المرأة

أين تُدفن النساء ضحايا جرائم "غسل العار" في ذي قار العراق؟

رحمة حجة
27 مايو 2020

"تل المخطئات" هل هو حقيقة أم خيال؟

نشر الشاب العراقي مجتبى على حسابه في تويتر مجموعة تغريدات تتحدث عن تل في محافظة ذي قار جنوب العراق، وتحديداً شمال غرب الناصرية اسمه "تل المخطئات"، وهو مكان مخصّص لدفن النساء اللواتي يُقتلن على أيدي أفراد من عائلتهن تحت مسميات "غسل العار وجرائم الشرف".

ويأتي نشره بالتزامن مع الحملة العراقية الإلكترونية المستمرة منذ نحو 40 يوماً للضغط باتجاه تشريع قانون مكافحة العنف الأسري.

يقول مجتبى لـ"ارفع صوتك" إنه لا يعلم شيئاً حول هذا التل على أرض الواقع، وقرأه لتوّه قبل نقله لصفحته.

ولخّص الموضوع شاب مصري يدعى أحمد، في تويتر، بهذه التغريدة، التي لاقت ردود فعل مصدومة من الأمر من الفتيات عليها، فيما اتهمه عراقيون بالكذب وأكدّوا أن هذا التل ليس موجوداً في العراق.

ومن تعليقات الفتيات على تغريدته، قالت ريفن: "أنا لو انتحرت هيبقا مكتوب فرساله انتحاري ان الوداع دا بسبب اللي بسمعه وبشوفه من كتر م الناس كرهتني فالعالم بسلوكها وتصرفاتها".

وكتبت أحلام "هم من داخلهم عارفين انهم عنصريين تجاة المرأة وعارفين انهم ما كرموا المرأة يحبون يستخدمون هالكلام حتى يسيطرون على ثقافة القطيع اللي معيشة الذكر مَلك والانثى مملوكة مثل إدعاء نقصان عقل المرأة لعاطفتها بينما الواقع يقول الذكر مايتحمل يشوف صايم يفطر بينما المرأة هي تطبخ للذكر علفه".

فيما علقت مروى "البنت بتنظلم من يوم ميلادها وطول حياتها لحد ما تموت وده بسبب انها بنت".

إلا أن تعليقاً ملفتاً لمغرّد عراقي يُدعى حسوني البغدادي "حتى لوكان صحيح برأيك ماذا نفعل معها نعطيها ورد مثلا؟ فقدت شرفها وسمعة أهلها وسودت وجوهم فمصيرها واحد كما ذكرت انت". 

سألنا العديد من أهالي مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، وأغلبهم لا يعلمون شيئاً حول هذا التل، لكن الأمر ليس كذبة.

إكرام الميت "ليس دفنه"

النص الذي تم تناقله عبر تطبيق تلغرام ثم مواقع تواصل اجتماعي أخرى، يعود فعلياً لتحقيق نُشر عام 2012، أعدّته جنات الغزّي لجريدة المساواة العراقية، بعنوان "تل المخطئات.. المثوى الأخير للأنثى الشرقية باسم الشرف".

 والجريدة أسبوعية مطبوعة مختصة بالقضايا النسوية، تصدر عن منظمة "حرية المرأة في العراق". 

وجاء في نص التحقيق، أن التل "يقع في الشمال الغربي لمدينة الناصرية وفي المناطق العائدة لناحية البطحاء (40 كلم شمال غرب الناصرية) وبالقرب من مدينة أور الأثرية حيث تكثر هناك التلال الأثرية مما يجعلها منطقة ملائمة لتكون مدفناً لمن يتم قتلها باسم غسل العار، بعيداً عن أعين الناس والقانون".

وتضيف الكاتبة "عند تحرّينا عن تلك التلال التي يسميها الأهل (الايشان) اكتشفنا أنها تلال أثرية وهي بقايا معابد لحضارات قامت في هذه المناطق قبل آلاف السنين بل إن كلمة (ايشان) المستخدمة حاليا من قبل السكان المحليين هي كلمة سومرية وتعني التل".

"ذلك التل وكثيرُ على شاكلته يُعد مرتعا للذئاب والكلاب السائبة أو الثعالب وغيرها من الحيوانات التي تنبش القبور أو بالأصح الحفر التي تُدفن بها المغدورات دون مراعاة حق الميت بدفن لائق من ناحية الطقوس الدينية المتعارف عليها وهناك أيضا من يحرق جثثهن أو يُمثل بهاٍ، حيث يُدفّن –إن دُفّن- بملابسهن دون تكفين أو تلقين" تتابع الغزّي.

أما سبب دفن النساء في تلك التلال، فيعود إلى الاعتقاد بأن "المجني عليهن لا يستحققن الدفن في المناطق المخصصة لبقية الموتى ويعتبرونها مناطق مقدسة لا ينبغي تدنيسها بجثث (المخطئات)، وأيضاً لأنها مناطق اعتادت بعض العشائر على دفن الأطفال فيها ووجود الناس قربها لن يثير الشك بوجود جريمة، بالإضافة إلى أنها مرتفعة ستكون بمأمن من الغرق في حالة حدوث فيضان قد يفضح وجود الجثث فيها".

ويؤكد الباحث التاريخي من الناصرية، محمد الحسيني لـ"ارفع صوتك" ما ورد أعلاه، مضيفاً أن القبائل عادة وحين تتم حالة قتل باسم "الشرف" يتم دفن النساء في التلال الأثرية، لتجنب المحاسبة القانونية".

وينفي أن يكون هناك تل بعينه يحمل اسم "تل المخطئات".

من الشطرة شمال الناصرية، يؤكد مصدر خاص لـ"ارفع صوتك" تحفّظ على ذكر اسمه، أن النساء اللواتي يُقتلن تحت مسمى "غسل العار" لا يتم دفنهن عادة.

يقول "يتم قطع رأس الضحية كي لا تُعرف هويتها وتُرمى في الأراضي الزراعية أو على الطرق الخارجية".

ويضيف "الحكم العشائري أقوى من سلطة الدولة".

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".