صورة تعبيرية- المصدر: Shutterstock
صورة تعبيرية- المصدر: Shutterstock

يتعرّض الرجل أو المرأة للابتزاز الإلكتروني، عبر التهديد بنشر صور أو فيديوهات خاصّة قد تكون جنسيّة، والمال أو تنفيذ خدمات معينة هو مقابل عدم النشر.

وتحيط بالضحيّة مخاوف كبيرة من الفضيحة وتشويه السّمعة والقتل في بعض المجتمعات، خصوصاً للنساء.

لكن لماذا هذا التأثير القوي للفضيحة، رغم أن الفيديوهات حتى لو كانت حقيقية، تعبّر عن حياة شخصية للأفراد، وهم في معادلة الابتزاز، الضحية لا الجُناة؟!

"الضرر موجود"

في كتابه "البناء الاجتماعي: أنساقه ونظمه"، يقول عالم الاجتماع العراقي معن خليل عمر إن الفضيحة إحدى آليّات الضبط الاجتماعي المستخدمة في المجتمعات التقليدية والريفية والحديثة والصناعية على حد سواء، وقد تأخذ الجانب الرسمي أو العرفي لكي تجبر الأشخاص على الالتزام بالمعايير والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع أو تخضع الأشخاص للالتزام بفقرات القانون الراعي في البلد.

وهدف الفضيحة "عزل الشخص تماماً وإيذاؤه ومحاولة إبعاده عن المجتمع بحيث يكون عبرة لغيره"، وفق د.عمر

من جهته، يقول د. هاني عوّاد، وهو مدير تحرير مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، إن مفاهيم "الشرف والعفّة والطهارة موجودة في مختلف أنحاء العالم، لكن بدرجات متفاوتة، حيث البناء البطرياركي والهيمنة الذكورية في المجتمعات على اختلافها". 

والفضائح الجنسية تسهم في تكسّر المعنى بالنسبة للمجتمع، في حين يُفترض بالأفراد إعادة إنتاج المعنى لا هدمه.

ويقول عوّاد لـ (ارفع صوتك)، إن الفرد يخسر في هذه المعادلة، فمقابل إعادة إنتاج المعنى يعطيك المجتمع الحماية والمساعدة وقت الحاجة ولا يتخلّى عنك في أزماتك، بينما عقاب المجتمع إزاء ما يعتبره خروجاً عن النمط هو الإقصاء.

النمَط: هو مجموعة السلوكات والممارسات التي تحدد هويّة مجتمع ما

​​​​

لماذا التداول السريع؟

وفق إحصائيات وتوقعات جهات رسمية في دول عربية عدة، وحسب دراسات مؤسسات أهلية ناشطة في مجال الابتزاز الإلكتروني، فإن ما يصلها أو يصل لوحدات الجرائم الإلكترونية أقل بكثير مما يحصل في الواقع. 

وإذا كانت قضايا مشابهة حصلت بشكل غير ملحوظ قبل ثورة مواقع التواصل، فإنها شهدت ازدياداً معها.

ويتعامل الملايين حول العالم بشكل يومي مع هذه المواقع والتطبيقات الاجتماعية، ما يجعلهم عُرضة للاختراق الإلكتروني بعلم أو دون علم، من قبل أشخاص أو شبكات جريمة منظمة.

والمبتز بالضرورة يدرك التأثير الكبير للفضيحة وتبعات تشويه السّمعة، ما يجعلها نقطة قوته أمام ضحيته أو ضحاياه، رغم أنه قد يكون شخصاً ضعيفاً جداً في مجتمعه.

وعن سبب سرعة انتشار وتداول المواد الفضائحية، وهي أحد الأسباب التي تُخضع الضحية لمبتزها يقول د. هاني "إغراء النشر وإغراء المحظورات"، مضيفاً "توجد مؤسسات قائمة على إنتاج أخبار وصور فضائحية قد تتعلق بالقيم والأخلاق والفساد والانتحار".

ويضيف عوّاد لـ(ارفع صوتك): "لكن القليل يطفو على السطح، فطبيعة مجتمعاتنا العربية تعتبر انتشار هذه الأمور مضرّة بالمجتمع ويتم تناولها باعتبارها استثناءات لا أنماطاً، بالتالي يجب ألا نخوض فيها كثيراً".

وما تخافه الضحية قد يحدث فعلاً، إذ يوضح عوّاد "الضرر موجود، فالشخص الذي يتعرض لفضيحة جنسية، بين ليلة وضحاها سيخسر الكثير، يخسر علاقات اجتماعية ويخسر فرصه في التوظيف وربما يتم طرده من عمله".

"صحيح أن المرأة تدفع الثمن الأكبر في مسائل الابتزاز، لكن الرجل أيضاً يخسر، وقد تضطره الفضيحة لهجرة بلده ومجتمعه وقد يخسر عمله أو يتعرض للاعتقال كما في بعض الدول"، يقول عوّاد.

في ذات السياق، يرى الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي كمال بطرس، إن سبب سرعة تداول الفضائح الجنسية "جزء من طبيعة البشر التلصصية، وهي مرتبطة أيضاً بحاجة الناس الى إيجاد التوازن والإحساس به".

ويضيف في مقابلة مع أحد المواقع الإعلامية "نحن البشر نحبّ الفضائح لأن الحياة مملة ومزعجة، وبطبيعتنا لدينا حس إطلاق الأحكام على الغير النابع من نزعتنا السلطوية والتسلطية اللاواعية، ولا شيء يؤمن الشعور بالاكتفاء الذاتي والمعنوي أكثر من إحساسانا بالتفوّق على الغير".

ولكن ما الحل؟ كيف يمكن إبطال مفهوم الفضيحة لإفساد الابتزاز؟ 

يقول د.عوّاد، إن الذكورية والأبوية بنى اجتماعية ومبان ثقافية لا يمكن إحداث التغيير بتلك السهولة المتوقعة، هذه البنى قائمة منذ مئات آلاف السنين، مع تغيرات في بعض المجتمعات أحدثتها فاعليّة القوانين، بالتالي يلقى الجاني العقاب في النهاية، بينما في المجتمعات التي تسيطر فيها القيم القبلية على الدولة، فإن الضحية عادة هي الخاسر في الأخير.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".