المرأة

التحقيقات مستمرة.. اغتصاب امرأة في كركوك يثير غضب الشارع

13 أبريل 2020

متين أمين:

ينتظر الشارع العراقي بشكل عام والكركوكي بشكل خاص نتائج التحقيقات التي تجريها اللجان التابعة لوزارة الداخلية بحادثة الاغتصاب التي تعرضت لها امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة في كركوك وسط تباين في المعلومات عن أعداد المتهمين الذين شاركوا في الاعتداء على الضحية.

وأثار انتشار مقطع فيديو في سائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي لاغتصاب امرأة من سكان ناحية التون كوبري شمال محافظة كركوك، حفيظة الاوساط الشعبية العراقية وتمخض عنه تشكيل عدد من اللجان التحقيقية التابعة لوزارة الداخلية العراقية وقيادة عمليات كركوك وقيادة شرطة المحافظة لكشف ملابسات الحادثة.

وأشار قائد عمليات كركوك الفريق الركن سعد حربية في مؤتمر صحفي عقده في كركوك السبت الى أن "الشرطة الاتحادية ألقت القبض على الجناة، والتحقيق مستمر معهم"، لافتا الى أن زوج الضحية سجل شكوى ضد الفاعل فقط.

وتابع حربية أن الجاني ذكر خلال التحقيقات أسماء أشخاص آخرين أيضا، مبينا أنه "عند توفر الشهود سيصدر قاضي التحقيق الخاص بالقضية أوامر لإلقاء القبض عليهم".

وتشير معلومات قيادة عمليات كركوك الى أن التحقيقات الاولية كشفت أن حادثة الاغتصاب وقعت قبل نحو أسبوعين لكن مقطع الفيديو انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، ومن ثم أصبحت قضية رأي عام. وهذا ما دفع بوزارة الداخلية العراقية وقيادة العمليات والشرطة في كركوك إلى تشكيل عدة لجان تحقيقية.

والضحية امرأة متزوجة تبلغ من العمر نحو٤٤ عاما من ذوي الاحتياجات الخاصة تعاني من عدة أمراض نفسية، أما الزوج عمره ٧٠ عاما هو الآخر يعاني من مرض عضال ومقعد بسبب وجود إعاقة في ساقيه، لديهما طفل واحد يبلغ من العمر نحو ٥ أعوام وموجود لدى أحد الجيران لأن الوالدين لا يستطيعان تأمين الرعاية له بسبب المرض وسوء الاوضاع المعيشية.

وكشف العميد افراسياب كامل ويس، المتحدث باسم قيادة شرطة كركوك، لموقع (ارفع صوتك) عن هوية المتهمين والمادة القانونية التي تم توقيفهما به، وأوضح "قرر قاضي التحقيق توقيفهما وفق المادة ٣٩٣ من القانون العقوبات العراقي، أحد المتهمين منتسب في شرطة كركوك وكان من عناصر الشرطة الهاربين من الخدمة خلال السنوات الماضية وأعيد مؤخرا، أما الثاني فهو عاطل عن العمل"، مؤكدا استمرار اللجان المختصة بالتحقيق في الحادثة لمعرفة كافة التفاصيل.

وتنص المادة ٣٩٣ من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩على أن يعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت كل من واقع أنثى بغير رضاها أو لاط بذكر أو أنثى بغير رضاه أو رضاها.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان الأحد أن محكمة تحقيق التون كوبري التابعة لرئاسة محكمة استئناف كركوك الاتحادية صدقت أقوال المتهمين بجريمة اغتصاب امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة قرب دارها في ناحية التون كوبري.

وأضاف البيان أن المتهم تذرع في إفادته أنه كان في حالة سكر تام أثناء قيامه بالجريمة.

وأوضحت المعلومات الخاصة بعائلة الضحية التي حصل عليها موقع (ارفع صوتك) من السكان والجهات الأمنية في التون كوبري أن الضحية وزوجها اضطرا الى الانتقال من ناحية ليلان التابعة لكركوك قبل أكثر من عام الى ناحية التون كوبري بسبب سوء الأوضاع المعيشية وعدم تمكن العائلة من دفع إيجار البيت، ووفر لهم عدد من الخيريين في التون كوبري المسكن ويعيشان على المساعدات التي يقدمها لهم أهالي التون كوبري.

بدوره أكد سجاد جمعة مدير فرع المفوضية العليا لحقوق الانسان في محافظة كركوك لموقع (ارفع صوتك) "المفوضية تتابع القضية منذ البداية وحاليا التحقيقات مستمرة مع المتهمين، وثقنا كافة المعلومات والتفاصيل عن الحادثة، ورفعنا التقرير للمفوضية في بغداد، وطالبنا الجهات المعنية بتوفير الحماية للضحية وعائلتها".

ورغم تفاقم حالتها النفسية، إلا أن الضحية وبحسب الناشطة سرود محمد فالح، مديرة مكتب جمعية الأمل العراقية فرع كركوك، مازالت متواجدة في مكان الجريمة ولم تتلق أي اهتمام صحي أو اجتماعي وليست هناك أي محاولة لمعالجتها.

وحذرت فالح من ارتفاع حالات العنف ضد المرأة في كركوك بسبب عدم إيلاء الجهات المختصة الاهتمام بقضايا العنف ضد المرأة والظروف الصعبة التي مرت بها كركوك خلال السنوات الماضية من الحرب ضد داعش والوضع الاقتصادي الصعب والمشكلات السياسية التي انعكست على الواقع الاجتماعي وزادت من معدل العنف.

 وأردفت فالح لموقع (ارفع صوتك) بالقول: "قضية هذه المرأة ليست الوحيدة في كركوك بل هناك العديد من الضحايا المشابهة للضحية، من النساء اللاتي تتعرضن للاغتصاب والعنف يوميا، هناك العشرات من النساء اللاتي يلتزمن الصمت عما تعرضن له من اعتداءات خوفا على أطفالهن وعلى أسرهن والخوف من كلام الناس والخوف من التعرض للقتل والمعوقات التي تواجهها عند ذهابها لتسجيل شكوى في الشرطة".

ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية عن حالات العنف والاغتصاب التي تتعرض لها النساء في كركوك، إلا أن فالح شددت "الإحصائيات غير الرسمية تشير إلى أن عدد النساء المعنفات في كركوك تبلغ ٤٠٪، لكنني متأكدة من أن نسبة النساء المعنفات في كركوك تصل إلى ضعف هذه النسبة، الكثير من النساء لا تتحدثن عما يتعرضن له من عنف"، مشيرة الى أن الشرطة في كركوك لا تمتلك كوادر نسوية لاستقبال حالات العنف الأسري، ولا تمتلك مكان مؤهل لقسم حماية الأسرة والطفل لاستقطاب الناجيات من العنف.

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".