صورة تعبيرية
قصة حرق الشابة ملاك الزبيدي تفجر عشرات قصص العنف الأسري في العراق

"تمرضت من ورا القصص، والكثير شاركوني قصص" تقول الناشطة العراقية بان ليلى، عن ردّة فعلها بعد التفاعل الكبير الذي لاقته مبادرتها #كل_يوم_ملاك.

وكانت بان، غرّدت في نفس اليوم الذي ضجت مواقع التواصل العراقية بقصّة الشابة ملاك حيدر الزبيدي، تطلب مشاركة قصص نساء مشابهة لقصّة ملاك، لتفاجأ بعدها وعلى مدى ثلاثة أيام متوالية بكميّة القصص التي نشرت في تويتر وفيسبوك وإنستاغرام.

تقول "القصص تركت الكثير من الناس في حالة صدمة، لم يتصوّروا حجم الألم والمعاناة الذي تعيشه النساء".

وعن أسباب العنف ضد النساء في المجتمع العراقي، تقول بان لـ"ارفع صوتك": "العنف ثقافة بمجتمعنا باعتباره وسيلة تأديبية، مثلاً حتى الطفل إذا أخطأ يكون العقاب بالعنف، وبما أن المجتمع ذكوري فالسلطة للذكور".

وتضيف "كما يترتب على المرأة (وفق المجتمع) حفظ شرف العائلة، والذكر يرى نفسه أقوى بدنياً ومسؤولاً مادياً عنها، وقانونياً يعتبر ضرب الزوج لزوجته حقاً شرعياً".

نساء معنّفات

عشرات القصص نشرتها نساء عن نساء أخريات أو عنهن شخصياً، تبيّن أشكالاً متعددة للعنف الأسري الذي تعرّضن له، استجابة لحملة "كل يوم ملاك".

كتبت تقى محمد "ابنة خالتي نبأ، عاشت في القهر والظلم عشر سنوات مع زوجها، كان ينظر لها دائماً باعتبارها نصف امرأة لأنها لم تنجب في أول سنيّ الزواج، ثم منعها من إتمام دراسة الهندسة رغم أنها كانت من الأوائل، وحين كان عمر طفلتها ثلاث سنوات، حرقت نبأ نفسها".

وروت شهد قاسم قصة إحدى قريباتها "كان عُمرها 14 سنة، وكنّا نعلم أن أهلها يتعاملون معها بعنف، مرة بالحرق وأخرى بالضرب، عدا عن الإيذاء النفسي، فحاولت الطفلة الانتحار مرتين،  الأولى فشلت فيها، وفي الثانية انتحرت شنقاً، فبرر أهلها سبب الوفاة بأنها وقعت عن الدرج... أتذكر ضحتكتها الآن..."

وقالت مريم (12 أبريل): "بعد 8 أيام الذكرى السنوية الثالثة لوفاة صديقتي،  طبعاً الكل يعرف قصّة فاطمة زياد، ورسالة انتحارها، وكان يفترض محاسبة أهلها، لكنهم رحلوا عن المنطقة ولم يجر التحقيق في قضيتها، قالوا إن الضغط النفسي هو السبب لأنها كانت في الصف السادس (الثانوية العامة)".

فاطمه زياد Fatima Zeyad بنت صغيرة انتحرت شنقا قبل عام كامل ، الطفله ذات السبعة عشر ربيعا يتيمة الاب تعيش مع اهلها امها...

Posted by ‎حركة أينانا Inanna Movement‎ on Friday, April 19, 2019

وغرّدت الطبيبة هبة عبدالرحمن بقصة "حين كنت أعمل في الصحة، مرت بي حالتان في قسم الحروق، يستحيل نسيانهما. الأولى أثناء شهر رمضان، كان اسم الفتاة آلاء، رأيت جسدها محترقاً بالكامل، باستثناء وجهها الجميل، وتباطأت إحدى الممرضات في علاجها توجه لها الانتقاد (يحيرن شيسوين واحنا نبتلي). قالوا السبب (قضية شرف). أتذكر آلاء تبتسم لي وتقول (لا تنزعجي.. سوف أموت) وتوفيت في نفس الليلة".

