العنف الأسري
قوانين الحد من العنف المنزلي لا تزال هشة/Shutterstock

احتمال أن تقتل المرأة في بيتها أكبر من احتمال أن تقتل في أي مكان آخر.

في العام الماضي، قتلت حوالي 87 ألف سيدة في مختلف مناطق العالم بسبب عنف أزواجهن أو أحد أفراد عائلتهن.

في المعدل، تقتل 137 امرأة يوميا بسبب العنف المنزلي. وفق ما يقوله بحث حديث نشره مكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات.

وجاء في البحث أن ست سيدات يقتلن كل ساعة على يد زوج أو قريب لهن.

عربيا، لا يختلف الوضع كثيرا.

الأرقام والحقائق حول المعنّفات صادمة، خاصة في ظل الثغرات في القوانين والعقوبات.

 

العراق ومصر أولا

تتعرض نسبة كبيرة من النساء للعنف بأشكاله المختلفة في العراق.

دراسة أخيرة لوزارة التخطيط أفادت أن 36 في المئة على الأقل من النساء المتزوجات أبلغن بالتعرض لشكل من أشكال الأذى النفسي من الأزواج، و23 في المئة لإساءات لفظية، و6 في المئة للعنف البدني، و9 في المئة للعنف الجنسي، كما ينقل تقرير لمنظمة هيومن رايتس واتش. 

في مصر، وثقت دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أخيرة أن 92 في المئة من الجرائم الأسرية تندرج تحت ما يسمى بجرائم الشرف.

ويقف الأزواج وراء أغلب جرائم الشرف: 7 من كل 10 في الواقع. يليهم الأشقاء (2 من كل 10 جرائم)، ثم الأباء (7 في المئة)، والأبناء (3 في المئة).

وفي الأردن، يشير المسح الأخير الذي أجرته منظمة الأمم المتحدة للمرأة أن حوالي 24 في المئة من النساء الأردنيات تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل شريك يعشن معه.

أما في تونس، فأفاد المسح الأخير الذي أجراه "الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري" أن نصف نساء تونس تقريبا (47%) تعرضن لعنف أسري في حياتهن.

وأشار المسح الوطني الأخير في المغرب أيضا أن 6 نساء من كل 10 واجهن عنفا جسديا، أو نفسيا، أو جنسيا، أو اقتصاديا.

حملات وقوانين

سنت دول عربية في السنوات الأخيرة قوانين لمواجهة العنف ضد المرأة. حدث ذلك في تونس والمغرب والأردن مثلا.

 

 

في المغرب وضعت السلطات في بداية هذا العام قانونا لتجريم العنف ضد المرأة، في بلد تعنّف فيه 7 من كل 10 نساء.

نص القانون على محاربة التحرش الجنسي أيضا، بما ذلك التحرش عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

​​وفي تونس، صادق البرلمان في أواخر تموز/ يوليو 2017 على قانون مكافحة العنف ضد المرأة.

لكن دولا عربية أخرى ما تزال تبيح الاعتداء على الزوجات بالضرب بدعوى "تأديبهن".

في العراق، يحق للزوج "تأديب زوجته" وفق المادة 41 من قانون العقوبات.

وحسب هذه المادة: "يُعتبر استعمالا للحق تأديبُ الزوج لزوجته... في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا".

​​

​​

وفي الإمارات، كان "تأديب المرأة" عملا مباحا حتى سنة 2016.

وفي الكثير من الدول العربية والإسلامية، تتخذ الإحالة إلى الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع ذريعة للتطبيع مع العنف المنزلي وعدم تجريمه قانونا.

في مصر مثلا، يشير القانون المصري إلى جواز تأديب المرأة بشكل ضمني، حيث تنص المادة 60 من قانون العقوبات على ما يلي: "لا تسري أحكام هذا القانون على من ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة"، وهو ما تطالب المنظمات الحقوقية بإعادة النظر فيه.

والملفت أن تعنيف الزوجات يلقى أحيانا قبولا مجتعميا، بل من النساء أنفسهن. 38 في المئة من الرجال في المغرب و20 في المئة من النساء يعتقدون أن "الزوجة يجب أن تضرب أحيانا".

وفي مصر أيضا، تؤيد 32 في المئة من النساء ضرب الزوج لزوجته.

أما في فلسطين، فعبّرت 36 في المئة من النساء عن تأييدهن لذلك مقابل 5 في المئة من اللبنانيات، كما تقول دراسة أجرتها الأمم المتحدة سنة 2017.

