شفاء من الحرب ورعب من "خسارة الزوج".. عمليات التجميل في العراق
لا شيء يجعل هناء حسنين (63 عاماً) تشعر بأنها ما زالت حسنة المظهر، أكثر من أن تخفي التجاعيد عن وجهها، وترتدي ثياباً مرتبطة بالشباب واليوية.
لذلك، تواظب من شهور على إجراءات تجميلية، مثل حقن "الفيلر" و"البوتكس" لوجهها، وإذابة شحوم البطن والأرداف والفخذين والذراعين.
لدى هناء أربعة أبناء وسبعة أحفاد، تقول لـ"ارفع صوتك": "كنت أعاني من تهديد زوجي المتواصل بالزواج مرة ثانية، وحجته إهمالي لشكلي ووزني الزائد".
"حتى أصبت بالاكتئاب وفقدت الثقة وامتلأت بالإحباط، لولا صديقة اقترحت عليّ اللجوء لعمليات التجميل، وبعدها شعرت أن وضعي تحسّن"، تضيف هناء.
وبسبب هذه العمليّات، صار زوجها وكل من يراها يعتقد أنها الآن "أجمل وأصغر بكثير من عمرها الحقيقي".
مستشفى الواسطي
في تصريح سابق له، أكد مدير مستشفى الواسطي المتخصص بجراحة التجميل والتقويم عباس الصحن، أن "الجراحة التجميلية من أكثر الجراحات ازدهاراً وانتشاراً حالياً، لحاجة المجتمع إليها، وهي متقدمة في العراق، والدليل على ذلك أنها بدأت بشخص واحد والآن يوجد أكثر من 200 جراح تجميل وتقويم، موزعين في أنحاء البلاد".
ومن أكثر عمليات التجميل انتشارا في العراق، تجميل الأنف، وشفط الدهون وعمليات شدّ الجفون والوجه وتشوهات الأذن، وما يلفت النظر أن نسبة الذكور الذين يجرون عمليات تجميل الأنف ارتفعت حتى وصلت إلى نحو 40% من عدد المراجعين.
وقال الصحن "بلدنا مر بحروب مختلفة وبحالات استثنائية كثيرة وبظروف أمنية صعبة، تعرض فيها العديد من المواطنين إلى مشاكل كثيرة في الشكل والصحة وحتى الحالة النفسية، لكن بعد تحسن الوضع الأمني والقضاء على داعش فإن ذلك انعكس بصورة إيجابية على زيادة عمليات التجميل".
وتابع أن الجراحة التجميلية "ليست مساعدة في الشكل فقط، بل في زيادة الثقة بالنفس، وهي مطلوبة في الجانب الوظيفي لأن مظهر الإنسان مهم، وهناك كثير من المهن تتطلب أن يظهر الإنسان بصورة لائقة".
"جلب العار"!!
من جهة أخرى، تقول نادية رافع (59 عاماً)، لـ"ارفع صوتك": "يبدو أن رغبتي في القيام بعملية تجميل شيء ونظرة المجتمع شيء آخر".
فتجربة الاستعانة بمواد الحقن والعمليات التجميلية، توصم بـ"جلب العار حسب المجتمع، حتى وإن حصلت المرأة على إذن وترحيب من أسرتها لإجراء تلك العمليات" حسبما تقول نادية.
وتلقي الضوء على الآثار النفسية للكلام العنيف الذي كانت تتعرض له بعد إجراء عملية جراحية تجميلية لتخفيض وزنها وشد وجهها، تقول "من العبارات التي كنت أسمعها من المعارف والأصدقاء بل وحتى الغرباء (بعد ما شاب ودّوه للكتاب)، أو (رجليها بالگبر وتريد تاخذ عمر ثاني فوگق عمرها)، وغيرها الكثير من الكلمات الجارحة".
ولكن أكثر ما كان يُتعب نفسية نادية ويدفعها للشعور بالندم هو "تأنيب أولادها لها، اللذان يقولان لها إنهما يخجلان من شكلها بعد إجراء العملية الجراحية ويشعران بالعار وهما برفقة أقرانهم إذا ما جاء ذكر كلمة الأم".
جمال المرأة "جريمة"
"باختصار، يبني المجتمع العراقي نظرته تجاه المرأة عادة على مظهرها الخارجي سواء بوجود عمليات تجميل أو لا"، تقول الخبيرة الاجتماعية ساهرة حبيب لـ "ارفع صوتك".
وتضيف "كلما تزايد اهتمام المرأة بمظهرها وهندامها في الشارع، لحقتها النظرة السلبية، خاصة إذا كانت كبيرة السن".
وتقول حبيب إن المشكلة بالأساس تتعلق بتركيبة المجتمع المحافظة، التي "ترى من العار أن تحاول كبيرة السن الاعتناء بمظهرها من منطلق أن حياتها بدأت بالانتهاء وأن واجبها الآن الاعتناء بغيرها لا بنفسها ومظهرها".
وتتابع "كما أن اهتمام كبيرات السن بمظهرهن إلى درجة القيام بعمليات تجميل، يربطه المجتمع بالمرأة التي تمارس مهنة تعتمد بالأساس على حسن مظهرها أو جمالها وشبابها، وأقصد تحديدا الدعارة والسمسرة بهذا الشأن".
وتؤكد حبيب، أن "جمال المرأة قد يعد جريمة يحاسبها المجتمع عليها ويطعن بأخلاقها، بينما يسمح هذا المجتمع ذاته للرجل الكبير أو الطاعن في السن بتحسين مظهره عبر عمليات التجميل سواء كانت رغبته الزواج ثانية أو لا".
وترى الخبيرة أن هوس النساء كبيرات السن تحديدا بعمليات التجميل يعود بالأساس لعدم تقبل الزوج تغير مظهر زوجته بعد تقدم عمرها أو امتلاء وجهها بالتجاعيد أو تزايد وزنها وغيرها من إهمال المرأة مسألة الاعتناء بنفسها.
وتشير إلى أن "أهم الأسباب التي تضطر فيها المرأة لعمليات التجميل هو للحفاظ على زوجها خشية أن يتزوج بامرأة أخرى ويتركها، خاصة من اللواتي يفرطن في الاهتمام بمظهرهن وجمالهن".
وتتراوح تكاليف العمليات التجميلية في العراق ما بين (300 – 4000) دولار أميركي، وفق شهرة الطبيب المتخصص.