"مبدأ التحويل"... العنف ضد المرأة، ما مصدره؟
"أحرز العالم تقدما غير مسبوق، إلا أن تحقيق المساواة بين الجنسين هو الهدف الذي لم تحققه أي دولة"، هذا ما تراه هيئة الأمم المتحدة في ملف العنف ضد المرأة.
ويضيف تقرير للهيئة أن القيود القانونية "منعت ما يزيد من ملياري ونصف المليار امرأة من اختيار الوظائف مثل الرجال، فضلا عن عدد البرلمانيات في العالم قبل 2019 لم يكن يزيد عن 25%. ولم تزل واحدة من كل ثلاث نساء تعاني من العنف القائم على النوع الاجتماعي".
تقرير المنظمة يتناول المرأة في كل العالم، وهذا يغير من النظرة السائدة بأن العنف ضد المرأة مقترن بالمجتمع الشرقي.
لكن ما لا يمكن إنكاره أن ينتشر بشكل أكبر في هذا المجتمع.
فما هو مصدر العنف الذي يمارسه الرجل ضد المرأة؟
مبدأ التحويل
تقول أستاذة علم النفس ندى العابدي "دائما يدفع الثمن هي الحلقة الأضعف في الأسرة، والتي هي عادة المرأة والطفل".
وترى العابدي أن "العقلية الذكورية هي أحد الأسباب العنف"، موضحة في حديث لموقع (ارفع صوتك)، أن هناك مبدأ في علم النفس يسمى "مبدأ التحويل"، ويعني أن "الشخص عندما تكون لديه مجموعة ضغوط نفسية واقتصادية واجتماعية، هو لا يستطيع الانتقام من المنظومة الاجتماعية أو ممن يتسبب له بكل تلك الضغوطات، لذلك يحول هذه الضغوطات إلى عنف ضد الجزء الأضعف في حياته، أو من يستطيع أن يؤذيهم، وبالعادة تكون هي المرأة".
وتضيف العابدي أن استخدام المخدرات والعقاقير المهدئة بسبب للهروب من تلك المشاكل والضغوطات سبب مهم من أسباب العنف ضد المرأة، فهي "تجرد الإنسان من آدميته وتحوله إلى وحش كاسر، الذي يبحث على الإيقاع بالجزء الأضعف في المجتمع وهي المرأة".
الجانب الاقتصادي
وبالعودة إلى تقريري هيئة الأمم المتحدة فأنه لا يمكن لأي بلد أن يعلن أنه حقق المساواة بين الجنسين، وأن النساء والفتيات ما زلنّ "يعانين من البخس، فهن يعملن أكثر ويكسبن أقل وخيارتهن أقل، ويعانين من أشكال متعددة من العنف في المنزل وفي الأماكن العامة".
ويتابع "علاوة على ذلك، يوجد تهديد كبير بتراجع المكاسب النسوية التي تحققت بشق الأنفس".
وتعلق أستاذة علم النفس أن "مشكلة العقلية الذكورية في المجتمعات العربية أنها تسيطر على المرأة نفسها، فنجد عدم إيمان المرأة بالمرأة وتسليمها للذكر واعتقادها أنها مخلوق ثاني والذكر هو الأفضل".
وتشير العابدي "لذلك نجد النساء المستقلات، وخصوصا اللاتي لديهن استقلال اقتصادي هن أقل تعرضا للعنف من النساء التي تعيش تحت رحمة الذكر".
وتلفت أستاذة علم النفس إلى أنه الخطورة في معاداة المرأة للمرأة، موضحة "نرى مثلا أم الزوج أو أخته لا تقف إلى جانب المرأة في حال تعرضت للعنف، بل تحرض الزوج على تعنيف زوجته أو ابنته، وهذا الشيء منتشر في المجتمع الشرقي".
وتتابع "وهذا سببه عدم تعلم وقلة ثقافة المرأة أو تعرضها للتعنيف سابقا وبقي عقدة راسخة في ذهنها".
مواقع التواصل ومشاهد العنف
ومن الأسباب الأخرى التي ساهمت في زيادة العنف الأسري وخصوصا ضد المرأة هو الانفتاح على العالم وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعتبر استاذة علم النفس العابدي أن خطورة هذا الانفتاح هي في "كثرة مشاهد القتل والضرب والعنف والدمار، التي قتلت لدى الإنسان جزء من إنسانيته".
وتضيف "الكثير من الناس أصبح يعيش حالة اكتئاب وتوتر وعنف وبدأ يترجم إلى مظاهر عنف".
النظرة الدينية
تعمل م. سلمان في مكتب محاماة بمدينة جدة السعودية، وتنشط في قضايا المرأة وتتابعها من خلال علمها وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ترفض سلمان الفكرة التي تربط بين العنف ضد المرأة وبين ما ورد بشأنها في الدين الإسلامي.
وتعلق "العنف موجود في كل المجتمعات وليس فقط المسلمة، في أوروبا والولايات المتحدة ودول أميركا الجنوبية، يكاد لا يخلو مجتمع من هذا النوع من العنف".
لكنها لا تنكر في الوقت نفسه الانتشار الكبر للعنف في المجتمع العربي، موضحة في حديث لموقعنا "الأمر ليس له علاقة بالدين أو القومية بل يتعلق بالقوانين، على سبيل المثال كان الجميع يرفض قيادة المرأة للسيارة وعندما شرع قانون يسمح لها بالقيادة نزلت للشارع وقلت بشكل كبير الرفض المجتمعي".
وتؤكد سلمان أن "الطبيعية السلطوية الذكورية تدفع بالرجل إلى ممارسة الأساليب الشديدة مع المرأة، والتي تصل إلى العنف أحيانا، يساعده في ذلك دوره في توفير الحاجات المادية للعائلة".
وهذا الشيء سببه تراكمي جراء الأعراف السائدة عبر القرون "في المجتمع الخليجي على الأقل"، بحسب سلمان.
وتتابع "لو وجدت قوانين تحاسب بشدة على أي نوع من أنواع العنف سيتغير الواقع كثيرا".
وتؤيد العابدي ما ورد على لسان سلمان، وتضيف "في مجتمعاتنا هناك مرجعيات قانونية ودينية وعشائرية، عندما تضعف مرجعية القانون يلجأ المجتمع إلى مرجعية العشيرة".
وتختتم "الإنسان بطبيعته فوضوي ولديه نوع من العدائية إذا لم تهذيبها بالقانون تتحول إلى عدائية منفلتة".