبرز الدول التي شرعت قوانين تجرم كل أفعال العنف الممارس ضد المرأة، وحددت لذلك عقوبات ثقيلة وغرامات مالية.

في موريتانيا، التي صادقت على قانون يجرم العنف ضد المرأة والطفل (قانون الأحوال الشخصية) قبل سنتين، شن معارضون سلفيون هجوما على هذا القانون الأول من نوعه في البلاد.

 شيخ سلفي يدعى محمد الأمين بن الشيخ اعتبر إقرار البرلمان الموريتاني للقانون إرضاء للغرب ومخالفا للشريعة، لأنه ينص على تجريم ضرب النساء وهو وارد في الشريعة الإسلامية.

وينفي عبد الوهاب بوطيب، وهو فقيه وباحث في الدراسات الإسلامية، أن يكون ضرب المرأة من صميم الدين.

يقول "لم يجز الإسلام تعنيف الزوجة أو ضربها بالمفهوم المتعارف عليه اليوم بالتعنيف، بل حرص على الاهتمام بالمرأة وصون كرامتها. والقوانين العربية المستمدة من الشريعة لم تجز ذلك صراحة، بل هناك من أدخل فعل الضرب في إطار الأفعال التي تستحق العقاب".

ويرجع الفقيه المغربي استمرار ضرب النساء في العالم العربي إلى "الاعتقادات والفهم الخاطئ للنص الديني خصوصا آيات "الضرب" و"القوامة" هو ما يجعل المرأة معرضة للضرب تحت ذريعة شرعية".

"العنف ضد المرأة ليس قرآنيا ولا سنيا"، ذاك ما خلصت إليه دراسة حول "جرد مفاهيم وأحكام العنف في القرآن والسنة" قامت بها رابطة علماء المغرب.

تقول الراسة إن "بعض الأحكام الفقهية التي تطرقت لموضوع العنف ضد المرأة بعيدة عن روح الإسلام المستمدة من النصوص القرآنية والسيرة النبوية، حيث تقودها أهواء ذاتية وتطغى عليها النزعة الذكورية المائلة إلى تغليب مصالح الرجال على مصالح النساء".

 

 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".