Two women carry a child at the children's cancer hospital in the southern Iraqi city of Basra on December 19, 2017. (Photo by…
Two women carry a child at the children's cancer hospital in the southern Iraqi city of Basra on December 19, 2017. (Photo by HAIDAR MOHAMMED ALI / AFP)

بغداد- دعاء يوسف:

بينما تفرض احترازات الوقاية من تفشي فيروس كورونا على الناس الالتزام بحظر التجوال في عموم البلاد، توقفت منتهى حميد التي شارفت على الخمسين عن تناول الدواء الذي يستخدم في علاج بعض أنواع سرطان الغدد.

وتقول لـ "رفع صوتك": " إنها "في أوائل شهر آذار/مارس، راجعت المستشفى واستلمت حصتها الدورية من الدواء ولكن بعد استشارة طبيبها الخاص لتقييم مدى قدرة الدواء على علاجها نصحها بعدم تناوله".

ومثل بعض الأحيان، كانت منتهى تشتري الأدوية على نفقتها من الصيدليات الخاصة، بعدما تعيد حصتها المجانية للمستشفى على أمل أن يفيد مصابين غيرها.

وتضيف: "من العسير جداً الحصول على الأدوية المناسبة لعلاج السرطان في هذه الظروف، لكن الذين لديهم القدرة على توفير تكاليفها كاملة يمكنهم الحصول عليها حتى وإن كانت بأسعار مرتفعة".

وتعجز منتهى الآن عن توفير المبالغ الكافية لتوفير أدويتها بسبب الركود الاقتصادي وتوقف مهنة ابنها الذي يعمل في صيانة وتصليح السيارات.

وتقول إنّ "ما كان يزيد من معاناتها، هو أن الحكومة تعجز عن توفير الأنواع الجيدة من أدوية السرطان بشكل مجاني".

وكانت وزارة الصحة والبيئة العراقية، قد أعلنت، الثلاثاء، أن "مجموع الإصابات بلغ ١٤٠٠، والوفيات ٧٨، وحالات الشفاء ٧٦٦".

عواقب خطيرة

ولا شك أن توقف الأعمال أو فقدان مصادر الزرق يفرض تحديات مالية على مرضى السرطان، خاصة عندما تكون الأدوية والعقاقير المتوافرة بشكل مجاني في المستشفيات الحكومية تعاني من شح وجودها أو أقل تأثيراً في العلاج.

تقول أنعام علي المصابة بسرطان الثدي إنها لم تستطع الحصول على العلاج، "خاصة بعدما أُغلقت الكثير من الصيدليات التي كانت توفر نوعيات جيدة من أدوية مرضى السرطان". 

وتعترف إنها تجرأت ولم تتناول أدويتها هذا الشهر، ولا تعلم كيف سيكون مصيرها، فقد يترتب على ذلك عواقب خطيرة، كما تقول لـ "ارفع صوتك".

 ويتوجه العديد من مصابي السرطان للعلاج خارج البلاد أو للحصول على العقاقير الخاصة بالمرض على نفقتهم الخاصة، ولكن مع انتشار فيروس كورونا والتوقف التام لرحلات العلاج والتبادل التجاري ببن الدول، يواجه المرضى في العراق تحديات كثيرة في ظل التدهور الحاصل في المؤسسات الصحية.

لكن أنعام التي عمدت قبل عامين إلى استئصال جزء من ثديها في مستشفى بتركيا ترى أن حالها أفضل بكثير من غيرها رغم مجازفة التوقف عن تناول العقاقير الآن، وتأمل أن تكون الآثار السلبية على صحتها أقل.

وتعاني أغلب المؤسسات الصحية في البلاد نقص العلاجات الخاصة بمرضى السرطان وتعزو وزارة الصحة العراقية ذلك إلى عدم توفر المخصصات المالية الكافية.

ولا توجد إحصاءات دقيقة حول أعداد المصابين بمرض السرطان في العراق، لكن أرقاما رسمية تؤكد أن معدل الإصابة بالمرض يبلغ 2500 حالة كل سنة، 20% منها سرطان الثدي.

المناعة الذاتية

معاناة مريضات السرطان لا تقتصر على توفير الأدوية وحدها، إذ عكفت وفاء رعد (٤٩عاماً) عن مراجعة المستشفى إثر تفشي فيروس كورونا المستجدّ. إذ ينصح الأطباء بتأجيل الذهاب للمستشفيات أو مراجعتها، خشية الإصابة بالعدوى نتيجة لضعف المناعة الذاتية.

وتقول لـ "رفع صوتك" إن "آخر جرعة كيماوية مجانية خضعت لها كانت في اليوم الذي سبق حظر التجوال، وبعدها بدأت بشراء ما تبقى من جرعات كيميائية من خارج المستشفى".

تتابع وفاء هواجس الخوف من العدوى تمنعني من الذهاب للمستشفى، لأنني لا أستطيع تحمل الانتظار مع المرضى حتى أستمر في العلاج الكيميائي المجاني.

وتشير إلى أنها قد تتحمل فكرة أن تفقد حياتها بسبب المرض ولكنها لن تستطيع ذلك حال انتقال عدوى الوباء اليها، " سيكون الألم مضاعفاً لديّ".

وفي دراسة حديثة -نشرت في مجلة "لانسيت" الأميركية في فبراير/شباط الماضي- على حوالي ألفي مصاب بالفيروس في الصين من أكثر من 500 مشفى، تبين أن مرضى السرطان كانت أعراض فيروس كورونا عليهم أشد من باقي المرضى وحالتهم أكثر خطورة، كما كانت احتمالية تطور حالتهم إلى مراحل حرجة أعلى من المرضى الآخرين.

وذكرت الدراسة أن من الأسباب الرئيسية لكون مرضى السرطان أكثر عرضة للخطر هو تثبيط المناعة، سواء من مرض السرطان نفسه أو من العلاجات التي تعطى لمريض السرطان وبعضها يثبط جهاز مناعته.

 

 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".