صورة أرشيفية
تزيد احتمالات الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى الأشخاص الذين يجلسون أكثر من 6 ساعات يومياً دون تمارين

مدّة الحجر الصحي في بعض الدول تجاوزت الشهر.

وفي مواقع التواصل الاجتماعي نرى العديد من النشطاء ينشرون صوراً أو فيديوهات يومية لأنفسهم أثناء ممارسة الرياضة، في الوقت الذي يسخر آخرون من ذواتهم، مبدين تخوّفهم من زيادة الوزن الحاصلة أو المحتملة.

لكن هل زيادة الوزن، هي أهم عامل قد يدفعك للحركة داخل بيتك، مهما كانت مساحته صغيرة؟

ماذا يحدث عند توقفنا عن الحركة؟

من المهم فهم الحركة من منظور كل شخص لنفسه، إذ يأتي البقاء داخل المنزل فترات طويلة، بعد الاعتياد على الخروج والمشي يومياً أو الذهاب إلى النادي الرياضي، أو حتى ممارسة أعمال بيتية مثل البستنة والتنظيف وغيرها.

لكن لسبب ما، قد يُضطر الفرد إلى التوقف عن مزاولة الأعمال المذكورة جميعها أو غيرها،  وهنا يبدأ الجسم ببعث رسالات الإنذار.

حسب مجلة "بزنيس إنسايدر" الأميركية، هذه هي تبعات التوقف عن ممارسة التمارين الرياضية:

1- في الأسبوع الأول: تخسر لياقتك مباشرة، وتخسر 5% من "VO2 max" وهو الحد الأقصى من الأوكسجين الذي يمكن للشخص استخدامه أثناء التمرين المكثف، مثلاً إن كنت تقوم بالركض مسافة 5 كم مدة 20 دقيقة، ستحتاج بعد أسبوع من التوقف لـ10 ثوان إضافية.

2- الأسبوع الثاني والثالث: الآن أنت خسرت 12% من الأوكسجين المذكور أعلاه. وانخفضت قوة عضلاتك وأنسجتك. الخلايا العضلية تتضاءل والدهنية تكبر. وبهذا يزداد الوقت اللازم لإتمامك الركض 5 كم  60 ثانية.

3- الأسبوع الرابع حتى السّابع: ازدياد معدّل نقص الأكسجين لـ15%، والخلايا العضلية أصبحت أصغر من قبل. وقد تشعر بنمو خلاياك الدهنية. تحتاج الآن ثلاث دقائق إضافية لإتمام الـ5كم.

4- بعد شهرين: تخسر 26% من الأوكسجين، وهنا قد تصاب بالاكتئاب بسبب عدد الدقائق الإضافية التي أصبحت بحاجتها لإتمام ركض الـ5كم.

 وحسب المقال، فإن استمرار التوقف عن ممارسة أي تمرين رياضي، قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة الدهون في الدم، والاكتئاب، وبعض أمراض القلب والأوعية الدموية والسُّمنة، بالإضافة للاكتئاب وقلّة الثقة بالنفس.

وحسب المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، يُنصح الفرد البالغ بممارسة نشاطين بدنيين أسبوعياً، لتقوية العضلات وتحسين دوران الأوكسجين عبر الدم (الركض، أو السباحة، أو ركوب الدراجات)، أما الوقت لهذه التمارين، فيُفضل ألا يقل عن 150 دقيقة أسبوعياً.

وفي العام الماضي 2019، نشرت جامعة سيدني الأسترالية، نتائج دراسة،  استغرقت تسعة أعوام لإتمامها، بعيّنة من 150 ألف شخص تزيد أعمارهم على 45 عاماً.

أفادت أن "الأشخاص غير النشيطين جسدياً إذا جلسوا لأكثر من ثماني ساعات في اليوم، كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 107%  مقارنة بمَن يمارسون نشاطاً بدنيا لمدة ساعة واحدة على الأقل يومياً وجلسوا أقل من أربع ساعات".

