المرأة

كيف تحوّل حرق ملاك لقضية رأي عام في العراق؟

رحمة حجة
13 أبريل 2020

أصدرت محكمة تحقيق النجف التابعة لرئاسة محكمة استئناف النجف الاتحادية، قراراً بتوقيف اثنين من المتهمين في قضية الحرق الذي تعرضت له المشتكية ملاك حيدر الزبيدي. كما أصدرت المحكمة أوامر قبض بحق متهمين آخرين في القضية، حسب بيان مجلس القضاء الأعلى العراقي.

وعلى نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الأحد، تم تداول صور ومقاطع فيديو لملاك من المستشفى، تظهر آثار الحروق على وجهها، وتغطي الضمّادات كلتا يديها، وبالكاد تستطيع سماع صوتها لتأثير الحروق على نطقها.

من جهتها، نفت عائلة زوج ملاك التهم الموجهة له بحرقها، واصفة الأمر بـ"حادثة عرضية" وأن الحروق بسيطة وستتم معالجتها.

وتم تداول صورة لمنشور كتبه زوج ملاك، ينفي فيه الاتهام الموجه له، وقال إنه بانتظار استعادة حقه قانونياً وعشائرياً، لكن المنشور متداول من حسابين مختلفين ونفس الاسم للزوج، نتحفظ على النشر لأنه لم يتسنّ لنا التأكد من صحته.

وظهرت والدة ملاك في مقابلة مصوّرة مع قناة الشرقية العراقية، تروي زيارة ابنتها في المستشفى، وبداية شكّها في رواية أهل زوجها، واصفة الإفادة الموقعة من ابنتها بأنها "باطلة" كون الأخيرة لا تستطيع التوقيع على الإفادة بحكم الإصابة بيديها.

محكمة النجف تحقق بشكوى من امرأة اضرمت النار بجسدها بعد أن تم تعنيفها من زوجها #الشرقية_نيوز

محكمة النجف تحقق بشكوى من امرأة اضرمت النار بجسدها بعد أن تم تعنيفها من زوجها #الشرقية_نيوز

Posted by ‎AlSharqiya تلفزيون الشرقية‎ on Sunday, April 12, 2020

رسمياً 

بعد حالة الغضب تجاه حادثة الحرق، التي طغت على مواقع التواصل العراقية، ظهرت تحركات رسمية، بدأها محافظ مدينة محافظ النجف الاشرف لؤي الياسري، بزيارة ملاك في مستشفى الصدر التعليمي، ووجّه دائرة صحة النجف والمستشفى بتشكيل فريق أطباء اختصاص لمراقبة ومتابعة حالتها الصحية.

وقال الياسري إن "الإجراءات القضائية حول الحادثة تسير في محكمة تحقيق النجف الأشرف والقانون والقضاء العراقي هو السيد بالموضوع".

وأورد بيان لمديرية شرطة محافظة النجف أن "وزير الداخلية ياسين الياسري يتابع شخصياً قضية حرق المرأة التي ظهرت في فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي".

وأوعز الوزير بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ قرارات القضاء في هذه القضية برئاسة قائد شرطة المحافظة والدوائر الرقابية والعمل على إجراءات التطبيق، مؤكداً "القانون هو صاحب الكلمة الفصل وهو فوق الجميع دون أي تمييز".

وفي تعليقها على الحادثة، غردّت النائبة في البرلمان العراقي حنان الفتلاوي "نتابع بأسف وباهتمام مع الجهات المختصة قضية حرق فتاة مواليد 2000 في النجف الأشرف انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي".

ووصفتها بـ"الجريمة البشعة" مطالبة "بمعاقبة فاعليها أو من تسبب بها إن ثبت ذلك بأشد العقوبات، ليكونوا عبرة لمن يقوم بتعنيف النساء".

بدورها، أوضحت محكمة تحقيق النجف، تفاصيل شكوى ملاك الزبيدي، وفق بيان صدر عن مجلس القضاء، جاء فيه "المشتكية سجلت شكوى أمام محكمة تحقيق النجف ضد زوجها بداعي قيامه بضربها، وقيامها نتيجة ذلك بحرق نفسها جراء استخدام العنف ضدها".

وأضافت المحكمة، أن "المشتكية قالت إن الزوج لم يقم بإطفائها، ووالد زوجها هو الذي نقلها إلى المستشفى بعد أن أخمد الحريق".

شعبياً

في هذه القضية، كان تفاعل النشطاء العراقيين في مواقع التواصل (خصوصا فيسبوك وتويتر)، هو المحرّك الأساس للرأي العام، وكما بدا واضحاً في بيانات الجهات الرسمية، التي تحركت بعد ردود الفعل الواسعة حول الحادثة. 

وقاد النشطاء حملة إلكترونية برفقة هاشتاغ #ملاك_حيدر_الزبيدي، في البداية لكشف تفاصيل حرقها، ثم أصبح محوراً للتذكير بقضايا العنف ضد النساء، ليتبعه هاشتاغ #كل_يوم_ملاك لتسليط الضوء على قصص عنف مشابهة.