 

 

 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

محاكمة قاتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة
محاكمة قاتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة

عادت من جديد إلى الواجهة جرائم قتل النساء في مصر بسبب انفصالهن أو رفضهن الارتباط بأحد الأشخاص، حيث لقيت موظفة بجامعة القاهرة مصرعها برصاص شخص طلب الزواج بها ورفضت، قبل أن تطارده القوات الأمنية وينتحر بنفس سلاح جريمته.

يأتي ذلك في وقت باشرت فيه النيابة العامة المصرية، التحقيق مع سائق متهم بقتل خطيبته السابق بالرصاص، بعد رفضها العودة إليه مجددا. ويواجه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وحيازة سلاح ناري دون ترخيص.

ويعيد ذلك إلى الأذهان جرائم سابقة بنفس الدافع، أبرزها جريمة القتل التي وقعت في 20 يونيو من العام الماضي، عندما كانت الضحية، نيرة أشرف، متوجهة للخضوع لامتحان في جامعة المنصورة.

وقبل دخولها إلى الحرم الجامعي، اعترض طريقها زميلها الذي استلّ سكينه ليذبحها أمام الجميع، في واقعة هزت الرأي العام في مصر والعالم العربي.

ولفتت حقوقيات مصريات إلى أن جريمة موظفة جامعة القاهرة "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة"، إذ اعتبرن أن هناك "أسبابا مجتمعية وقانونية ربما تفتح الباب أمام مثل هذه الجرائم"، وأشرن إلى "الإشادة" التي تلقاها قاتل أشرف من بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بعد الحكم عليه بالإعدام.

القتل جزاء الرفض

تبلغ الموظفة ضحية جريمة القتل بجامعة القاهرة، 29 عاما، وتعمل أخصائية رياضية بكلية الآثار، وكان المتهم، البالغ من العمر 30 عاما، زميلها بالعمل قبل سنوات، وتقدم للزواج منها عدة مرات، لكنها كانت ترفضه في كل مرة.

وأظهرت التحقيقات أن المتهم، الذي كان يعمل أخصائيا في رعاية الشباب، كان قد أضرم النيران في سيارة المجني عليها منذ 5 سنوات، ثم تم نقله إلى كلية الزراعة، لكنه استمر في إرسال رسائل تهديدية لها، ولذلك تم الحكم عليه وعزله من الجامعة بسبب سوء السلوك، بحسب صحيفة "الأهرام" المصرية الرسمية.

وقالت شيماء طنطاوي، وهي عضو مؤسس بمؤسسة "براح آمن" لمناهضة العنف الأسري الواقع على النساء في مصر، إن جرائم القتل من هذا النوع "لم تتوقف، بل إن حدتها تزيد يوما بعد آخر، والموضوع لم يعد حالة فردية وإنما نمط متكرر".

وأضافت في تصريحات للحرة، أن تكرار مثل هذه الجرائم "يعود سببه جزئيًا لعدم الردع فيما يخص العدالة العقابية".

أما المحامية الحقوقية ورئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، فأوضحت أن ما يحدث هو "تكرار لمسلسل القتل باسم الحب، وللأسف الشابات لن تكن آخر الضحايا".

وأشارت في حديثها للحرة، إلى أن "تكرار مثل هذه الجرائم يعود إلى التربية، التي تعتمد على الاستحقاق الذكوري، مما يجعل من يتم رفضه يقرر ارتكاب جريمة القتل، حتى لو عرف أنه سيتم إعدامه".

وتابعت: "جرائم القتل والعنف ضد النساء تهدد الأمن والسلم المجتمعي، وهي جرائم تدق ناقوس الخطر".

وهذه الجرائم تتكرر في مصر، فهناك العديد من الفتيات اللواتي قتلن في الأعوام الأخيرة بسبب انفصالهن عن أشخاص أو رفض الدخول في علاقة معهم، ومن بينهن قضايا أثارت الرأي العام في مصر، مثل نيرة أشرف في المنصورة، وخلود درويش في بورسعيد، وسلمى بهجت في الزقازيق.

ثقافة الإبلاغ

ونجت فتيات أخريات، مثل فاطمة العربي، التي تقدمت ببلاغ للشرطة ثم كتبت منشورا على حسابها على إنستغرام في أبريل الماضي، بشأن اعتداء شاب عليها بسلاح أبيض، وتوجيهه طعنات لها بسبب رفض والدها خطبتها له.

