يتعرّض الرجل أو المرأة للابتزاز الإلكتروني، عبر التهديد بنشر صور أو فيديوهات خاصّة قد تكون جنسيّة، والمال أو تنفيذ خدمات معينة هو مقابل عدم النشر.
وتحيط بالضحيّة مخاوف كبيرة من الفضيحة وتشويه السّمعة والقتل في بعض المجتمعات، خصوصاً للنساء.
لكن لماذا هذا التأثير القوي للفضيحة، رغم أن الفيديوهات حتى لو كانت حقيقية، تعبّر عن حياة شخصية للأفراد، وهم في معادلة الابتزاز، الضحية لا الجُناة؟!
"الضرر موجود"
في كتابه "البناء الاجتماعي: أنساقه ونظمه"، يقول عالم الاجتماع العراقي معن خليل عمر إن الفضيحة إحدى آليّات الضبط الاجتماعي المستخدمة في المجتمعات التقليدية والريفية والحديثة والصناعية على حد سواء، وقد تأخذ الجانب الرسمي أو العرفي لكي تجبر الأشخاص على الالتزام بالمعايير والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع أو تخضع الأشخاص للالتزام بفقرات القانون الراعي في البلد.
وهدف الفضيحة "عزل الشخص تماماً وإيذاؤه ومحاولة إبعاده عن المجتمع بحيث يكون عبرة لغيره"، وفق د.عمر
من جهته، يقول د. هاني عوّاد، وهو مدير تحرير مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، إن مفاهيم "الشرف والعفّة والطهارة موجودة في مختلف أنحاء العالم، لكن بدرجات متفاوتة، حيث البناء البطرياركي والهيمنة الذكورية في المجتمعات على اختلافها".
والفضائح الجنسية تسهم في تكسّر المعنى بالنسبة للمجتمع، في حين يُفترض بالأفراد إعادة إنتاج المعنى لا هدمه.
ويقول عوّاد لـ (ارفع صوتك)، إن الفرد يخسر في هذه المعادلة، فمقابل إعادة إنتاج المعنى يعطيك المجتمع الحماية والمساعدة وقت الحاجة ولا يتخلّى عنك في أزماتك، بينما عقاب المجتمع إزاء ما يعتبره خروجاً عن النمط هو الإقصاء.
لماذا التداول السريع؟
وفق إحصائيات وتوقعات جهات رسمية في دول عربية عدة، وحسب دراسات مؤسسات أهلية ناشطة في مجال الابتزاز الإلكتروني، فإن ما يصلها أو يصل لوحدات الجرائم الإلكترونية أقل بكثير مما يحصل في الواقع.
وإذا كانت قضايا مشابهة حصلت بشكل غير ملحوظ قبل ثورة مواقع التواصل، فإنها شهدت ازدياداً معها.
ويتعامل الملايين حول العالم بشكل يومي مع هذه المواقع والتطبيقات الاجتماعية، ما يجعلهم عُرضة للاختراق الإلكتروني بعلم أو دون علم، من قبل أشخاص أو شبكات جريمة منظمة.
والمبتز بالضرورة يدرك التأثير الكبير للفضيحة وتبعات تشويه السّمعة، ما يجعلها نقطة قوته أمام ضحيته أو ضحاياه، رغم أنه قد يكون شخصاً ضعيفاً جداً في مجتمعه.
وعن سبب سرعة انتشار وتداول المواد الفضائحية، وهي أحد الأسباب التي تُخضع الضحية لمبتزها يقول د. هاني "إغراء النشر وإغراء المحظورات"، مضيفاً "توجد مؤسسات قائمة على إنتاج أخبار وصور فضائحية قد تتعلق بالقيم والأخلاق والفساد والانتحار".
ويضيف عوّاد لـ(ارفع صوتك): "لكن القليل يطفو على السطح، فطبيعة مجتمعاتنا العربية تعتبر انتشار هذه الأمور مضرّة بالمجتمع ويتم تناولها باعتبارها استثناءات لا أنماطاً، بالتالي يجب ألا نخوض فيها كثيراً".
وما تخافه الضحية قد يحدث فعلاً، إذ يوضح عوّاد "الضرر موجود، فالشخص الذي يتعرض لفضيحة جنسية، بين ليلة وضحاها سيخسر الكثير، يخسر علاقات اجتماعية ويخسر فرصه في التوظيف وربما يتم طرده من عمله".
"صحيح أن المرأة تدفع الثمن الأكبر في مسائل الابتزاز، لكن الرجل أيضاً يخسر، وقد تضطره الفضيحة لهجرة بلده ومجتمعه وقد يخسر عمله أو يتعرض للاعتقال كما في بعض الدول"، يقول عوّاد.
في ذات السياق، يرى الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي كمال بطرس، إن سبب سرعة تداول الفضائح الجنسية "جزء من طبيعة البشر التلصصية، وهي مرتبطة أيضاً بحاجة الناس الى إيجاد التوازن والإحساس به".
ويضيف في مقابلة مع أحد المواقع الإعلامية "نحن البشر نحبّ الفضائح لأن الحياة مملة ومزعجة، وبطبيعتنا لدينا حس إطلاق الأحكام على الغير النابع من نزعتنا السلطوية والتسلطية اللاواعية، ولا شيء يؤمن الشعور بالاكتفاء الذاتي والمعنوي أكثر من إحساسانا بالتفوّق على الغير".
ولكن ما الحل؟ كيف يمكن إبطال مفهوم الفضيحة لإفساد الابتزاز؟
يقول د.عوّاد، إن الذكورية والأبوية بنى اجتماعية ومبان ثقافية لا يمكن إحداث التغيير بتلك السهولة المتوقعة، هذه البنى قائمة منذ مئات آلاف السنين، مع تغيرات في بعض المجتمعات أحدثتها فاعليّة القوانين، بالتالي يلقى الجاني العقاب في النهاية، بينما في المجتمعات التي تسيطر فيها القيم القبلية على الدولة، فإن الضحية عادة هي الخاسر في الأخير.