وعشائرياً، تم تداول فيديو يهدد فيه أحد المواطنين من عشيرة الزبيد، بعقاب من يعتدي على امرأة من نفس العشيرة.

عشائر زبيد تثور لأجل الفتاة ملاك حيدر من اهالي النجف

Posted by ‎ساحة التحرير Tahrir Square‎ on Monday, April 13, 2020

كما زار شيخ عشيرة الزبيد ملاك في المستشفى، ونشر فيديو من غرفتها، وقال فيه إن "وضع ملاك تعبان جداً، وقضيتها صعبة جداً، نتمنى لها السلامة ولكل حادث حديث".

#الان من مستشفى النجف شيخ عشيرة زبيد يزور البنت التي زوجها قام بحرقها

Posted by ‎نور القيسي‎ on Sunday, April 12, 2020

 

وعلى الرغم من أهميّة الدور الذي لعتبه مواقع التواصل الاجتماعي في تسليط الضوء على قضايا العنف ضد النساء، إلا أن عشرات النشطاء استخدموا أساليب التحريض ضد زوج ملاك، من خلال الدعوات لقتله ونشر صوره وحساباته في مواقع التواصل من أجل التهجم عليه شخصياً.

قانون العنف الأسري

ولايزال موضوع العنف الأسري في العراق محل جدل منذ سنوات طويلة. إذ لم تنجح الجهود في تمرير قانون "الحماية من العنف الأسري" تحت قبة البرلمان العراقي لأكثر من دورة نيابية، بسبب معارضة بعض القوى السياسية. 

وتطالب الناشطة الحقوقية زينب كريم بمحاكمة زوج ملاك الهارب من قبضة العدالة.

وتقول لـ"ارفع صوتك" إن "هذه الحادثة تعيد إلى الذهن مشكلتنا الحقيقة في ألاّ قانون يجرم العنف الأسري في العراق بحجة شرف العشيرة وغيرها من القضايا القبلية.

وتضيف زينب "رغم عدم الكشف عن الكثير من حوادث العنف الأسري التي لا يتم الإبلاغ عنها إلا أنها ليست جديدة".

وتؤكد أن "حظر كورنا من أكثر التجارب رعباً في حياة الكثير من النساء والفتيات، إذ تزايد الاعتداء عليهن بشكل مخيف في المنزل، مع عدم قدرتهن على الإبلاغ أو الشكوى". 

وحسب المادة 41-1 في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدّل: "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق: (1-  تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً).

وهذا يعني أن أفعال الضرب والعنف التي يمارسها الزوج اتجاه زوجته والآباء اتجاه أبنائهم استناداً للمادة المذكورة، تعد من قبيل استعمال الحق والذي يعد بدوره سببا من أسباب الإباحة، والتي بمقتضاها لا يمكن مساءلة الزوج أو الأبوين جزائياً ولا مدنيا عما يقع من تصرف في حدود المقرر عرفا وشرعاً وقانوناً استخداماً لحقهم المنصوص عليه قانوناً، ووفق ذلك فإن استعمال هذا الحق في العائلة العراقية لا يعني اضطهاد أحد أفرادها، بل يعد جزءاً من التربية.

في السياق ذاته، تقول الخبيرة الاجتماعية وداد زامل إن "الكثير من الأمهات لدينا ينصحن بناتهن المقبلات على الزواج على تحمل الزوج وأهله حتّى إن تم اضطهادها أو تعنيفها، لذا يسكتن طواعية على كل ما يحدث لهن". 

وتضيف "كما هو الحال مع ملاك التي هربت من عنف زوجها، بإحراق نفسها، كثيرات غيرها ممن لا يتوافر لهن النجاة عما يتعرضن له من اعتداءات داخل البيوت فضلن الانتحار". 

"لقد اعتادت المرأة العراقية على الضرب لأنها لا يستطيع الشكوى أو الرفض، لسبب بسيط وهو أن العرف والشرع والقانون يجيز استخدام الضرب والعنف تجاه الزوجات والبنات" تقول زامل.

ومن خلال متابعتها للقضية، تقول زامل إن "عائلة ملاك أكثر تفهماً لحال ابنتها من عائلات أخرى، إذ لم تسكت على جريمة الزوج التي دفعتها لإحراق نفسها، ولو فعلت الزوجات والفتيات ذلك لكنّا تخلصنا من أية مظاهر للعنف الأسري في البلاد".

وفي وقت سابق، كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، دعا إلى اتخاذ تدابير لمعالجة "الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي" ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق العام للمحال والمؤسسات، التي تفرضها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة فيروس كورونا، وأدت لبقاء الأزواج والزوجات لفترات طويلة داخل بيوتهم.

وقال إن "العنف لا يقتصر على ساحة المعركة. فبالنسبة للعديد من النساء والفتيات، أكثر مكان يخيم فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ: منزلهن، فالجمع بين الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كوفيد-19، وكذلك القيود المفروضة على الحركة، أدت كلها إلى زيادة كبيرة في عدد النساء والفتيات اللواتي يواجهن الإساءة، في جميع البلدان تقريبا، ومنذ بدء انتشار الوباء".

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".