وبالفعل أصدرت النيابة العامة في مصر أمرا بالقبض على المتهم، فيما صار منشور الشابة حديث مواقع التواصل الاجتماعي.

وطالما دعا المجلس القومي للمرأة النساء والفتيات بضرورة الإبلاغ عن مثل هذه الحالات، وتطالب السعيد من جانبها بضرورة "الإبلاغ عن التهديدات والعنف"، موضحة أن مؤسستها تتلقى العديد من البلاغات.

واستطردت: "لكن أجد الكثير من الفتيات لا يمتلكن ثقافة الإبلاغ، وبعضهن يخشين على السُمعة أو لا يعتبرن التهديدات خطيرة، ثم تحدث الجريمة ونندم بعدما يكون الأوان قد فات".

وطالبت بضرورة وجود "قانون لحماية الشهود والمبلغين، من أجل تشجيع الفتيات على الإبلاغ عن التهديدات التي تصلهن قبل وقوع الجريمة".

ونوهت في هذا الصدد، إلى أن" بعض الأهالي مع الأسف يخشون التبليغ حرصا على السمعة، وكأن البنت هي من ارتكبت جريمة، وهذا في الحقيقة تشجيع على تنفيذ التهديدات بالقتل".

وسائل التواصل الاجتماعي.. "دور سلبي"

حينما صدر حكم الإعدام بحق قاتل الطالبة أشرف وتم تنفيذه بوقت سابق هذا العام، انتشر "تعاطف" مع مرتكب الجريمة، والكثير من المنشورات السلبية بحق الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووصل الأمر إلى خروج داعية ديني مصري، بدا أنه "يبرر للجريمة"، حينما قال خلال برنامج تلفزيوني: "عاوزة تحافظي على نفسك إلبسي قفة وإنتي خارجة"، وهو ما واجهه تحرك عاجل من المجلس القومي للمرأة في مصر.

*القومي للمرأة يتقدم ببلاغ للنائب العام ويستنكر مانشره الدكتور مبروك عطيةعلى صفحته الرسمية. طالع المجلس القومي للمرأة،...

Posted by ‎المجلس القومي للمرأة‎ on Wednesday, June 22, 2022

وتقدم المجلس حينها ببلاغ ضد الداعية مبروك عطية، الذي تراجع فيما بعد عن تصريحاته. وجاء في بيان المجلس القومي للمرأة حينها، أن كلماته "لا تخرج من رجل دين، وما قيل تحقير للمرأة وتحريض على العنف والقتل".

وكانت مؤسسة الأزهر، قد أدانت بشدة مثل هذه الجرائم، وأصدرت بيانًا في السابق، قالت فيه إن "لا مبرر لجريمة قتل النّفس مُطلقًا"، وأضاف البيان المنشور على مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: "تبرير الجرائم جريمة كُبرى كذلك".

ولم يتسن للحرة الحصول على تعليق من رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، مايا مرسي، حتى نشر التقرير.

وكانت مرسي قد صرحت في حوار تلفزيوني إبان أزمة مقتل أشرف، بأن "السوشيال ميديا تسببت في جريمة أخطر من جريمة القتل نفسها، ألا وهي تبرير القتل".

من جانبها، أكدت طنطاوي أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا سلبيا بعد مقتل نيرة أشرف، وقالت "جعلوا من قتلها بطلا وتناقشوا في مبررات ارتكابه للقتل وكأنه فعل عادي".

ودعت القائمين على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام إلى "مواجهة المنشورات التي تشجع على الجرائم والقتل ضد النساء".

هل من حلول؟

وفي هذا الشأن، قالت السعيد: "نحتاج لأن تكون طرق التربية والمناهج والخطاب الديني السائد في المساجد والكنائس مختلفة، وتشجع على نبذ العنف ضد النساء واحترام فكرة المساواة بين الجنسين".

وأوضحت طنطاوي: "نحن بحاجة إلى تعديل قانون العقوبات، وتحديد أن النساء تتعرض للقتل لأنهن نساء، وهذا قتل مبني على النوع الاجتماعي، ويجب التعامل معه بجدية أكبر".

كما طالبت بضرورة أن "تتعامل الجهات الرسمية مع شكاوى التعرض للعنف والتهديد والابتزاز بجدية أكبر"، مضيفة: "لأنهم يتركوننا حتى أن نموت في النهاية".

وزادت السعيد بالقول: "هناك حاجة لتمرير قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء، وإنشاء مفوضية لمناهضة كافة أشكال التمييز".