صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بغداد - دعاء يوسف:

تعرّفت حنين (وهو اسم مستعار) على شاب يكبرها بأربع سنوات، كان يعمل قريباً من مدرستها في محل حلويات وسكاكر.

نشأت بينهما علاقة حب، استمرّت ثلاثة شهور، كانا يتواصلان فيها عبر الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه قام بشيء لم تتوقعه أبداً.

بدأ الشاب الذي اعتبرته حنين حبيبها، بتهديدها بنشر صور ومقاطع فيديو لها، في صفحات فيسبوك، مستخدماً أسلوب الابتزاز، فمقابل عدم النشر طلب 12 مليون دينار عراقي (10 آلاف دولار).

شعرت حنين (14 عاماً) بالخوف، وما كان من سبيل أمامها لتمنع ما يمكن أن يشكّل "عاراً وفضيحة" في مجتمعها، سوى سرقة قلادة والدتها الذهبية وبيعها، وكانت قيمتها 9 ملايين دينار عراقي (7500 دولار)، سلّمتها للشاب. 

هل انتهى الموضوع هنا؟ 

تقول الملازم في الشرطة المجتمعية قطر الندّى "لم يكتف، بل عاد لابتزازها مقابل المزيد من المال أو ممارسات جنسيّة".

وهذه إحدى القصص التي أسهمت الشرطة المجتمعية في متابعتها ووضع حد لها.

وحول ذلك تقول الملازم قطر الندّى "عانت حنين من الخوف والقلق كثيراً، لتقرر اللجوء إلى الشرطة المجتمعية من أجل مساعدتها". 

وانتهى الموضوع بشكل "ودّي" من خلال تواصل الشرطة المجتمعية مع الشاب الذي ابتزّ حنين، وتم استرجاع المبلغ الذي أخذه منها، وفق تأكيد الملازم قطر الندي. 

وأضافت "تعهدّ بعدم الاتصال بحنين أو تكرار التجربة".

دون سن الـ 18

تتلقى دائرة الشرطة المجتمعية 10 شكاوى لضحايا الابتزاز والتشهير الإلكتروني يومياً، لكن لا توجد إحصاءات دقيقة بشكل عام، إذ يمنع الخوف من الأهل والمجتمع الضحايا عن التبليغ، وفق توضيح الملازم قطر الندّى.  

وتضيف في حديثها لـ (ارفع صوتك) "يجبر الخوف الضحايا على الصّمت، خصوصاً النساء منهم، حيث تخشى الأنثى قتلها غسلاً للعار وفق بعض الأعراف والتقاليد، وإذا لم تُقتل قد تُنبَذ اجتماعياً".

وتشير أرقام دائرة الشرطة المجتمعية إلى أن غالبية الضحايا دون سن الثامنة عشرة.

تقول الملازم قطر الندى "يحرص الجاني في مجتمعنا على اختيار الفتيات الصغيرات، خاصة طالبات المدارس، لأنهن أقل معرفة، ويرغبن بالتقليد دون إدراك المخاطر والتبعات".

ومن الشكاوى الواردة للشرطة المجتمعية، كانت شكوى أب تعرّض لابتزاز من رجل عبر مواقع التواصل "فإمّا أن يقيم علاقة جنسيّة مع ابنته أو ينشر صورها بملابس غير محتشمة ارتدتها في أعرس إحدى القريبات".

ووقعت حالات مماثلة، إذ تعرّض عديد الرجال للتهديد بالتشهير بنساء من العائلة عبر نشر صور خاصّة لهن وصلوا لها بطرق متعددة، مستغلّين خوف الناس من أجل الحصول على المال.

وخصصت وزارة الداخلية، أرقام هواتف للإبلاغ عن جرائم الابتزاز الإلكتروني، فالشخص الذي يتعرض للتهديد عبر حساب مجهول أو ابتزاز من خلال صور أو محادثة، سواء كان الحساب المبتز لرجل أو امرأة، حقيقياً أو وهمياً، ما عليه إلا الاتصال بأحد الرقمين "533 أو 131" التي تربط المتصل بجهاز الأمن الوطني الاتحادي والجرائم الإلكترونية.

في مرحلة متأخرّة..

تصف الملازم قطر الندى الشخص المبتز بأنه عادة ما "ما يخاف من عدم قدرته على إنجاح مهمته أو كشف أمره، ما لا يخطر في بال الضحية، التي ترضخ لطلباته خوفاً من تنفيذ تهديده، وبالنسبة له لن يتوقف عن تهديده لأنه وجد ضحية سهلة الاستغلال".

وتقول "تلجأ ضحية الابتزاز الإلكتروني للإبلاغ، بعد تفاقم استغلالها، حين تصل لمرحلة العجز عن تنفيذ رغبات المبتز".

