سيدة عراقية تزور قبر تارا فارس التي قتلت هذا العام في العراق/وكالة الصحافة الفرنسية
سيدة عراقية تزور قبر تارا فارس التي قتلت هذا العام في العراق/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد - دعاء يوسف:

في ليلة وداع العام 2017 واستقبال عام 2018، تعرّضت فتيات ونساء عراقيات لحادثة تحرش جماعي خلال احتفال برأس السنة في مجمّع المنصور، بثّ على بعض القنوات المحلية.

كانت هذه فاتحة العام الجديد للنساء العراقيات.

لم تتوقف الحادثة عند هذا، بل عمد الشباب الحاضرون إلى تصوير بعض لقطات التحرش ونشرها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، التي امتلأت بالتعليقات الغاضبة، متّهمة المحتفلات بسلوكياتهن الأخلاقية التي عززت التحرش الجنسي بهنّ.

عبارة (إكسر عينها)

وعن تفاصيل تلك الحادثة، تقول الناشطة المدنية نجلاء صادق، "لقد أدركنا كناشطات معنيات بحقوق المرأة في وقت لاحق أن هذه الحادثة لم تكن إلا بداية لعام من الانتهاكات والمضايقات المتتالية".

وتضيف أن اللوم الذي تم توجيهه للمحتفلات والضجة التي تم افتعالها آنذاك "إشارة واضحة لرفض تواجدهن أو مشاركتهن في الأماكن العامة".

وتتذكر الناشطة عبارة (إكسر عينها) والتي دوماً ما يستخدمها البعض تجاه النساء اللواتي يتمتعن بفسحة من الحرية والثقة بالنفس والاعتماد على الذات. وتقول "صرت أسمع هذه العبارة بكثرة في الأعوام الأخيرة، وأرى كيف يبررها المجتمع ويشجع عليها".

المرشحات في الانتخابات

 قبل انقضاء شهرين على حادثة التحرش الجماعي بالمولات، تجدّدت انتهاكات حرية المرأة لكن على المرشحات في الانتخابات البرلمانية وحملاتهن الدعائية هذه المرة.

وكانت أغلبية الانتهاكات تتمثل بالإساءة لصور المرشحات وأشكالهن، بدءا من إتلاف صورهن وتمزيقها، وصولاً إلى اتهامات أخلاقية مخلة بالشرف.

تقول المستشارة القانونية تغريد عادل "حتى محاولات الأجهزة الأمنية في الحد من هذه الاعتداءات كانت ضعيفة بسبب ضعف السلطة القانونية".

وتضيف أن الاتهامات المخلة بالشرف والسمعة هي الأكثر شيوعاً في المجتمع العراقي، وتحديداً ضد النساء، فعادة ما توجه هذه الاتهامات لإضاعة فرصة زواج أو عمل أو امتيازات معنية لهذه المرأة أو لتلك الفتاة.   

وتشير إلى أن سكوت النساء وخوفهن من العار الذي سيجلب لهن القتل على خلفية ما يسمى بـ(شرف العشيرة)، أداة لتزايد ظاهرة الاتهامات المخلة بالشرف في المجتمع.

وقد تعرضت المرشحة للانتخابات البرلمانية عن ائتلاف النصر الدكتورة انتظار أحمد جاسم، لفضيحة، بعد نشر فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي.  

وفي غضون أيام قليلة، تم فصلها من الائتلاف وانسحابها من الانتخابات، بالإضافة إلى عزلها من التدريس من ملاك كلية الإدارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية.

وترى تغريد أن المرشحين على لوائح منافسة، وخاصة في مرحلة الانتخابات، يرون من وجود المرشحات النساء فرصة ذهبية لإسقاط أو خسارة هذا الحزب أو ذاك الائتلاف، لأن طبيعة المجتمع عشائرية محافظة تساند وتدعم إبعاد النساء "بوصفهن غير مؤهلات وقد يجلبن العار لعشائرهن". 