وتتابع "الثانية كان اسمها صابرين، ضربها أخو زوجها وسحلها للشارع وقال لها (لن تري أطفالك حتى لو متّ) فحرقت نفسها، كلها احترقت، لدرجة ذوبان أذنيها، وكلّما دخلت غرفتها تحدثني عن أطفالها، وتطلب من أختها أن تريني صورهم. عانت كثيراً قبل أن تموت".

وفي تغريدته، كتب علي الطيب "إحدى قريباتي ضربها زوجها حتى سال منها الدم، فلما اتصلت بوالدها تشكو ما حصل، هرع إلى بيتها يحمل مسدساً وعاتبهم على ضرب ابنته، فخرج له والد الزوج للتهدئة بالقول إن هذه مشاكل طبيعية قد تحصل، لكن أبوها لم يقتنع، وقال له (اليوم سآخذ ابنتي وأطفالها وكل ممتلكاتها وغداً تبعث لها ورقة الطلاق) وبالفعل هذا ما حصل، وعاد الزوج وأبوه لعائلة الفتاة بتعهّد بعدم التعرّض لها مرة أخرى، ووتوسلّوا إليه عدم تحويلها لمسألة عشائرية".

يقول علي "لأهل المرأة دور كبير فحين يكون ردهم كهذا حازماً ويوفرون لها الدعم والحماية، لن يجرؤ أحد على استخدام العنف بحق النساء".

ومن بريد رسائلها، نشرت بان بعض القصص لفتيات يخشين البوح بقصصهن، منها هذه القصة، لفتاة تتعرّض للعنف الجسدي والتحرّش الجنسي من بعض أفراد عائلتها.

وتعقيباً على هذه الرسالة، وردها تعليق من سنار، تقول "صديقتي مواليد 2004، تعيش نفس الحالة، حيث يتحرش بها أخواها الاثنين جنسياً، ويمنعانها من أي وسيلة تواصل، فلا تستخدم الموبايل أو تخرج من البيت، حتى أنها خرجت من المدرسة. أخواتها وأمها على علم بالأمر لكن لا يقلن شيئاً خوفاً من الفضيحة، علماً بأن أحد أخويها المتحرشين وهو الكبير، متزوج".

وكتبت امرأة تدعو نفسها "جاي/ شاي": "عدا عن التعنيف الذي تعرضت له بشتى الطرق في طفولتي، تعرضت للتحرش الجنسي ثم الاغتصاب من أخي، وصار يبتزني ويهددني ويتحكم فيّ ويمنع عنّي كل شيء، لكنه في المقابل ينام مع فتيات، ويسافر في أي وقت يريد، ويفعل ما يشاء، وأهلي يعلمون بكل شيء لكنهم لم يواجههوه بأي شيء، بل يقولون لي (اسكتي، عيب) فأهلي يعبدون الولد ويقدسّونه".

وهذه قصص أخرى ننقلها عبر بعض التغريدات والمنشورات:

 

كما وصلتني من احد الصديقات.. على موضوع الحرق للأسف الي صار احب اسرد هاي القصة الي صارت بعائلتن من طرف والدي الي احنا...

Posted by Noora Maytham on Monday, April 13, 2020

 

 

ردود أفعال تجاه القصص

"يومين مـَ نايم" يقول العراقي محمد علي، في إشارة لتأثره الشديد بالقصص التي قرأها من حياة نساء مُعنّفات جسدياً وجنسياً.

لكن مرح لا تجد فضولاً لقراءة القصص التي شاركتها النساء، تقول لـ"ارفع صوتك" إن القصص "شبه عادية، ونحن نعيشها يومياً في بيوتنا أو تعيشها قريباتنا، ومن الطبيعي أن يحدث هذا الأمر في مجتمع لم يتحرر بالكامل من العقول المتحجرة".

وتتفق معها آيات بالقول "هذه القصص ليست جديدة،  فنحن نعيش وسط صديقات وأهل أغلبهم يعيشون نفس الظروف".

