استغل حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لتحريم تولي المرأة لرئاسة الدولة
استغل حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لتحريم تولي المرأة لرئاسة الدولة

"القرون الثلاثة الأولى" هي أفضل القرون في اعتقاد المسلمين. وهي المشهود لها
"بالخيرية".

"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، كما ورد في الحديث.

فكرة السلفية نفسها تقوم على فهم القرآن والسنة بفهم "سلف الأمة"، وهم بالضبط أصحاب القرون الثلاثة الأولى.

ورغم الاختلاف حول معنى القرون هنا، هل تعنى الـ300 سنة الأولى أم الفترات الثلاثة التي عاش فيها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، إلا أنه لا يوجد أحد تقريبا يشكك بأفضلية هذه القرون.

وأخذا بالرأي الأشهر، يمكن القول إن هذه القرون تصادف الـ130 سنة الأولى في التاريخ الإسلامي. فمع نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية كان آخر تابعي التابعين قد توفوا.

في هذه القرون الثلاثة، بدأ تخلق المذاهب والأفكار، وظهرت المحاولات الأولى لتدوين الحديث، وبدأ تأسيس العلوم الفقهية، وتفسير القرآن وكتابة السيرة النبوية.

هذه العلوم ستصل قمة ازدهارها مع الجيل اللاحق (خلال العصر العباسي) الذي تميز بظهور أمهات الكتب في الحديث (الصحاح، الموطآت، المسانيد).

لكن كتب التراث الإسلامي التي ظهرت خلال هذه الفترة مليئة بعشرات الأحاديث والروايات المنسوبة للنبي محمد حول المرأة، بعضها ينتقص منها أو يشببها بالشيطان أو حتى يساويها بالبعير.

وعلى مدار عقود طويلة، ذهب كتاب ومفكرون وأكاديميون إلى أن ما تعانيه المرأة اليوم يعود جزء منه إلى الوضعية الهامشية التي وضعتها فيها كتب التراث الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى.

من بين الأحاديث المثيرة للجدل مثلا حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". استغل هذا الحديث وغيره لتحريم تولي المرأة لرئاسة الدولة أو الحكومة أو حتى توليها القضاء.

في إحدى فتاواه، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز، المفتي العام السابق للمملكة العربية السعودية (توفي سنة 1999)، بأن تولي المرأة للقضاء لا يجوز. “بإجماع جمهور أهل العلم لا يجوز.. وإنما تولى ما يناسبها مثل إدارة مدرسة تدريس طب وما أشبه ذلك، أما القضاء فلا يتولاه إلا الرجال".

واستدل على ذلك بحديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، ووصفه قائلا "هذا حديث عظيم رواه البخاري وغيره".

وبنى العلماء والمفسرون على أية "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان" (البقرة 282) أحكاما شرعية للانتقاص من مكانة المرأة واعتبارها نصف إنسان أو إنسانا غير كامل الأهلية، بما يتناقض مع آيات أخرى ساوت بين المرأة والرجل.

وباستثناء جهود زوجات النبي وبعض تلميذاتهن، تظهر المرأة بشكل محتشم بين الرواة في أهم كتب الحديث، كما غلب على مجتمع الفقهاء الأوائل الذكورية والقبلية. ونادرا ما تردد اسم المرأة كفقيهة.

أكذوبة كبرى

يسرد حمود العودي، وهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، وقائع عدة مميزة للمرأة في مرحلة صدر الإسلام "تكشف الكثير من الشبهات التي أرادوا (الفقهاء الأوائل) أن يطرحوها، وأثرت على مرحلة ما بعد صدر الإسلام، وما زالت المرأة تعاني منها حتى اليوم".

ويضرب العودي على ذلك مثالين: الأول موقف وثبات مجموعة من النساء على رأسهن نسيبة بنت كعب إلى جانب النبي محمد في غزوة أحد، بينما فر غالبية الرجال، والثاني قبول النساء بصلح الحديبية مقابل رفض الرجال.