خطورة التحرر

ولم تتوقف الانتهاكات الموجهة نحو المرشحات بالانتخابات أو الفائزات عن هذا الحد، بل راح البعض يرصد توجهاتهن المدنية أو الدينية وما يرتدين من أزياء قد يراها البعض مثيرة وفاضحة، بينما كان الآخر منشغلا بإطلاق مختلف التسميات والعبارات على حياتهن الشخصية مثل: (الرفيقات الشيوعيات محجبات).

وترى الأكاديمية الدكتورة هناء عيسى، وهي متخصصة بالعلوم السياسية، أن النساء الناشطات في المجتمع والفاعلات ضمن تخصصاتهن المهنية، قد توهمن بقدرتهن على مواجهة القوى السياسية والدينية والقبلية، التي ينظر لوجودهن أحيانا، مشاريع استهداف مثالية.

وتقول إن عمليات استهداف النساء زادت عام ٢٠١٨ أكثر من أي وقت مضى، "بل هو من الأعوام القاسية السيئة تجاه حرية المرأة وحقوقها الديمقراطية".

وتضيف "عند التفكير في تزايد عمليات الاستهداف، يمكن القول إنّ الرؤى التي بدأت تطرحها المرأة وتوجهاتها نحو مجتمع متحضر ومتحرر، تكشف خطورة تحررها وتصاعد وتيرة العنف الموجه ضدها".

قتل النساء

أثارت جرائم قتل النساء في الأشهر الأخيرة في البلاد سخط الكثير من العراقيات، حيث كان القتل أسبوعياً، واستهدف (خبيرات التجميل رفيف الياسري، ورشا الحسن وعارضة الأزياء تارا فارس والناشطة الحقوقية النسوية سعاد العلي).

وترى المحامية أحلام كاظم أن استهداف النساء في العراق يرتبط بشكل كبير بالشرف والعفة من دون اعتبارات يحاسب عليها القانون.

وعلى الرغم من اختلاف طرق القتل وتوجهات الضحايا، إلا أن الأسباب كانت تتمحور في نظرة المجتمع السلبية تجاههن والتشدد الديني.

وهو ما تستهجنه أحلام، وتقول "في الأشهر القليلة الماضية تزايدت جرائم قتل النساء وتهديدهن بشكل علني وأمام سلطة القانون، بل إن القانون كان يقف عاجزاً أمامها".

وتشير إلى أن الكثيرة من الأمور السياسية والدينية والعشائرية تداخلت في الحد من تنفيذ القانون، وخاصة مع الكثير من عمليات قتل لم يتم الإعلان عنها، لكونها تتعلق بشخصيات غير مشهورة من النساء. "لقد بدأت معدلات العنف ضد النساء في البلاد بالتزايد بشكل مثير للقلق".

وكان هناك حراك نسوي ضد قتل النساء في العراق، وتزايدت الحملات ضد العنف الموجه لهن، مثل حملة "كفى" وحملة "صوتها يقرر" وحملة "خليك سندها"، لكنّ هذه الحملات والمطالبات لا تستمر طويلاً بعد استهداف أو تهديد المشاركات والقائمات عليها.  

 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

محاكمة قاتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة
محاكمة قاتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة

عادت من جديد إلى الواجهة جرائم قتل النساء في مصر بسبب انفصالهن أو رفضهن الارتباط بأحد الأشخاص، حيث لقيت موظفة بجامعة القاهرة مصرعها برصاص شخص طلب الزواج بها ورفضت، قبل أن تطارده القوات الأمنية وينتحر بنفس سلاح جريمته.

يأتي ذلك في وقت باشرت فيه النيابة العامة المصرية، التحقيق مع سائق متهم بقتل خطيبته السابق بالرصاص، بعد رفضها العودة إليه مجددا. ويواجه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وحيازة سلاح ناري دون ترخيص.

ويعيد ذلك إلى الأذهان جرائم سابقة بنفس الدافع، أبرزها جريمة القتل التي وقعت في 20 يونيو من العام الماضي، عندما كانت الضحية، نيرة أشرف، متوجهة للخضوع لامتحان في جامعة المنصورة.

