المرأة

أيزيدية أم لـ3 أطفال تعمل في إزالة ألغام داعش

دلشاد حسين
01 يوليو 2020

تواصل الأيزيدية هناء قاسم خضر، منذ أربع سنوات وحتى الآن العمل ضمن فرق إزالة الألغام والمخلفات الحربية التابعة لمنظمة (MAG) في قضاء سنجار غرب الموصل، بهدف إعادة الحياة إليه إثر تعرض سكانه للإبادة الجماعية على يد تنظيم داعش صيف 2014.

لم تفارق مشاهد الكارثة التي حلت بسنجار  وأهلها، مخيلة هناء (28 عاما)، بعد أن نجت هي وعائلتها بالنزوح إلى جبل سنجار، وفيه عاشوا أياما صعبة جدا قبل نزوحهم إلى محافظة دهوك في إقليم كردستان، ويعيشوا في مخيمات النازحين.

وطوال فترة النزوح كانت هناء تنتظر تحرير سنجار كي تنضم إلى المنظمات الإنسانية لخدمة مدينتها، كما تقول لـ"ارفع صوتك".

وتضيف هناء وهي من سكان بلدة خانصور قضاء لسنجار "بعد تحرير سنجار خاصة الجزء الشمالي من جبل سنجار دخلت منظمة (MAG) القضاء، وهي منظمة دولية غير حكومية تساعد الأشخاص من خلال إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة، لذلك قررت العمل ضمن فرقها لإزالة الألغام والعبوات الناسفة ومخلفات الحروب التي خلفها تنظيم داعش، بهدف مساعدة مجتمعي وأهلي ومدينتي التي تضررت من الحرب والإرهاب كي تعود لها الحياة مجددا ويعود إليها أهلها".

وتتابع "أقود حاليا فريقين للكشف عن الألغام وإزالتها في سنجار، أحدهما مكون من النساء فقط والآخر مختلط من النساء والرجال".

 

آلاف الذخائر والمتفجرات

وحسب إحصائية رسمية حصل عليها "ارفع صوتك" من منظمة (MAG)، بلغت مساحة الأراضي التي طهرتها فرق المنظمة (18 فرقة و4 فرق التواصل المجتمعي) في سنجار، من الألغام والعبوات الناسفة والذخائر غير المنفجرة خلال السنوات الممتدة من 2016 ولغاية نهاية 2019 نحو  3.5 كيلو متر مربع، وبلغ عدد الألغام والعبوات الناسفة والذخائر الحربية غير المنفجرة فيها نحو 57130 قطعة حربية.

 وأشارت الإحصائية الى أن مساحة الأراضي المنظفة من الألغام خلال الأشهر الماضية من العام لحالي 2020 أقل من كيلو متر مربع، وجدت فرق المنظمة فيها نحو 476 قطعة حربية بين ألغام وعبوات ناسفة وذخائر غير منفجرة.

وتباشر هناء وفريقيها البحث عن الألغام والعبوات الناسفة منذ الصباح الباكر، حيث يبدأون مشوارا خطرا بين الأبنية والأراضي المفخخة بالألغام التي تركها داعش وراءه.

تقول لـ "ارفع صوتك": "عملنا يتمثل بإجراء مسح للأراضي المحددة وكشف الألغام ووضع الإشارات الخاصة على أماكن تواجدها كي يبدأ الفريق الخاص برفعها مهمته فيما بعد في إطار تطهير المنطقة منها".

وتتابع هناء وهي أم لثلاثة أطفال: "على الرغم من خطورة العمل، أجد دعما عائليا، وتشجيعا متواصلا".

وتصف عملها بـ"الصعب والخطر جدا" مضيفة "أنا لا أخاف رغم أننا معرضون في أي لحظة أن نخسر أرواحنا او نصاب بالعوق جراء انفجار هذه الأجسام والمخلفات الحربية الخطرة، لكن الإرادة والعمل من أجل خدمة الإنسانية والمجتمع ومعرفة تفاصيل العمل ونبذ الأفكار السلبية يدفعني إلى أن أحمي نفسي وفريقي من أي خطر يواجهنا يوميا".

 

بيوت مفخخة

قبل سيطرة داعش على سنجار كانت هناء لا تزال طالبة في الجامعة، وكان عملها الوحيد هو الاهتمام بشؤون العائلة والمنزل والدراسة، لكن بعد سيطرة داعش على سنجار اضطرت إلى ترك الدراسة بسبب ظروف المخيم والبدء بمرحلة جديدة من حياتها.

تقول  "أنا فخورة بنفسي وبالناس العاملين معي لأنني أساعد نفسي وعائلتي ومجتمعي في التخلص من مخلفات الحرب وممارسة الحياة الطبيعية في ظل الأمن والاستقرار، ويزداد هذا الفخر عندما ينظر لي سكان سنجار بفخر وأنا أمارس عملي اليومي".

وتنتظر المباشرة بعمل إزالة الألغام مع فريقيها قريبا بعد توقفه مارس الماضي بسبب الإجراءات الوقائية من تفشي فيروس كورونا.

ويذكر أن مساحات واسعة من الأراضي والعديد من المباني من العبوات الناسفة والمتفجرات في سنجار تحتضن كميات كبيرة من المتفجرات ومخلفات الحرب غير المنفجرة، خاصة جنوب القضاء حيث تعيق كثرة العبوات الناسفة والمتفجرات السكان من العودة إليه بالكامل فالكثير من البيوت مفخخة ولم يعد للمدينة حتى الآن سوى عدد قليل من سكانها.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".