 وتبدو غير متفائلة بقولها "كُل جيل نسوي جديد يربي بناته على ضرورة الخضوع للموروث المُجتمعي نفسه، بالإضافة إلى الطبيعة البشرية الميّالة للبقاء تحت وطأة المجتمع ومسايرته و تأليهه، لذلك نرى المجتمع بشخصيتين متناقضتين داخل مجتمعه وخارجه".

كما تتفق معهما بنين بالقول "حتى لو كان هذا الجيل بكامله واعياً، يبقى جيل الآباء و الأجداد صاحب التأثير القوي، ولن نصل لحل من خلال هذه الحملات، لأن العديد من مناصريها هو نفسه يؤذي أخته أو أمه أو زوجته".

لكنّ الناشطة صفاء داود ترى أن "مجرد الكشف عن هذه القصص خطوة مهمة وأوليّة نحو خطوة أكبر على أرض الواقع، وعلى مستوى قوانين وتكوين منظمات أخرى مدافعة ومحصلّة للحقوق".

وتضيف لـ"ارفع صوتك": "جرائم العنف ضد النساء مستمرة دون رادع قانوني أو حساب قوي من أي جهة بسبب السكوت".

"أحياناً أشعر أنني مقيّد، أريد أن أنهي هذا العنف، لكن ليس باليد حيلة. وأحياناً عندما أكتب في تويتر أو فيسبوك أكتب بتويتر أو فيسبوك حول الموضوع نفسه، أشعر كأن كلامي هواء في شبك..." يقول مارتن نجّار.

ويعيد المشاكل التي تعاني منها الكثير من النساء إلى "تحليل زواج الطفلة بعمر 9 سنوات من قبل بعض المشايخ والمراجع الدينية" مضيفاً "يجب منع أي نص يحلل ذلك وتُحاكم الجهة المروّجة لذلك".

من جهتها تعتقد هبة عبدالرحمن، التي روت إحدى القصص أعلاه، أن موجة القصص في مواقع التواصل "فزعة هاشتاغات وخلصت، بينما الواقع نفسه".

تقول لـ"ارفع صوتك": "نحن بحاجة لحراك نسوي تنسيقي جماعي على شاكلة حراك تشرين، يكون امتدادا له وجزءا منه، يتبنى قضية العنف الأسري في البلد. ويشكل لوبي من المختصين في القانون من المتعاطفين مع القضية، حتى يتم وضع خطة عمل تهدف إلى تغيير القانون فعلياً".

"على العموم ما زال عندي بعض الأمل بأن الظروف هي التي حكمت ألّا يمتد الحراك إلى الشارع حالياً، بسبب حظر التجول وجائحة كورونا" تقول هبة.

ويشير أحمد إلى أن مُنشدي التغيير من الرجال الذين لا يقيدون حريّة زوجاتهم أو أخواتهم "يتعرضون عادة للنقد من المجتمع المحيط"، مضيفاً لـ"ارفع صوتك" أن "الحل يبدأ بنشر الوعي بين الأطفال وتعليمهم على احترام المرأة، أما الرجال مرتكبي العنف فيجب عقابهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم".

"إذا غاب القانون صار العالم غابة، كل من يعنف المرأة لا يخشى شيئاً، حيث تقتل المرأة أو تعذب بسبب استضعافها، خصوصاً إن لم تقم بردة فعل هي أو أهلها" تقول سُرى.

وتوضح "عدم التكافؤ بين الطرفين، وخضوع الزوجة وأهلها والاستسلام لرغبات الزوج سواء كان على صواب أو خطأ، وهناك كثير من المفاهيم المغلوطة تسود مفاهيم المجتمع وأسباب كثيرة، طبعاً لا يعني أن الرجل ليس مذنباً، لكن هذه أسباب تجعله يتمادى في الخطأ".

صورة تعبيرية
كيف تحوّل حرق ملاك لقضية رأي عام في العراق؟
وظهرت والدة ملاك في مقابلة مصوّرة مع قناة الشرقية العراقية، تروي زيارة ابنتها في المستشفى، وبداية شكّها في رواية أهل زوجها، واصفة الإفادة الموقعة من ابنتها بأنها "باطلة" كون الأخيرة لا تستطيع التوقيع على الإفادة بحكم الإصابة بيديها.
 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".