كيف تحوّل حرق ملاك لقضية رأي عام في العراق؟
أصدرت محكمة تحقيق النجف التابعة لرئاسة محكمة استئناف النجف الاتحادية، قراراً بتوقيف اثنين من المتهمين في قضية الحرق الذي تعرضت له المشتكية ملاك حيدر الزبيدي. كما أصدرت المحكمة أوامر قبض بحق متهمين آخرين في القضية، حسب بيان مجلس القضاء الأعلى العراقي.
وعلى نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الأحد، تم تداول صور ومقاطع فيديو لملاك من المستشفى، تظهر آثار الحروق على وجهها، وتغطي الضمّادات كلتا يديها، وبالكاد تستطيع سماع صوتها لتأثير الحروق على نطقها.
من جهتها، نفت عائلة زوج ملاك التهم الموجهة له بحرقها، واصفة الأمر بـ"حادثة عرضية" وأن الحروق بسيطة وستتم معالجتها.
وتم تداول صورة لمنشور كتبه زوج ملاك، ينفي فيه الاتهام الموجه له، وقال إنه بانتظار استعادة حقه قانونياً وعشائرياً، لكن المنشور متداول من حسابين مختلفين ونفس الاسم للزوج، نتحفظ على النشر لأنه لم يتسنّ لنا التأكد من صحته.
وظهرت والدة ملاك في مقابلة مصوّرة مع قناة الشرقية العراقية، تروي زيارة ابنتها في المستشفى، وبداية شكّها في رواية أهل زوجها، واصفة الإفادة الموقعة من ابنتها بأنها "باطلة" كون الأخيرة لا تستطيع التوقيع على الإفادة بحكم الإصابة بيديها.
رسمياً
بعد حالة الغضب تجاه حادثة الحرق، التي طغت على مواقع التواصل العراقية، ظهرت تحركات رسمية، بدأها محافظ مدينة محافظ النجف الاشرف لؤي الياسري، بزيارة ملاك في مستشفى الصدر التعليمي، ووجّه دائرة صحة النجف والمستشفى بتشكيل فريق أطباء اختصاص لمراقبة ومتابعة حالتها الصحية.
وقال الياسري إن "الإجراءات القضائية حول الحادثة تسير في محكمة تحقيق النجف الأشرف والقانون والقضاء العراقي هو السيد بالموضوع".
وأورد بيان لمديرية شرطة محافظة النجف أن "وزير الداخلية ياسين الياسري يتابع شخصياً قضية حرق المرأة التي ظهرت في فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأوعز الوزير بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ قرارات القضاء في هذه القضية برئاسة قائد شرطة المحافظة والدوائر الرقابية والعمل على إجراءات التطبيق، مؤكداً "القانون هو صاحب الكلمة الفصل وهو فوق الجميع دون أي تمييز".
وفي تعليقها على الحادثة، غردّت النائبة في البرلمان العراقي حنان الفتلاوي "نتابع بأسف وباهتمام مع الجهات المختصة قضية حرق فتاة مواليد 2000 في النجف الأشرف انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي".
ووصفتها بـ"الجريمة البشعة" مطالبة "بمعاقبة فاعليها أو من تسبب بها إن ثبت ذلك بأشد العقوبات، ليكونوا عبرة لمن يقوم بتعنيف النساء".
بدورها، أوضحت محكمة تحقيق النجف، تفاصيل شكوى ملاك الزبيدي، وفق بيان صدر عن مجلس القضاء، جاء فيه "المشتكية سجلت شكوى أمام محكمة تحقيق النجف ضد زوجها بداعي قيامه بضربها، وقيامها نتيجة ذلك بحرق نفسها جراء استخدام العنف ضدها".
وأضافت المحكمة، أن "المشتكية قالت إن الزوج لم يقم بإطفائها، ووالد زوجها هو الذي نقلها إلى المستشفى بعد أن أخمد الحريق".
شعبياً
في هذه القضية، كان تفاعل النشطاء العراقيين في مواقع التواصل (خصوصا فيسبوك وتويتر)، هو المحرّك الأساس للرأي العام، وكما بدا واضحاً في بيانات الجهات الرسمية، التي تحركت بعد ردود الفعل الواسعة حول الحادثة.
وقاد النشطاء حملة إلكترونية برفقة هاشتاغ #ملاك_حيدر_الزبيدي، في البداية لكشف تفاصيل حرقها، ثم أصبح محوراً للتذكير بقضايا العنف ضد النساء، ليتبعه هاشتاغ #كل_يوم_ملاك لتسليط الضوء على قصص عنف مشابهة.
