المرأة

من ضرب الفتيات إلى تقييدهّن بالسلاسل.. أشكال العنف الأسري في العراق

16 أبريل 2020

حررت قيادة شرطة بغداد، الثلاثاء ١٤/ أبريل، فتاة كانت محتجزة من قبل والدها.
وعُثر على المحتجزة مقيدة بالسلاسل منذ (٢٣) يوماً، بعد أن داهمت الشرطة المنزل بناء على ورود اتصال هاتفي إلى مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري حول وجود فتاة مقيدة بالسلاسل في أحد مناطق بغداد.


وقال مدير إعلام القيادة الرائد عزيز ناصر إن "والدها احتجزها من باب الحرص عليها، وإن سبب هذا التصرف كان -حسب إفادته- بسبب الاستخدام الخاطئ للهاتف النقال". 


وأضاف عزيز أنه "تم تدوين الإفادة ورفع الأوراق أمام أنظار القاضي لاتخاذ القرار المناسب".

وكانت آخر إحصائية صدرت عام ٢٠١٤ من مديرية حماية الأسرة والطفل التابعة لوزارة الداخلية العراقية، تقول إن نسب (اعتداء الزوج على زوجته بلغت (٥٤٪)، بينما جاءت نسب اعتداء الزوجة على الزوج (٧٪)، أما الاعتداء ما بين الإخوان والأخوات فبلغت (٥٪)، والأبناء على الأب والأم (٦٪)، واعتداء الأب وإلام على الأبناء (١٢٪).

آباء لا إنسانيون
وترى الخبيرة الاجتماعية وداد زامل أن "الاحتجاز أو الحبس" من الأفعال التي ليس لها علاقة بالواقع الذي نعيشه الآن على الرغم من أن الكثير من الفتيات والنساء في الوقت الراهن يعانين منه.
وتقول لـ (ارفع صوتك) إن "هذه الحادثة تسلط من جديد الضوء على العنف الأسري والسلوك اللاإنساني الذي يتصرف به الآباء مع بناتهم".


وتضيف أن " وصمة العار" هي الدافع الاساسي الذي يقف وراء تعنيف الفتيات والنساء والاساءة لهن، وأن "الاستخدام الخاطئ للهواتف النقالة" ما هي إلاّ موجة جديدة من الاعتداءات ضدهن.
وتعتقد الخبيرة أنه برغم محاولات القضاء على العنف الأسري إلاّ هناك العديد من الذين يقفون ضد ذلك بل ويعتقدون أن "المرأة لا يمكنها العيش ما لم يقترن ذلك بتعنيفها دوماً".


وتشير زامل إلى أن الكثير من الأسر العراقية تُعامل بناتها اللواتي يرتكبن أخطاء بسيطة ويخالفن أوامر رجال العشيرة بدرجة كبيرة من الوحشية.  

لست من البشر
بعض الفتيات اعتبرن احتجازهن بغرفهن قسراً، من أساليب العقاب المؤقت الذي يتعرضن له بين الحين والآخر في منازلهن.


وتتعرض سحر خضير (٢٤عاماً) للاحتجاز والضرب والتهديد دوما، كلما تصرفت بشكل لا يرضي أبيها أو أخوتها. 


تروي لموقعنا، "كان أبي يحاول من خلال احتجازي منعي من كل شيء أفعله ولا يقتنع به. وكنت عقب كل احتجاز، أخرج مكتئبة وفي أسوأ حالاتي الصحية من الغرفة". 


وتضيف "تعودت مع أخواتي الثلاثة على توخي الحذر من أي كلمة ننطقها أو تصرف ما حتى لا نتعرض للضرب والاحتجاز". 


كان لحبس سحر أو احتجازها المتواصل "أثراً بشعاً بداخلي، فقد كنت أشعر دوماً وكأنني لست من البشر". 


وتتابع "رغم أن الأمور بدأت تتحسن قليلاً عندما توقف أبي عن تعنيفنا بعدما أصيب أبي بحادث سير وفقد إحدى أطرفه السفلى عام ٢٠١٩. ولكن أخي الأكبر مني بدأ في اتباع ذات العنف معنا". 


" أشعر بحزن كبير، لأن رجال عائلتي لا يستغنون عن فكرة احتجاز بناتهم لمعاقبتهن حتّى لا يتمكنّ من الهرب"، تقول الفتاة. 


وتشير  إلى أن آخر مرة خضعت فيها للاحتجاز ليوم كامل بغرفة في الطابق العلوي لمنزلهم كانت الشهر الماضي، تحديداً في بداية حظر التجوال، " ليجبرها أخيها على أن تترك الاتصال هاتفياً بصديقة لها، لدواعي أخلاقية".  

رخصة لقتلهن
وتصف المحامية أحلام كاظم عبارة "الاستخدام الخاطئ للهاتف النقال" التي صار يلجأ إلى ذكرها الكثير من الرجال في المحاكم العراقية لعقاب زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم بأنها "رخصة لقتلهن".


وتسرد قصة فتاة عوقبت بالحبس والضرب على وجهها بنهاية أخمس البندقية أو السلاح وكسرت بعض من أسنانها لأنها كانت تتحدث مع خطيبها بهاتف نقال بعد منتصف الليل. 


وتشير إلى أن الهاتف النقال يعد وجوده الآن بيد الفتاة مصدر قلق للأب أو الأخ وفرصة للعنف الأسري، "هذا العنف الذي يتزايد بشكل بربري دون قوانين رادعة، لأنه عند البعض يُضعف وضع الرجل ومكانته بين أفراد عائلته"، تقول المحامية.

مطالبات برلمانية


وكانت لجنة المرأة والأسرة النيابية، طالبت مؤخراً بالإسراع في إقرار قانون مكافحة العنف الأسري لحماية المرأة ومنع ما تتعرض لها من أعمال عنف.


وقالت اللجنة، إنها "باعتبارها ممثلة عن شريحة المرأة وجزءا من واجبها الرقابي والقانوني والمهني، تطالب الرئاسات الثلاثة والحكومة والمنظمات الدولية والنسوية إلى تبني حملة وطنية واسعة وفعالة لمنع العنف الأسري ضد المرأة باعتبارها نصف المجتمع وتتحمل مسؤوليات وضغوط كبيرة في مختلف شؤون الحياة والأسرة".


ونبهت اللجنة إلى أن "الإجراءات التي اتخذتها خلية الأزمة في فرض حظر التجوال ألقت بظلالها على المرأة وحماية أسرتها من خطر الإصابة بالوباء سواء كانت زوجة أو أم أو أخت أو بنت".


وجددت اللجنة "دعوة الرئاسات الثلاث إلى توفير الدعم القانوني والحكومي للمرأة من خلال إعداد مشروعات من شأنها دعمها واسنادها وحمايتها أسريا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا"، مؤكدة "التزامها بحماية المرأة ووقوفها معها لتحقيق تطلعاتها وحمايتها وتوفير احتياجاتها المشروعة ضمن القانون والدستور في الحصول على فرص عمل ووظائف تمكنها من الاستقلال المالي والاقتصادي لتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة والعيش بثقة وكرامة وعز ورخاء".
 

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".