"وتزيد احتمالات الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى الأشخاص الذين يجلسون أكثر من 6 ساعات يومياً دون تمارين"، وفق الدراسة.

ولا يقتصر الأمر على أمراض القلب فقط، حسب الدراسة، حيث ارتبط ارتفاع مدة الجلوس بمشاكل صحية أخرى، مثل السرطان، بالإضافة لما ذكره المركز الأميركي أعلاه (السّمنة والاكتئاب)

كما أشارت الدراسة إلى أن ممارسة تمارين معتدلة (20 إلى 40) دقيقة يومياً، مثل المشي أو صعود الدرج، تقلل بشكل كبير المخاطر الصحية لدى الجالسين لفترات طويلة.

كيف نتحرك في بيوتنا محدودة المساحة؟ لا يملك الجميع مساحة كافية للمشي أو الجري داخل بيوتهم، كما لا يملك الجميع أجهزة رياضية يحافظون عبرها على معدّل حركة منتظم لأجسادهم، أو أخرى لازمة للأنشطة العضلية. 

منذ بداية الأزمة، وحتى قبلها كنّا نرى طرقاً عديدة لإجراء التمارين المنزلية دون الحاجة لكل ذلك. حان الوقت لأخذها على محمل الجد. 

 

أنواع التمارين

نور القيسي (36 عاماً) عراقية مقيمة في السويد، تنشر بعض يومياتها الرياضية من الحجر المنزلي في "فيسبوك"، حيث بدأته منذ 22 يوماً تقريباً.

تقول لـ"ارفع صوتك": "أغلب التمارين التي أمارسها داخل المنزل هي ما كنت أقوم به مع مجموعات في النادي الرياضي قبل الحجر، وإذا وجدت صعوبة في أحدها، أمنحه التركيز، وجميعها لا تحتاج أدوات (مثل سكوات وبيربي والضغط)".

 

وقبل بدء حظر التجوّل في فلسطين، كانت رغد صرصور (24 عاماً) بدأت حجرها المنزلي، لتتجاوز مدة مكوثها فيه 40 يوماً.

تقول رغد وهي أم لطفلين "في البيت أمارس تمارين الكارديو والزومبا وسكوات، وجميعها لا تتطلب وجود أدوات".

عواطف مصطفى (30 عاماً) من فلسطين أيضاً، في الحجر المنزلي منذ 18 يوماً،  استجابة لخطّة الطوارئ في الضفة الغربية،  تقول "كنت أمارس الرياضة قبل حظر التجوّل 3 أو 4 أيام في الأسبوع،  أغلبها تمارين كارديو (مثل المشي والركض) لكن الآن داخل البيت، أستعين بفيديوهات على يوتيوب لإجراء تمارين خفيفة مدة 15-30 دقيقة".

من جهتها، توقفت العراقية هالة (34 عاماً) عن الخروج من بيتها قبل أيام من إعلان حظر التجوّل في المقاطعة التي تسكنها بولاية نورث كارولينا الأميركية، الموافق 26 مارس الماضي.

تقول لـ"ارفع صوتك": "كنت أمارس المشي أو الجري سابقاً، لكنّي اليوم أستعين بتطبيق إلكتروني مجّاني اسمه (تحدّي الـ30 يوماً)، ويضم خيارات لمستويات رياضية عديدة، مصحوبة بتعليق صوتي وفيديو توضيحي، بالإضافة لعداد تقديري للتمارين مرفقاً بحساب خسارة السعرات الحرارية نتيجة القيام بها".

"بسبب طبيعة عملي أون لاين، كان عدد مرات خروجي من البيت قليلاً، لكن مع حظر التجوّل المفروض في العراق، بات الأمر مملاً، لذا قررت تعويض قلّة الحركة بالرياضة" تقول سنار حسن (25 عاماً).