يقول العودي، لموقع (ارفع صوتك)، "هذه وغيرها من الوقائع تدحض كل ما يقال عن النساء بأنهن ناقصات عقل ودين وميراث، التي كان لها تخريجات كثيرة وهي أكذوبة كبرى أساءت إلى الدين وإلى المرأة".

معركة الجمل

وقالت مية الرحبي، وهي ناشطة سياسية ونسوية سورية، إن الإسلام كان دينا متقدما فيما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة في التكليف والثواب والعقاب، "لكنه حافظ على منظومة القوامة القائمة على أن السيادة لمن أنفق والطاعة لمن ينفق عليه".

وذكرت الرحبي، في كتابها "الإسلام والمرأة"، العديد من القضايا النسوية وتناول الفقهاء لها بشكل سلبي، مستغلين النصوص الدينية تبعا للعقلية الذكورية، لتستخدم على طول التاريخ الإسلامي، منها ممارسة جميع أشكال العنف الجسدي ضد المرأة من قبل زوجها.

وقالت إن خروج السيدة عائشة بعد وفاة النبي محمد في معركة الجمل (36 ه) ولقاءها العديد من الرجال الذين استفتوها في أمور الدين، وأخذوا عنها الحديث، يعارض  ما تعرضت له المرأة من إقصاء لاحقا، بدءا بإطلاق أحكام حجب جميع النساء المسلمات عن الأعين، وقرارهن في المنازل.

وفسرت مية الرحبي خروج عائشة في تلك المعركة بأنه يعني "حكم الحجب والقرار في البيت حكما وقتيا بالنسبة لنساء النبي محمد، وقد زال بوفاته وزوال الظرف الخاص به".

الأكاديمية السورية رأت ضرورة تغيير القوانين والأعراف المنظمة لحياة النساء بما يتناسب مع العصر الحديث، معتبرة أن كتب الفقه التي توقف اجتهادها قبل 10 قرون، "كرست التمييز ضد المرأة، وما زالت تحكم حيواتنا حتى اليوم".

متاع

سامح إسماعيل، وهو باحث مصري في فلسفة التاريخ والأديان المقارن، يوضح أن "الفقه الماضوي" انقض على المكاسب التى تحققت للمرأة في صدر الإسلام، واغلق النص على مكتسبات بعينها، "صارت المرأة متاعا ووعاء لشهوة الرجل".

وأشار إسماعيل لموقع (ارفع صوتك) إلى أن هذا الإرث التمييزي الثقيل الذي تحملته المرأة المسلمة مازال قائما في الواقع العربي بشتى الصور.

"رغم مشاركتها للرجل في سوق العمل وتفوقها عليه إلا أنه ينظر إليها بتلك النظرة الدونية، وتعاني التمييز في العمل والراتب، ولا تحصل على كثير من حقوقها"، يقول الباحث المصري.

 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

محاكمة قاتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة
محاكمة قاتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعة المنصورة

عادت من جديد إلى الواجهة جرائم قتل النساء في مصر بسبب انفصالهن أو رفضهن الارتباط بأحد الأشخاص، حيث لقيت موظفة بجامعة القاهرة مصرعها برصاص شخص طلب الزواج بها ورفضت، قبل أن تطارده القوات الأمنية وينتحر بنفس سلاح جريمته.

يأتي ذلك في وقت باشرت فيه النيابة العامة المصرية، التحقيق مع سائق متهم بقتل خطيبته السابق بالرصاص، بعد رفضها العودة إليه مجددا. ويواجه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وحيازة سلاح ناري دون ترخيص.

ويعيد ذلك إلى الأذهان جرائم سابقة بنفس الدافع، أبرزها جريمة القتل التي وقعت في 20 يونيو من العام الماضي، عندما كانت الضحية، نيرة أشرف، متوجهة للخضوع لامتحان في جامعة المنصورة.