أما عن كيفية التعامل مع المبتزّ، فتوضح الملازم  قطر الندى، أنه وبعد الوصول إليه، يتم تحذيره بطريقة وديّة، وإلزامه بتعهّد خطيّ يمنعه الاتصال مجددا بالضحية أو تكرار فعلته، ولكن إذا لم يستجب، يتم توقيفه كمتهم ويُعرض للمحاكمة.

تضيف قطر الندى أن "غالبية المبتزّين ينصاعون لتحذيراتنا، ويتم استرجاع الأموال التي حصلوا عليها من الضحايا، وفي أحيان يحدث كل ذلك بعيداً عن علم أسرهم".

وتقول "عندما نعجز أحياناً في الوصول للمبتز، يتم تحويل المسألة للشرطة الوطنية التي تملك أجهزة  للتعقب الإلكتروني".

وتعد قضايا الابتزاز والتهديد والتشهير جنحة وفقاً لقانون العقوبات رقم (١١١) لسنة ١٩٦٩، وتتدرج العقوبة وفق هذا التوصيف بحسب المادة (٢٦) من القانون فقرة (١) بعقوبة "الحبس الشديد، أو البسيط أكثر من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات أو الغرامة".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

محاكمة قاتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة
محاكمة قاتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة

عادت من جديد إلى الواجهة جرائم قتل النساء في مصر بسبب انفصالهن أو رفضهن الارتباط بأحد الأشخاص، حيث لقيت موظفة بجامعة القاهرة مصرعها برصاص شخص طلب الزواج بها ورفضت، قبل أن تطارده القوات الأمنية وينتحر بنفس سلاح جريمته.

يأتي ذلك في وقت باشرت فيه النيابة العامة المصرية، التحقيق مع سائق متهم بقتل خطيبته السابق بالرصاص، بعد رفضها العودة إليه مجددا. ويواجه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وحيازة سلاح ناري دون ترخيص.

ويعيد ذلك إلى الأذهان جرائم سابقة بنفس الدافع، أبرزها جريمة القتل التي وقعت في 20 يونيو من العام الماضي، عندما كانت الضحية، نيرة أشرف، متوجهة للخضوع لامتحان في جامعة المنصورة.

وقبل دخولها إلى الحرم الجامعي، اعترض طريقها زميلها الذي استلّ سكينه ليذبحها أمام الجميع، في واقعة هزت الرأي العام في مصر والعالم العربي.

ولفتت حقوقيات مصريات إلى أن جريمة موظفة جامعة القاهرة "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة"، إذ اعتبرن أن هناك "أسبابا مجتمعية وقانونية ربما تفتح الباب أمام مثل هذه الجرائم"، وأشرن إلى "الإشادة" التي تلقاها قاتل أشرف من بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بعد الحكم عليه بالإعدام.

القتل جزاء الرفض

تبلغ الموظفة ضحية جريمة القتل بجامعة القاهرة، 29 عاما، وتعمل أخصائية رياضية بكلية الآثار، وكان المتهم، البالغ من العمر 30 عاما، زميلها بالعمل قبل سنوات، وتقدم للزواج منها عدة مرات، لكنها كانت ترفضه في كل مرة.

وأظهرت التحقيقات أن المتهم، الذي كان يعمل أخصائيا في رعاية الشباب، كان قد أضرم النيران في سيارة المجني عليها منذ 5 سنوات، ثم تم نقله إلى كلية الزراعة، لكنه استمر في إرسال رسائل تهديدية لها، ولذلك تم الحكم عليه وعزله من الجامعة بسبب سوء السلوك، بحسب صحيفة "الأهرام" المصرية الرسمية.

وقالت شيماء طنطاوي، وهي عضو مؤسس بمؤسسة "براح آمن" لمناهضة العنف الأسري الواقع على النساء في مصر، إن جرائم القتل من هذا النوع "لم تتوقف، بل إن حدتها تزيد يوما بعد آخر، والموضوع لم يعد حالة فردية وإنما نمط متكرر".

وأضافت في تصريحات للحرة، أن تكرار مثل هذه الجرائم "يعود سببه جزئيًا لعدم الردع فيما يخص العدالة العقابية".

أما المحامية الحقوقية ورئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، فأوضحت أن ما يحدث هو "تكرار لمسلسل القتل باسم الحب، وللأسف الشابات لن تكن آخر الضحايا".

وأشارت في حديثها للحرة، إلى أن "تكرار مثل هذه الجرائم يعود إلى التربية، التي تعتمد على الاستحقاق الذكوري، مما يجعل من يتم رفضه يقرر ارتكاب جريمة القتل، حتى لو عرف أنه سيتم إعدامه".

وتابعت: "جرائم القتل والعنف ضد النساء تهدد الأمن والسلم المجتمعي، وهي جرائم تدق ناقوس الخطر".

وهذه الجرائم تتكرر في مصر، فهناك العديد من الفتيات اللواتي قتلن في الأعوام الأخيرة بسبب انفصالهن عن أشخاص أو رفض الدخول في علاقة معهم، ومن بينهن قضايا أثارت الرأي العام في مصر، مثل نيرة أشرف في المنصورة، وخلود درويش في بورسعيد، وسلمى بهجت في الزقازيق.

