المرأة

من الأنبار العراقية.. كتاب جديد موقع باسم 23 امرأة

رحمة حجة
13 نوفمبر 2020

"بعض الكاتبات عبرن عن رأيهن بالقول، إن الكتابة كانت حلماً و(كحل) حققه لهن" تقول الشابة العراقية هاجر زياد نواف، وهي إحدى المشرفات الثلاثة على إصدار كتاب "كحل" الذي ضمّ نصوصاً نثرية لـ22 امرأة.

وترواحت أعمار النساء الكاتبات بين 17 و٤٠ عاماً، جميعهن من محافظة الأنبار غرب العراق. 

تقول نوّاف لـ"ارفع صوتك": "النساء كنّ متخوفات من إظهار مواهبهن، لذا فإن هذا الكتاب يمثل دعماً وحافزاً لهن، كخطوة أولى للانطلاق".

وتشير إلى أن النشر في كتاب، يمثل تجربة أولى لغالبية المشاركات في "كحل"، ومنهن من تكتب عادة في مواقع التواصل أو تنشر في مجلات وصحف محليّة.

وتضيف نوّاف "عبر هذا الكتاب، نساعد النساء على الاستمرار وأن يكنّ قدوة لبنات جيلهن وبيئتهن، فالكتابة موهبة تستطيع المرأة إظهارها والفخر بها، رغم أن البيئة في الأنبار محافظة".

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Kohel (@kohel.2020)

 

 

حول الكتاب

حسب الموقع الإلكتروني للكتاب، فإن "كحل" نتاج عمل فريق "نساء الأنبار للسلام"، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، وتم تصميمه وتنفيذه خلال فترة الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا.

"ويعتبر ذلك إنجازاً كبيراً في مجال الأعمال والمشاريع الحديثة من خلال الاستفادة من وسائل التواصل والتكنولوجيا" يتابع الموقع.

ويتضمن الكتاب المتوفر إلكترونياً "نصوصاً وقصصاً قصيرة وخواطر ولوحات من فن الماندلا (....) والقصص معظمها حقيقية وواقعية من فترة الحجر الصحي ومواجهة فيروس كورونا، وأخرى تعبّر عن قوة المرأة وقدرتها في تحدي الكثير من الصعاب وثباتها لتحقيق أهدافها لتبقى كما عهدها الزمن مثابرة وخلاقة" حسبما تقول نوّاف، التي عملت إلى جانب رقية محمد العبيدي، وسميّة عفيف عايد في التخطيط والتنفيذ.

والكتاب ليس إلكترونياً فقط، حيث صدرت 100 نسخة مطبوعة منه، وسيتم إطلاقه في الثلاثين من نوفمبر الجاري، ضمن حفل توقيع في مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار.

تقول نوّاف "تم طباعة 100 نسخة أولية، وبعد أن حقق نجاحاً طلبت المنظمة الراعية تنفيذ 200 نسخة إضافية، وبهذا صدر 300 نسخة منه".

واللافت أن المشاركات في إعداد هذا العمل الأدبي لم يجتمعن إلا إلكترونياً، حيث منعت ظروف الحجر الصحي ذلك، وهو ميزة الكثير من إنتاجات ما بعد أزمة كوفيد-19.

تقول نوّاف "واجهنا الكثير من العقبات لكن الحمد لله تخطيناها بإصرارنا ومثابرتنا، حيث كنا نسهر لوقت متأخر في عدة ليال للعمل على تنفيذ الكتاب في الموعد المحدد، وخلال مدة زمنية قصيرة جداً لا تتجاوز الشهرين أو أقل، أتممناه".

 

الأثر الشخصي

وعن دورها وتأثير تجربة المشاركة في هذا الكتاب عليها شخصياً، تقول نوّاف لـ"ارفع صوتك": "أضافت لي الكثير، فهي أول مشروع أقوم بتنفيذه، ما أكسبني خبرة في تنفيذ وإدارة المشاريع ورسم الخطط، كما طور من مهاراتي الشخصية".

"وهذا ينطبق على جميع زميلاتي في العمل. كنا متعاونات جداً في تنفيذ جميع الخطوات" تضيف نوّاف.

وعن الكاتبات المشاركات، توضح نوّاف "أبدين إعجابهن وتفانيهن بتجربتهن الجديرة بالاهتمام" مشيرة إلى أن بعضهن تحمسن لإصدار كتب منفردة بعد مشاركتهن بـ"كحل".

والجدير ذكره، أن الكتاب ضمّ العديد من الرسومات للشابة آية جسام، التي اختارت فن الماندلا المرتبط بالديانة البوذية في مناطق التبت والصين والهند وغيرها، لتوائمه مع النصوص.

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Kohel (@kohel.2020)

 

هل هو نمطيّ؟

تحمل النصوص (أغلبها خواطر) منذ بداية الكتاب، نفساً وعظياً وتوجيهياً مباشراً للمرأة، بأن تفعل كذا وكذا، كما لا يوجد تميّز  لافت في لغة الكاتبات.

جزء من مقدمة الكتاب

 

إلا أن ما يعطيها طابعها الخاص، هو التجربة، أي أن أكثرهن عبرن عن تجارب شخصية، تتعلق بالحجر الصحي داخل البيت، أو أثناء العمل في المجال الطبي، بالإضافة إلى الحب، في زمن الكورونا والحرب وما بعدهما -إن كان بَعد قد أتى- وربما ليس من المألوف لهن أن يكون الحب حديثاً علنياً، لكنه هذه النصوص جعلت صوته مسموعاً.

هذا إلى جانب موضوعات أخرى، تتعلق بالحياة داخل العراق، والشوق إلى حياة طبيعية مستقرة، تُسمع فيها الموسيقى وتُراقَب بها الطبيعة، في استراحة من الحرب.

وتبدو أيضاً التسمية نمطيّة ومختزلة لامرأة واحدة، وصورة الغلاف كذلك، فما الأكثر تنميطاً لدور المرأة في المجتمع، من المرآة وأدوات التجميل؟

وإجابةً على هذا السؤال، تقول نوّاف إن "الكحل فيه دلالة على جمال المرأة وقوتها بنفس الوقت، فالمرأة في أشد حالاتها لا تستغني عن كحلها، وتبرز جاذبيتها وقوتها وإصرارها".

"كما أن العمل كان نسائياً بحتاً من حيث الفكرة والتنفيذ والتخطيط لذلك اقتضى أن يكون الكتاب نسائياً خالصاً" تختم نوّاف حديثها.

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".