صورة تعبيرية/ وكالة الصحافة الفرنسية
صورة تعبيرية/ وكالة الصحافة الفرنسية

فرضت ظروف الحرب بما خلفته من أعباء معيشية على كثير من النساء، كسر القاعدة التمييزية المتعلقة ببعض المهن والأعمال التي تراها مجتمعات عدة مرتبطة بالذكور أو لا تليق بالنساء.

وفي العراق وسوريا واليمن، تزايد إقبال النساء على العمل في المحلات التجارية والمطاعم والبناء والشوارع وقيادة سيارات الأجرة وتزيين وإصلاح السيارات وغيرها.

لكن النادلات في المطاعم اليمنية، يعملن في الأقسام العائلية فقط، وهي محكومة بقيود القوى الدينية الجديدة في صنعاء.

​​3 أخوات

في اليمن، نلتقي فائزة، وتعمل مع أختيها في التشطيب الداخلي للمنازل (يشمل الطلاء، والزخرفة، والنقوش، وتلبيس الجدران).

تقول فائزة: "تعلمنا المهنة من والدنا، وأضفنا لها لمسات وأشكالاً فنية وألواناً مختلفة أظهرت واجهات المنازل بشكل جميل وزاهٍ، وهو ما نال إعجاب الناس".

وتضيف لـ (ارفع صوتك) إنهنّ "سعيدات جدا بهذا العمل"، مردفةً  "الناس معجبون بشغلنا، لأنه متقن وممتاز، تكيفنا معه ولا نريد تركه؛ لقد أحببناه".

وتقول فائزة إن الكثير ممن شهد بداية عملهن "راهن على فشلهن، لأن المهنة شاقة وتتطلب قوة وجهداً كبيرين وهذا ما يجعلها حكراً على الرجال".

تواصل حديثها "نعمل كالرجال، نصعد السلالم الخشبية ونقوم بنقش وطلاء الجدران والديكور وخلط الإسمنت. اعتدنا هذا العمل ولا نراه اليوم شاقاً". كما استطعن الإنفاق على أسرتهن من هذا العمل

الحرب سبباً

لا تتوفر إحصاءات رسمية أو لمنظمات عن عدد النساء اللائي يشتغلن بمهن ذكورية، لكن تقديرات تشير إلى أن نسبة النساء اللواتي تحملن عبء إعالة أسرهن بسبب الحرب في اليمن تجاوزت 50% من نساء البلاد.

تقول غاده السقاف، وهي صحافية وناشطة حقوقية يمنية، إن مئات اليمنيات يمارسن مهناً ذكورية بسبب الحرب المستمرة منذ نهاية آذار/ مارس 2015.

وتضيف لـ(ارفع صوتك) أن عمل النساء يتوزع بين "المحلات التجارية بأنواعها، والمطاعم، والبسطات في الشوارع وأمام المولات الكبيرة لبيع الإكسسوارات والعطور وأدوات التجميل ونحوها".

كما يعملن في قيادة سيارات الأجرة وإن كان ذلك نادراً، وأخريات يقمن بتعليم النساء على قيادة السيارات بسياراتهن، عدا هجرة الكثير من النساء للعمل في الخارج فيما كان الأمر غير مألوف كثيراً قبل الحرب، وفق السقاف.

ويعود تزايد النساء في سوق العمل إلى فقدان المُعيل لمئات الأسر اليمنية أو لتزايد معدلات الفقر والبطالة.

اقرأ أيضاً: نساء تجاوزن ثقافة "العيب"

وترى السقاف أن غالبية النساء اللواتي انخرطن في مهن ذكورية سيواصلنها أو يطورنها إذا ما توقفت الحرب، خصوصا بعدما أظهر المجتمع انفتاحا وتقبلا لذلك.

وتؤكد حاجة النساء للدعم والتشجيع للاستمرار في أعمالهن ومشاريعهن الصغيرة وتطويرها، وتعزيز الانفتاح  الاجتماعي لكسر عقدة حظر العمل عليهن أو للحيلولة دون تعرضهن للمضايقات.

وداعاً للسلبية

وفي العراق، كانت دانية سالم (25 عاماً) أول امرأة تفتتح متجراً للورود في مدينة الموصل.

تقول دانية لـ(ارفع صوتك): "كان هدفي إعادة الحياة والحب للموصل بعد تحريرها من داعش، ثم تشجيع عمل الفتيات".

وترى  أن عمل النساء في أي مهنة شيء "ضروري بدلاً من بقائهن عاطلات عن العمل بعد التخرج". مضيفةً أن "عمل المرأة أياً كان لا ينتقص أنوثتها وواجباتها كأم وزوجة مطلقاً".

وتقول دانية "نحن في الموصل سننتقم من كل المظاهر السلبية التي جاء بها الدواعش".

وهذه أم حنين وبناتها، نجحن في كسب عشرات الزبائن من خلال مشروعهن الخاص بتزيين سيارات الأعراس والمناسبات وسط منطقة الأعظمية في بغداد.

تقول ابنتها حنين "افتتحت أمي هذا المشروع عام 2009 وساعدناها فيه وطورناه وكسبنا خبرة كبيرة. يأتينا زبائن معجبون بعملنا من مختلف أنحاء بغداد لأننا نظل نبتكر زينة مختلفة في كل مرة" (قناة الغد العراقية).

مخاوف من الاستغلال

دفعت منظمات دولية ومحلية بعشرات وربما مئات النساء في الموصل للعمل في مهن شاقة كالنجارة وطلاء وتلبيس الجدران لصعوبة الأوضاع  المعيشية.

وأثارت هذه الخطوة مخاوف ناشطين ومنظمات مدافعة عن حقوق المرأة من استغلال ظروف هؤلاء النسوة للتلاعب بشروط التعاقد وتشغيلهن ساعات أكثر وبأجور أقل في مهن لا تناسب بنيتهن الجسمانية.

وأقر قسم الحماية الاجتماعية للمرأة في محافظة نينوى بعدم وجود شمول جديد في المنح المالية لنساء الموصل منذ تحريرها من داعش، وأن المخصصات في قسم الحماية الاجتماعية لا تصل بهن إلى حد الإكتفاء (فضائية دجلة العراقية).

سوريا

دفعت الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات، المزيد من الفتيات للالتحاق بسلك الشرطة، بالإضافة إلى العمل كبائعات متجولات وعلى البسطات في الشوارع، وبيع القهوة "المرّة"، و"معلمات شوارما"، وغسل وتنظيف السيارات.

وشوهدت في شوارع العاصمة دمشق سيدات يعملن سائقات تاكسي عمومي.

ووصلت نسبة النساء العاملات في سوريا خلال السنوات الماضية إلى 60% بزيادة أكثر من 20% عمّا قبلها.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".