المرأة

اليمنيات وكورونا.. معاناة مضاعفة

غمدان الدقيمي
14 أبريل 2020

تروي الشابة اليمنية أماني أحمد أنها عاشت أياما صعبة في الحجر الصحي بمحافظة البيضاء وسط اليمن فور عودتها من السعودية قبل أسابيع كإجراء احترازي اتخذته السلطات اليمنية للوقاية من تفشي فيروس كورونا.

"تم حجرنا لمدة أسبوع في البيضاء دون أي رعاية أو اهتمام. كان وضعنا سيئا جدا، بالذات نحن النساء"، تقول أماني.

وتضيف أن كل دول العالم أنشأت محاجر صحية مجهزة بكافة الإمكانيات إلا اليمن "رمت الرجال والأطفال والنساء بالشارع في المنافذ البرية بحجة الحجر الصحي".

"حتى الحمامات غير متوفرة، هذا مؤسف للغاية. وداخل موقع الحجر لا توجد منظفات ولا معقمات والنظافة غير متوفرة"، توضح أماني.

 

وتخاطب الجهات المسؤولة قائلة "لمرة واحدة بحياتكم اعملوا حاجة مفيدة لهذا البلد. انتم لا تهتمون بأبسط الأشياء الضرورية في مقدمتها الأماكن المخصصة للحجر الصحي. لا شك أن فتح المنافذ على مصراعيها كارثة، لكن ينبغي تخصيص أماكن مناسبة للنساء".

وأشارت إلى أنها وهي في طريقها إلى صنعاء حدثت مشادة كلامية بينها وبين أحد الجنود في نقطة أمنية جنوبي صنعاء، فأجبرها الجندي على النزول من الباص رغم أنها حاصلة على بطاقة مختومة من مكتب الصحة تؤكد خضوعها للحجر الصحي، حسب قولها.

يجب مراعاة مصالحنا

تتحمل النساء والفتيات في اليمن كما هو حال النساء في مختلف دول العالم معاناة كبيرة بسبب وباء كورونا العالمي.

وتشكل النساء ما نسبته حوالي نصف إجمالي سكان اليمن البالغ عددهم أكثر من 28 مليون نسمة.

وتشكو يمنيات من تضررهن بسبب الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات للوقاية من تفشي فيروس كورونا.

وأعلنت اليمن يوم الجمعة الماضية تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة بكورونا في محافظة حضرموت شرقي البلاد.

وقبل ذلك، أقرت السلطات المنقسمة في صنعاء وعدن سلسلة من الإجراءات الاحترازية أهمها إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام المسافرين وتقليص عدد الموظفين في القطاع العام والخاص والمختلط، وتخفيف حركة التنقل بين المحافظات والمديريات والمدن.

وفوق ذلك، أقر الحوثيون في صنعاء إغلاق محلات الحلاقة وتجميل السيدات حتى إشعار آخر، وهو ما أثر سلباً على كثير من مالكات تلك المحلات.

تقول بدور عبد الكريم، وهي مالكة محل حلاقة وتجميل في صنعاء: "إغلاق محلات الكوافير أثر سلبا على حياتي. هذه المهنة هي مصدر رزقي الوحيد".

وتضيف لموقع "ارفع صوتك": "نحن مع الإجراءات التي تحول دون تفشي كورونا في اليمن لكن يجب مراعاة مصالحنا".

خوف وقلق

قامت دول الخليج المجاورة لليمن خاصة السعودية بإغلاق منافذها البرية والبحرية والجوية عقب تفشي فيروس كورونا.

وبرغم أهمية تلك الإجراءات، إلا أنها أثرت سلبا على حياة المرأة اليمنية اجتماعيا واقتصاديا.

تقول سيدة يمنية تقيم في السعودية، فضلت عدم ذكر اسمها، إن زوجها سافر إلى اليمن قبل إغلاق المنافذ لزيارة والديه، وحاليا لا يستطيع العودة إلى السعودية.

وتضيف: "هذا الإجراء شكل لنا حالة من القلق والخوف من عدم قدرة زوجي على العودة إلى السعودية، ناهيك عن أننا في الحجر المنزلي ولا نستطيع الخروج لشراء أبسط احتياجاتنا بسبب غياب زوجي".

وعقب قرار إغلاق الجامعات اليمنية واجهت سمية اليافعي، التي كانت تدرس في سلك الدراسات العليا في جامعة صنعاء، صعوبات في السفر من صنعاء إلى عدن حيث تعيش أسرتها بسبب النقاط الأمنية المنتشرة وإجراءات التفتيش والفحص للتأكد من خلو المسافرين من ارتفاع الحرارة أو الاشتباه بالإصابة بكورونا.

"استغرقت الرحلة من صنعاء إلى عدن ضعفي الوقت الطبيعي بسبب إجراءات التفتيش والفحص، في كل نقطة أمنية يفحصون درجة حرارة المسافرين"، قالت سمية.

من جهتها، تشعر فاطمة الصبري بالقلق والخوف على أسرتها وأهلها وكافة أصدقائها، خصوصاً وأنه لا توجد إجراءات احترازية -على حد قولها- كافية لمواجهة هذا الوباء في حال انتشاره في اليمن.

وعبرت فاطمة عن انزعاجها بسبب ابتعادها عن أطفالها حيث تتواجد حاليا في العاصمة المصرية القاهرة لعدم قدرتها على العودة إلى اليمن بسبب تعليق الرحلات الجوية، بينما أطفالها وبقية أفراد أسرتها في مدينة تعز جنوبي غرب اليمن.

وتعتقد أروى القدسي، إحدى سكان العاصمة صنعاء أن دور المرأة خلال هذه الأزمة تراجع اقتصادياً، بسبب تركيزها على كيفية المحافظة على أسرتها قبل كل شيء.

وترى أروى أن الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا أثرت على اللقاءات والاجتماعات التي انقطعت سواء داخل الأسرة الواحدة أو خارجها، لكنها تعتبرها ضرورية لمواجهة الوباء قبل وصوله وتفشيه.

من جانبها، أكدت المهندسة عبير عبد الرحمن، أن جلوسها في البيت جعلها تتفرغ للاهتمام بأطفالها وعائلتها، وتحولت من مهندسة إلى ممرضة في المنزل، تعمل على رش المعقمات، وتستقبل أفراد العائلة بالكلور والديتول، وتودعهم أيضا بالمعقمات والكمامات والنصائح التي تستقيها من وسائل الإعلام المختلفة.

غمدان الدقيمي

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".