وقبل دخولها إلى الحرم الجامعي، اعترض طريقها زميلها الذي استلّ سكينه ليذبحها أمام الجميع، في واقعة هزت الرأي العام في مصر والعالم العربي.

ولفتت حقوقيات مصريات إلى أن جريمة موظفة جامعة القاهرة "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة"، إذ اعتبرن أن هناك "أسبابا مجتمعية وقانونية ربما تفتح الباب أمام مثل هذه الجرائم"، وأشرن إلى "الإشادة" التي تلقاها قاتل أشرف من بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بعد الحكم عليه بالإعدام.

القتل جزاء الرفض

تبلغ الموظفة ضحية جريمة القتل بجامعة القاهرة، 29 عاما، وتعمل أخصائية رياضية بكلية الآثار، وكان المتهم، البالغ من العمر 30 عاما، زميلها بالعمل قبل سنوات، وتقدم للزواج منها عدة مرات، لكنها كانت ترفضه في كل مرة.

وأظهرت التحقيقات أن المتهم، الذي كان يعمل أخصائيا في رعاية الشباب، كان قد أضرم النيران في سيارة المجني عليها منذ 5 سنوات، ثم تم نقله إلى كلية الزراعة، لكنه استمر في إرسال رسائل تهديدية لها، ولذلك تم الحكم عليه وعزله من الجامعة بسبب سوء السلوك، بحسب صحيفة "الأهرام" المصرية الرسمية.

وقالت شيماء طنطاوي، وهي عضو مؤسس بمؤسسة "براح آمن" لمناهضة العنف الأسري الواقع على النساء في مصر، إن جرائم القتل من هذا النوع "لم تتوقف، بل إن حدتها تزيد يوما بعد آخر، والموضوع لم يعد حالة فردية وإنما نمط متكرر".

وأضافت في تصريحات للحرة، أن تكرار مثل هذه الجرائم "يعود سببه جزئيًا لعدم الردع فيما يخص العدالة العقابية".

أما المحامية الحقوقية ورئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، فأوضحت أن ما يحدث هو "تكرار لمسلسل القتل باسم الحب، وللأسف الشابات لن تكن آخر الضحايا".

وأشارت في حديثها للحرة، إلى أن "تكرار مثل هذه الجرائم يعود إلى التربية، التي تعتمد على الاستحقاق الذكوري، مما يجعل من يتم رفضه يقرر ارتكاب جريمة القتل، حتى لو عرف أنه سيتم إعدامه".

وتابعت: "جرائم القتل والعنف ضد النساء تهدد الأمن والسلم المجتمعي، وهي جرائم تدق ناقوس الخطر".

وهذه الجرائم تتكرر في مصر، فهناك العديد من الفتيات اللواتي قتلن في الأعوام الأخيرة بسبب انفصالهن عن أشخاص أو رفض الدخول في علاقة معهم، ومن بينهن قضايا أثارت الرأي العام في مصر، مثل نيرة أشرف في المنصورة، وخلود درويش في بورسعيد، وسلمى بهجت في الزقازيق.

ثقافة الإبلاغ

ونجت فتيات أخريات، مثل فاطمة العربي، التي تقدمت ببلاغ للشرطة ثم كتبت منشورا على حسابها على إنستغرام في أبريل الماضي، بشأن اعتداء شاب عليها بسلاح أبيض، وتوجيهه طعنات لها بسبب رفض والدها خطبتها له.

وبالفعل أصدرت النيابة العامة في مصر أمرا بالقبض على المتهم، فيما صار منشور الشابة حديث مواقع التواصل الاجتماعي.

وطالما دعا المجلس القومي للمرأة النساء والفتيات بضرورة الإبلاغ عن مثل هذه الحالات، وتطالب السعيد من جانبها بضرورة "الإبلاغ عن التهديدات والعنف"، موضحة أن مؤسستها تتلقى العديد من البلاغات.