وتستخدم تطبيقاً إلكترونياً لمتابعة التمارين الرياضية مع مدربها، تقول سنار لـ"ارفع صوتك": "أمارس تمارين متنوعة مثل القفز مع الحبل، والسكوات والتمارين الخاصه بالحفاظ على مرونة الجسم، وبسبب جلوسي لساعات طويلة أمام الكمبيوتر، أمارس  الرياضه لتجنب مضاعفات قلة الحركة مثل أمراض العمود الفقري".

الفلسطينية ترنيم صغيّر (31 عاماً) دخلت الحجر المنزلي في الرابع من مارس الماضي ومستمرة حتى اليوم، بشكل طوعي، علماً أن السعودية، وهي مكان إقامتها، أعلنت حظر التجوّل المشدد منذ أيام قليلة فقط.

تقول ترنيم لـ"ارفع صوتك": "دائماً أفضل المشي على أي رياضة أخرى لأنها ممتعة، وكنت سابقا أخرج للمشي بين ثلاث وأربع مرات أسبوعياً (ساعة أو ساعة ونصف)، لكنّي لم أبدأ ممارسة الرياضة المنزلية إلا بعد مرور أسبوعين من الحجر".

مشت في البيت، تقول ترنيم "في 17 مارس الماضي، بدأت المشي بمعدل 8000 خطوة يومياً، مرة واحدة أو على دفعات".

تضيف "ما حفّزني فعلياً هو أنني شعرت بتناقص طاقتي مع قلة الحركة، حيث سيطر الكسل علي، بالتالي تراكم الأعمال وزيادة التعب، خصوصا مع زيادة استهلاك الطعام بغرض التسلية".

 

الرياضة.. في حضورها وغيابها!

بسبب طبيعة عملها المكتبي، قبل الدخول في الحجر المنزلي منذ شهر تقريباً، كانت خلود الحاج أحمد من فلسطين، تقوم بتمارين بسيطة بعد نوم طفلها، لكن الأمر اختلف اليوم.

تقول خلود (33 عاماً) "أقضي النهار في اللعب مع طفلي أو الركض خلفه، وفي الليل أكون متعبة لا أستطيع ممارسة أي رياضة"

وتلاحظ أثر عدم ممارسة الرياضة بانتظام، تقول خلود "الأثر سلبي، مثل زيادة الوزن، وعُسر الهضم، وضعف النشاط العام للجسم، وفقدان الليونة".

لكن مع ممارسة الرياضة البيتية مثل الزومبا، نفسياً أشعر بتحسّن، وأرتاح بسب الشعور بالخفّة والحركة السريعة" توضح خلود لـ"ارفع صوتك".

وللرياضة التي تمارسها عواطف أثر إيجابي حسبما تقول، مضيفةً "أشعر براحة جسدية إذ خففت آلام الظهر بسبب الساعات المكتبية الطويلة التي كنت أقضيها في العمل".

وعلى المستوى النفسي، تقول عواطف "أشعر  بإلانجاز ما يجلب لي الراحة النفسية، ويزيد تقديري لذاتي من خلال منحها الوقت لممارسة رياضات تعزز الطاقة الإيجابية مثل اليوغا".

في هذا السياق، تؤكد سنار أن الرياضه "ضروره لتقليل التوتر الناتج عن الخوف جرّاء متابعة أخبار الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، بالإضافة للتخلّص من الطاقة السلبية".

وهو ما توافقها فيه ترنيم ورغد.

تقول ترنيم "الحالة المزاجية تحسنت، ونومي تحسّن، كما أن شعوري بالذنب تجاه نفسي تلاشى".

"كما أشعر بالسعادة والنشاط بعد أن كنت أحس بإرهاق شديد قبل المواظبة على التمرينات"، تضيف رغد.

وتؤكد نور على نفس الآثار، مضيفةً "وساعدتني الرياضة في التحكّم بشهيتي تجاه الأكل".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".