وقبل دخولها إلى الحرم الجامعي، اعترض طريقها زميلها الذي استلّ سكينه ليذبحها أمام الجميع، في واقعة هزت الرأي العام في مصر والعالم العربي.

ولفتت حقوقيات مصريات إلى أن جريمة موظفة جامعة القاهرة "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة"، إذ اعتبرن أن هناك "أسبابا مجتمعية وقانونية ربما تفتح الباب أمام مثل هذه الجرائم"، وأشرن إلى "الإشادة" التي تلقاها قاتل أشرف من بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بعد الحكم عليه بالإعدام.

القتل جزاء الرفض

تبلغ الموظفة ضحية جريمة القتل بجامعة القاهرة، 29 عاما، وتعمل أخصائية رياضية بكلية الآثار، وكان المتهم، البالغ من العمر 30 عاما، زميلها بالعمل قبل سنوات، وتقدم للزواج منها عدة مرات، لكنها كانت ترفضه في كل مرة.

وأظهرت التحقيقات أن المتهم، الذي كان يعمل أخصائيا في رعاية الشباب، كان قد أضرم النيران في سيارة المجني عليها منذ 5 سنوات، ثم تم نقله إلى كلية الزراعة، لكنه استمر في إرسال رسائل تهديدية لها، ولذلك تم الحكم عليه وعزله من الجامعة بسبب سوء السلوك، بحسب صحيفة "الأهرام" المصرية الرسمية.

وقالت شيماء طنطاوي، وهي عضو مؤسس بمؤسسة "براح آمن" لمناهضة العنف الأسري الواقع على النساء في مصر، إن جرائم القتل من هذا النوع "لم تتوقف، بل إن حدتها تزيد يوما بعد آخر، والموضوع لم يعد حالة فردية وإنما نمط متكرر".

وأضافت في تصريحات للحرة، أن تكرار مثل هذه الجرائم "يعود سببه جزئيًا لعدم الردع فيما يخص العدالة العقابية".

أما المحامية الحقوقية ورئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، فأوضحت أن ما يحدث هو "تكرار لمسلسل القتل باسم الحب، وللأسف الشابات لن تكن آخر الضحايا".

وأشارت في حديثها للحرة، إلى أن "تكرار مثل هذه الجرائم يعود إلى التربية، التي تعتمد على الاستحقاق الذكوري، مما يجعل من يتم رفضه يقرر ارتكاب جريمة القتل، حتى لو عرف أنه سيتم إعدامه".

وتابعت: "جرائم القتل والعنف ضد النساء تهدد الأمن والسلم المجتمعي، وهي جرائم تدق ناقوس الخطر".

وهذه الجرائم تتكرر في مصر، فهناك العديد من الفتيات اللواتي قتلن في الأعوام الأخيرة بسبب انفصالهن عن أشخاص أو رفض الدخول في علاقة معهم، ومن بينهن قضايا أثارت الرأي العام في مصر، مثل نيرة أشرف في المنصورة، وخلود درويش في بورسعيد، وسلمى بهجت في الزقازيق.

ثقافة الإبلاغ

ونجت فتيات أخريات، مثل فاطمة العربي، التي تقدمت ببلاغ للشرطة ثم كتبت منشورا على حسابها على إنستغرام في أبريل الماضي، بشأن اعتداء شاب عليها بسلاح أبيض، وتوجيهه طعنات لها بسبب رفض والدها خطبتها له.

وبالفعل أصدرت النيابة العامة في مصر أمرا بالقبض على المتهم، فيما صار منشور الشابة حديث مواقع التواصل الاجتماعي.

وطالما دعا المجلس القومي للمرأة النساء والفتيات بضرورة الإبلاغ عن مثل هذه الحالات، وتطالب السعيد من جانبها بضرورة "الإبلاغ عن التهديدات والعنف"، موضحة أن مؤسستها تتلقى العديد من البلاغات.

