المرأة

شفاء من الحرب ورعب من "خسارة الزوج".. عمليات التجميل في العراق

17 ديسمبر 2020

لا شيء يجعل هناء حسنين (63 عاماً) تشعر بأنها ما زالت حسنة المظهر، أكثر من أن تخفي التجاعيد عن وجهها، وترتدي ثياباً مرتبطة بالشباب واليوية.

لذلك، تواظب من شهور على إجراءات تجميلية، مثل حقن "الفيلر" و"البوتكس" لوجهها، وإذابة شحوم البطن والأرداف والفخذين والذراعين.

لدى هناء أربعة أبناء وسبعة أحفاد، تقول لـ"ارفع صوتك": "كنت أعاني من تهديد زوجي المتواصل بالزواج مرة ثانية، وحجته إهمالي لشكلي ووزني الزائد".

"حتى أصبت بالاكتئاب وفقدت الثقة وامتلأت بالإحباط، لولا صديقة اقترحت عليّ اللجوء لعمليات التجميل، وبعدها شعرت أن وضعي تحسّن"، تضيف هناء.

وبسبب هذه العمليّات، صار زوجها وكل من يراها يعتقد أنها الآن "أجمل وأصغر بكثير من عمرها الحقيقي".

 

مستشفى الواسطي

في تصريح سابق له، أكد مدير مستشفى الواسطي المتخصص بجراحة التجميل والتقويم عباس الصحن، أن "الجراحة التجميلية من أكثر الجراحات ازدهاراً وانتشاراً حالياً، لحاجة المجتمع إليها، وهي متقدمة في العراق، والدليل على ذلك أنها بدأت بشخص واحد والآن يوجد أكثر من 200 جراح تجميل وتقويم، موزعين في أنحاء البلاد".

ومن أكثر عمليات التجميل انتشارا في العراق، تجميل الأنف، وشفط الدهون وعمليات شدّ الجفون والوجه وتشوهات الأذن، وما يلفت النظر أن نسبة الذكور الذين يجرون عمليات تجميل الأنف ارتفعت حتى وصلت إلى نحو 40% من عدد المراجعين.

وقال الصحن "بلدنا مر بحروب مختلفة وبحالات استثنائية كثيرة وبظروف أمنية صعبة، تعرض فيها العديد من المواطنين إلى مشاكل كثيرة في الشكل والصحة وحتى الحالة النفسية، لكن بعد تحسن الوضع الأمني والقضاء على داعش فإن ذلك انعكس بصورة إيجابية على زيادة عمليات التجميل".

وتابع أن الجراحة التجميلية "ليست مساعدة في الشكل فقط، بل في زيادة الثقة بالنفس، وهي مطلوبة في الجانب الوظيفي لأن مظهر الإنسان مهم، وهناك كثير من المهن تتطلب أن يظهر الإنسان بصورة لائقة".

 

"جلب العار"!!

من جهة أخرى، تقول نادية رافع (59 عاماً)، لـ"ارفع صوتك": "يبدو أن رغبتي في القيام بعملية تجميل شيء ونظرة المجتمع شيء آخر".

فتجربة الاستعانة بمواد الحقن والعمليات التجميلية، توصم بـ"جلب العار حسب المجتمع، حتى وإن حصلت المرأة على إذن وترحيب من أسرتها لإجراء تلك العمليات" حسبما تقول نادية.

وتلقي  الضوء على الآثار النفسية للكلام العنيف الذي كانت تتعرض له بعد إجراء عملية جراحية تجميلية لتخفيض وزنها وشد وجهها، تقول "من العبارات التي كنت أسمعها من المعارف والأصدقاء بل وحتى الغرباء (بعد ما شاب ودّوه للكتاب)، أو (رجليها بالگبر وتريد تاخذ عمر ثاني فوگق عمرها)، وغيرها الكثير من الكلمات الجارحة". 

ولكن أكثر ما كان يُتعب نفسية نادية ويدفعها للشعور بالندم هو "تأنيب أولادها لها، اللذان يقولان لها إنهما يخجلان من شكلها بعد إجراء العملية الجراحية ويشعران بالعار وهما برفقة أقرانهم إذا ما جاء ذكر كلمة الأم".

 

جمال المرأة "جريمة"

"باختصار، يبني المجتمع العراقي نظرته تجاه المرأة عادة على مظهرها الخارجي سواء بوجود عمليات تجميل أو لا"، تقول الخبيرة الاجتماعية ساهرة حبيب لـ "ارفع صوتك". 

وتضيف "كلما تزايد اهتمام المرأة بمظهرها وهندامها في الشارع، لحقتها النظرة السلبية، خاصة إذا كانت كبيرة السن".

وتقول حبيب إن المشكلة بالأساس تتعلق بتركيبة المجتمع المحافظة، التي "ترى من العار أن تحاول كبيرة السن الاعتناء بمظهرها من منطلق أن حياتها بدأت بالانتهاء وأن واجبها الآن الاعتناء بغيرها لا بنفسها ومظهرها".

وتتابع "كما أن اهتمام كبيرات السن بمظهرهن إلى درجة القيام بعمليات تجميل، يربطه المجتمع بالمرأة التي تمارس مهنة تعتمد بالأساس على حسن مظهرها أو جمالها وشبابها، وأقصد تحديدا الدعارة والسمسرة بهذا الشأن". 

وتؤكد حبيب، أن "جمال المرأة قد يعد جريمة يحاسبها المجتمع عليها ويطعن بأخلاقها، بينما يسمح هذا المجتمع ذاته للرجل الكبير أو الطاعن في السن بتحسين مظهره عبر عمليات التجميل سواء كانت رغبته الزواج ثانية أو لا". 

وترى الخبيرة أن هوس النساء كبيرات السن تحديدا بعمليات التجميل يعود بالأساس لعدم تقبل الزوج تغير مظهر زوجته بعد تقدم عمرها أو امتلاء وجهها بالتجاعيد أو تزايد وزنها وغيرها من إهمال المرأة مسألة الاعتناء بنفسها. 

وتشير إلى أن  "أهم الأسباب التي تضطر فيها المرأة لعمليات التجميل هو للحفاظ على زوجها خشية أن يتزوج بامرأة أخرى ويتركها، خاصة من اللواتي يفرطن في الاهتمام بمظهرهن وجمالهن".

وتتراوح تكاليف العمليات التجميلية في العراق ما بين (300 – 4000) دولار أميركي، وفق شهرة الطبيب المتخصص.

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".