وعشائرياً، تم تداول فيديو يهدد فيه أحد المواطنين من عشيرة الزبيد، بعقاب من يعتدي على امرأة من نفس العشيرة.
كما زار شيخ عشيرة الزبيد ملاك في المستشفى، ونشر فيديو من غرفتها، وقال فيه إن "وضع ملاك تعبان جداً، وقضيتها صعبة جداً، نتمنى لها السلامة ولكل حادث حديث".
وعلى الرغم من أهميّة الدور الذي لعتبه مواقع التواصل الاجتماعي في تسليط الضوء على قضايا العنف ضد النساء، إلا أن عشرات النشطاء استخدموا أساليب التحريض ضد زوج ملاك، من خلال الدعوات لقتله ونشر صوره وحساباته في مواقع التواصل من أجل التهجم عليه شخصياً.
قانون العنف الأسري
ولايزال موضوع العنف الأسري في العراق محل جدل منذ سنوات طويلة. إذ لم تنجح الجهود في تمرير قانون "الحماية من العنف الأسري" تحت قبة البرلمان العراقي لأكثر من دورة نيابية، بسبب معارضة بعض القوى السياسية.
وتطالب الناشطة الحقوقية زينب كريم بمحاكمة زوج ملاك الهارب من قبضة العدالة.
وتقول لـ"ارفع صوتك" إن "هذه الحادثة تعيد إلى الذهن مشكلتنا الحقيقة في ألاّ قانون يجرم العنف الأسري في العراق بحجة شرف العشيرة وغيرها من القضايا القبلية.
وتضيف زينب "رغم عدم الكشف عن الكثير من حوادث العنف الأسري التي لا يتم الإبلاغ عنها إلا أنها ليست جديدة".
وتؤكد أن "حظر كورنا من أكثر التجارب رعباً في حياة الكثير من النساء والفتيات، إذ تزايد الاعتداء عليهن بشكل مخيف في المنزل، مع عدم قدرتهن على الإبلاغ أو الشكوى".
وحسب المادة 41-1 في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدّل: "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق: (1- تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً).
وهذا يعني أن أفعال الضرب والعنف التي يمارسها الزوج اتجاه زوجته والآباء اتجاه أبنائهم استناداً للمادة المذكورة، تعد من قبيل استعمال الحق والذي يعد بدوره سببا من أسباب الإباحة، والتي بمقتضاها لا يمكن مساءلة الزوج أو الأبوين جزائياً ولا مدنيا عما يقع من تصرف في حدود المقرر عرفا وشرعاً وقانوناً استخداماً لحقهم المنصوص عليه قانوناً، ووفق ذلك فإن استعمال هذا الحق في العائلة العراقية لا يعني اضطهاد أحد أفرادها، بل يعد جزءاً من التربية.
في السياق ذاته، تقول الخبيرة الاجتماعية وداد زامل إن "الكثير من الأمهات لدينا ينصحن بناتهن المقبلات على الزواج على تحمل الزوج وأهله حتّى إن تم اضطهادها أو تعنيفها، لذا يسكتن طواعية على كل ما يحدث لهن".
وتضيف "كما هو الحال مع ملاك التي هربت من عنف زوجها، بإحراق نفسها، كثيرات غيرها ممن لا يتوافر لهن النجاة عما يتعرضن له من اعتداءات داخل البيوت فضلن الانتحار".
"لقد اعتادت المرأة العراقية على الضرب لأنها لا يستطيع الشكوى أو الرفض، لسبب بسيط وهو أن العرف والشرع والقانون يجيز استخدام الضرب والعنف تجاه الزوجات والبنات" تقول زامل.
ومن خلال متابعتها للقضية، تقول زامل إن "عائلة ملاك أكثر تفهماً لحال ابنتها من عائلات أخرى، إذ لم تسكت على جريمة الزوج التي دفعتها لإحراق نفسها، ولو فعلت الزوجات والفتيات ذلك لكنّا تخلصنا من أية مظاهر للعنف الأسري في البلاد".
وفي وقت سابق، كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، دعا إلى اتخاذ تدابير لمعالجة "الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي" ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق العام للمحال والمؤسسات، التي تفرضها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة فيروس كورونا، وأدت لبقاء الأزواج والزوجات لفترات طويلة داخل بيوتهم.
وقال إن "العنف لا يقتصر على ساحة المعركة. فبالنسبة للعديد من النساء والفتيات، أكثر مكان يخيم فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ: منزلهن، فالجمع بين الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كوفيد-19، وكذلك القيود المفروضة على الحركة، أدت كلها إلى زيادة كبيرة في عدد النساء والفتيات اللواتي يواجهن الإساءة، في جميع البلدان تقريبا، ومنذ بدء انتشار الوباء".