واستطردت: "لكن أجد الكثير من الفتيات لا يمتلكن ثقافة الإبلاغ، وبعضهن يخشين على السُمعة أو لا يعتبرن التهديدات خطيرة، ثم تحدث الجريمة ونندم بعدما يكون الأوان قد فات".

وطالبت بضرورة وجود "قانون لحماية الشهود والمبلغين، من أجل تشجيع الفتيات على الإبلاغ عن التهديدات التي تصلهن قبل وقوع الجريمة".

ونوهت في هذا الصدد، إلى أن" بعض الأهالي مع الأسف يخشون التبليغ حرصا على السمعة، وكأن البنت هي من ارتكبت جريمة، وهذا في الحقيقة تشجيع على تنفيذ التهديدات بالقتل".

وسائل التواصل الاجتماعي.. "دور سلبي"

حينما صدر حكم الإعدام بحق قاتل الطالبة أشرف وتم تنفيذه بوقت سابق هذا العام، انتشر "تعاطف" مع مرتكب الجريمة، والكثير من المنشورات السلبية بحق الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووصل الأمر إلى خروج داعية ديني مصري، بدا أنه "يبرر للجريمة"، حينما قال خلال برنامج تلفزيوني: "عاوزة تحافظي على نفسك إلبسي قفة وإنتي خارجة"، وهو ما واجهه تحرك عاجل من المجلس القومي للمرأة في مصر.

*القومي للمرأة يتقدم ببلاغ للنائب العام ويستنكر مانشره الدكتور مبروك عطيةعلى صفحته الرسمية. طالع المجلس القومي للمرأة،...

Posted by ‎المجلس القومي للمرأة‎ on Wednesday, June 22, 2022

وتقدم المجلس حينها ببلاغ ضد الداعية مبروك عطية، الذي تراجع فيما بعد عن تصريحاته. وجاء في بيان المجلس القومي للمرأة حينها، أن كلماته "لا تخرج من رجل دين، وما قيل تحقير للمرأة وتحريض على العنف والقتل".

وكانت مؤسسة الأزهر، قد أدانت بشدة مثل هذه الجرائم، وأصدرت بيانًا في السابق، قالت فيه إن "لا مبرر لجريمة قتل النّفس مُطلقًا"، وأضاف البيان المنشور على مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: "تبرير الجرائم جريمة كُبرى كذلك".

ولم يتسن للحرة الحصول على تعليق من رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، مايا مرسي، حتى نشر التقرير.

وكانت مرسي قد صرحت في حوار تلفزيوني إبان أزمة مقتل أشرف، بأن "السوشيال ميديا تسببت في جريمة أخطر من جريمة القتل نفسها، ألا وهي تبرير القتل".

من جانبها، أكدت طنطاوي أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا سلبيا بعد مقتل نيرة أشرف، وقالت "جعلوا من قتلها بطلا وتناقشوا في مبررات ارتكابه للقتل وكأنه فعل عادي".

ودعت القائمين على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام إلى "مواجهة المنشورات التي تشجع على الجرائم والقتل ضد النساء".

هل من حلول؟

وفي هذا الشأن، قالت السعيد: "نحتاج لأن تكون طرق التربية والمناهج والخطاب الديني السائد في المساجد والكنائس مختلفة، وتشجع على نبذ العنف ضد النساء واحترام فكرة المساواة بين الجنسين".

وأوضحت طنطاوي: "نحن بحاجة إلى تعديل قانون العقوبات، وتحديد أن النساء تتعرض للقتل لأنهن نساء، وهذا قتل مبني على النوع الاجتماعي، ويجب التعامل معه بجدية أكبر".

كما طالبت بضرورة أن "تتعامل الجهات الرسمية مع شكاوى التعرض للعنف والتهديد والابتزاز بجدية أكبر"، مضيفة: "لأنهم يتركوننا حتى أن نموت في النهاية".

وزادت السعيد بالقول: "هناك حاجة لتمرير قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء، وإنشاء مفوضية لمناهضة كافة أشكال التمييز".