ثقافة الإبلاغ

ونجت فتيات أخريات، مثل فاطمة العربي، التي تقدمت ببلاغ للشرطة ثم كتبت منشورا على حسابها على إنستغرام في أبريل الماضي، بشأن اعتداء شاب عليها بسلاح أبيض، وتوجيهه طعنات لها بسبب رفض والدها خطبتها له.

وبالفعل أصدرت النيابة العامة في مصر أمرا بالقبض على المتهم، فيما صار منشور الشابة حديث مواقع التواصل الاجتماعي.

وطالما دعا المجلس القومي للمرأة النساء والفتيات بضرورة الإبلاغ عن مثل هذه الحالات، وتطالب السعيد من جانبها بضرورة "الإبلاغ عن التهديدات والعنف"، موضحة أن مؤسستها تتلقى العديد من البلاغات.

واستطردت: "لكن أجد الكثير من الفتيات لا يمتلكن ثقافة الإبلاغ، وبعضهن يخشين على السُمعة أو لا يعتبرن التهديدات خطيرة، ثم تحدث الجريمة ونندم بعدما يكون الأوان قد فات".

وطالبت بضرورة وجود "قانون لحماية الشهود والمبلغين، من أجل تشجيع الفتيات على الإبلاغ عن التهديدات التي تصلهن قبل وقوع الجريمة".

ونوهت في هذا الصدد، إلى أن" بعض الأهالي مع الأسف يخشون التبليغ حرصا على السمعة، وكأن البنت هي من ارتكبت جريمة، وهذا في الحقيقة تشجيع على تنفيذ التهديدات بالقتل".

وسائل التواصل الاجتماعي.. "دور سلبي"

حينما صدر حكم الإعدام بحق قاتل الطالبة أشرف وتم تنفيذه بوقت سابق هذا العام، انتشر "تعاطف" مع مرتكب الجريمة، والكثير من المنشورات السلبية بحق الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووصل الأمر إلى خروج داعية ديني مصري، بدا أنه "يبرر للجريمة"، حينما قال خلال برنامج تلفزيوني: "عاوزة تحافظي على نفسك إلبسي قفة وإنتي خارجة"، وهو ما واجهه تحرك عاجل من المجلس القومي للمرأة في مصر.

*القومي للمرأة يتقدم ببلاغ للنائب العام ويستنكر مانشره الدكتور مبروك عطيةعلى صفحته الرسمية. طالع المجلس القومي للمرأة،...

Posted by ‎المجلس القومي للمرأة‎ on Wednesday, June 22, 2022

وتقدم المجلس حينها ببلاغ ضد الداعية مبروك عطية، الذي تراجع فيما بعد عن تصريحاته. وجاء في بيان المجلس القومي للمرأة حينها، أن كلماته "لا تخرج من رجل دين، وما قيل تحقير للمرأة وتحريض على العنف والقتل".

وكانت مؤسسة الأزهر، قد أدانت بشدة مثل هذه الجرائم، وأصدرت بيانًا في السابق، قالت فيه إن "لا مبرر لجريمة قتل النّفس مُطلقًا"، وأضاف البيان المنشور على مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: "تبرير الجرائم جريمة كُبرى كذلك".

ولم يتسن للحرة الحصول على تعليق من رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، مايا مرسي، حتى نشر التقرير.

وكانت مرسي قد صرحت في حوار تلفزيوني إبان أزمة مقتل أشرف، بأن "السوشيال ميديا تسببت في جريمة أخطر من جريمة القتل نفسها، ألا وهي تبرير القتل".

من جانبها، أكدت طنطاوي أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا سلبيا بعد مقتل نيرة أشرف، وقالت "جعلوا من قتلها بطلا وتناقشوا في مبررات ارتكابه للقتل وكأنه فعل عادي".

ودعت القائمين على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام إلى "مواجهة المنشورات التي تشجع على الجرائم والقتل ضد النساء".

هل من حلول؟

وفي هذا الشأن، قالت السعيد: "نحتاج لأن تكون طرق التربية والمناهج والخطاب الديني السائد في المساجد والكنائس مختلفة، وتشجع على نبذ العنف ضد النساء واحترام فكرة المساواة بين الجنسين".

وأوضحت طنطاوي: "نحن بحاجة إلى تعديل قانون العقوبات، وتحديد أن النساء تتعرض للقتل لأنهن نساء، وهذا قتل مبني على النوع الاجتماعي، ويجب التعامل معه بجدية أكبر".

كما طالبت بضرورة أن "تتعامل الجهات الرسمية مع شكاوى التعرض للعنف والتهديد والابتزاز بجدية أكبر"، مضيفة: "لأنهم يتركوننا حتى أن نموت في النهاية".

وزادت السعيد بالقول: "هناك حاجة لتمرير قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء، وإنشاء مفوضية لمناهضة كافة أشكال التمييز".