واستطردت: "لكن أجد الكثير من الفتيات لا يمتلكن ثقافة الإبلاغ، وبعضهن يخشين على السُمعة أو لا يعتبرن التهديدات خطيرة، ثم تحدث الجريمة ونندم بعدما يكون الأوان قد فات".

وطالبت بضرورة وجود "قانون لحماية الشهود والمبلغين، من أجل تشجيع الفتيات على الإبلاغ عن التهديدات التي تصلهن قبل وقوع الجريمة".

ونوهت في هذا الصدد، إلى أن" بعض الأهالي مع الأسف يخشون التبليغ حرصا على السمعة، وكأن البنت هي من ارتكبت جريمة، وهذا في الحقيقة تشجيع على تنفيذ التهديدات بالقتل".

وسائل التواصل الاجتماعي.. "دور سلبي"

حينما صدر حكم الإعدام بحق قاتل الطالبة أشرف وتم تنفيذه بوقت سابق هذا العام، انتشر "تعاطف" مع مرتكب الجريمة، والكثير من المنشورات السلبية بحق الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووصل الأمر إلى خروج داعية ديني مصري، بدا أنه "يبرر للجريمة"، حينما قال خلال برنامج تلفزيوني: "عاوزة تحافظي على نفسك إلبسي قفة وإنتي خارجة"، وهو ما واجهه تحرك عاجل من المجلس القومي للمرأة في مصر.

*القومي للمرأة يتقدم ببلاغ للنائب العام ويستنكر مانشره الدكتور مبروك عطيةعلى صفحته الرسمية. طالع المجلس القومي للمرأة،...

Posted by ‎المجلس القومي للمرأة‎ on Wednesday, June 22, 2022

وتقدم المجلس حينها ببلاغ ضد الداعية مبروك عطية، الذي تراجع فيما بعد عن تصريحاته. وجاء في بيان المجلس القومي للمرأة حينها، أن كلماته "لا تخرج من رجل دين، وما قيل تحقير للمرأة وتحريض على العنف والقتل".

وكانت مؤسسة الأزهر، قد أدانت بشدة مثل هذه الجرائم، وأصدرت بيانًا في السابق، قالت فيه إن "لا مبرر لجريمة قتل النّفس مُطلقًا"، وأضاف البيان المنشور على مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: "تبرير الجرائم جريمة كُبرى كذلك".

ولم يتسن للحرة الحصول على تعليق من رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، مايا مرسي، حتى نشر التقرير.

وكانت مرسي قد صرحت في حوار تلفزيوني إبان أزمة مقتل أشرف، بأن "السوشيال ميديا تسببت في جريمة أخطر من جريمة القتل نفسها، ألا وهي تبرير القتل".

من جانبها، أكدت طنطاوي أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا سلبيا بعد مقتل نيرة أشرف، وقالت "جعلوا من قتلها بطلا وتناقشوا في مبررات ارتكابه للقتل وكأنه فعل عادي".

ودعت القائمين على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام إلى "مواجهة المنشورات التي تشجع على الجرائم والقتل ضد النساء".

هل من حلول؟

وفي هذا الشأن، قالت السعيد: "نحتاج لأن تكون طرق التربية والمناهج والخطاب الديني السائد في المساجد والكنائس مختلفة، وتشجع على نبذ العنف ضد النساء واحترام فكرة المساواة بين الجنسين".

وأوضحت طنطاوي: "نحن بحاجة إلى تعديل قانون العقوبات، وتحديد أن النساء تتعرض للقتل لأنهن نساء، وهذا قتل مبني على النوع الاجتماعي، ويجب التعامل معه بجدية أكبر".

كما طالبت بضرورة أن "تتعامل الجهات الرسمية مع شكاوى التعرض للعنف والتهديد والابتزاز بجدية أكبر"، مضيفة: "لأنهم يتركوننا حتى أن نموت في النهاية".

وزادت السعيد بالقول: "هناك حاجة لتمرير قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء، وإنشاء مفوضية لمناهضة كافة أشكال التمييز".