المرأة

العراق بينها.. قوانين دول عربية تعاقب على التحرش الجنسي في أماكن العمل

08 مارس 2021

في 8 مارس من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للمرأة، في وقت لم تحقق أي دولة هدف المساواة بين الجنسين، بحسب بيان الأمم المتحدة، اليوم الإثنين.

واعتبرت الأمم المتحدة في بيانها أن هذا التاريخ هو مناسبة للدعوة إلى "التغيير وللاحتفال بأعمال النساء وشجاعتهن وثباتهن في أداء أدوار استثنائية في تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن".

ووفقاً للبيان، فإن القيود القانونية منعت ما يزيد من ملياري ونصف المليار امرأة من اختيار الوظائف مثل الرجال. علماً أن للنساء مشاكل ومعوقات أخرى تصادفهن بأماكن عملهن، وأبرزها التحرش الجنسي.

نسب التحرش في أماكن العمل

وعن نسبة التحرش في أماكن العمل وبحسب بيانات منظمة العمل الدولية لعام 2021، تتعرض 77% من الإناث في أفريقيا، 45%-55% في أوروبا، 30%-50% في أميركا اللاتينية، 30%-40% في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، لهذه الظاهرة. فكيف تتعامل قوانين الدول العربية مع هذا الواقع؟  

اجتمعت القوانين العربية على تجريم التحرش بموجب قانون العقوبات، بينما لم تخصص جميعها عقوبة واضحة لإدانة المُتحرش في مكان العمل.

الأردن

وهنا قال المحامي الأردني، أحمد عواد، في حديث لموقع "الحرة"، إن "قانون العمل الأردني ينص صراحة على عدم جواز التحرش مع منح الحق للموظفة الضحية ترك العمل دون إشعار مع احتفاظها بحقوقها القانونية عن انتهاء الخدمة وما يترتب لها من تعويضات وفقاً للمادة 26 منه".

وأوضح عواد أن "أهمية وجود هذا النص تكمن في إمكانية الموظفة مقاضاة المجرم مدنيا أمام محاكم العمل، وجزائيا أمام الهيئات المختصة".

هذا وسجلت دراسة علمية أجرتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة قبل نحو عامين وشملت 1366 شخصا، غالبيتهم من الإناث، نسبة معدل انتشار التحرش الجنسي بأنواعه المختلفة بـ 75.9%.

وفي دراسة أجرتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية عام 2018 تبين أن 75.3% من الأردنيات اللواتي تعرضن للتحرش في مكان العمل لم يفكرن في اتخاذ إجراءات قانونية.

وعن هذه الأرقام، اعتبر عواد أن "على المشرع إجراء تعديلات أو إصدار مراسيم تنفيذية لتأمين سبل وسرية المقاضاة على هذا الفعل غير المقبول اجتماعيا".

العراق

كما ذكرت الناشطة الحقوقية، ديالا فرج، أن "التحرش في أماكن العمل يعتبر من جرائم الوظيفة، وتم الإشارة إليه صراحة في قانون العمل".

وأضافت فرج، في حديث لموقع "الحرة"، أن "قانون العمل العراقي لا يميز بين الذكر والأنثى لهذه الناحية ، فهو يعرف التحرش بأنه أي سلوك جسدي أو شفهي ذي طبيعة جنسية، أو أي سلوك آخر يستند إلى الجنس، ويمسّ كرامة النساء والرجال (..)".

واعتبرت فرج أن "المشكلة هي في عبء الإثبات الذي يجب رفعه عن عاتق المرأة الضحية لتشجيعها التقدم بدعاوى أمام المحاكم المختصة".

يذكر أنه لا يوجد أي إحصاء رسمي عراقي عن نسبة التحرش في أماكن العمل، بل أشارت بعض الاستبيانات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن 80% من النساء سمعن أو شاهدن حالات تحرش في أثناء العمل بينما 42% تعرضن للتحرش بنحو مباشر.

مصر

في المقابل، أعربت المحامية المصرية، جواهر ثريا، في حديث لموقع "الحرة"، عن أسفها لعدم وجود نص في قانون العمل أو العقوبات يتحدث عن هذا النوع من التحرش.

يشار إلى أن دراسة أجرتها قبل سنوات هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع مؤسسات مصرية، أظهرت تعرض أكثر من 99% من الإناث إلى شكل من أشكال التحرش، بما في ذلك في أماكن العمل.

لبنان وسوريا

من جهتها، أشارت المحامية السورية، ديما حسانة، في حديث لموقع "الحرة"، أن "قانون العمل السوري في المادتين 65 و66 تحدث عن المضايقات التي تصدر عن رب العمل بحق الموظفين ومنها الأفعال المنافية للحشمة".

وأضافت أن "غياب نص يعاقب على التحرش ساهم في ترك الكثير من السوريات عملهن دون القدرة على مقاضاة المُتحرش  وتحصيل تعويضات مالية من رب العمل".

وفي لبنان، أقر مجلس النواب في ديسمبر 2020 "اقتراح القانون الرامي إلى معاقبة جريمة التحرش الجنسي لاسيما في أماكن العمل"، ونص على أن "عقوبة التحرش الجنسي السجن حتى عام وبغرامة تصل إلى عشرة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور. وفي بعض  الظروف، بما فيها التبعية أو علاقة عمل، يُعتبر التحرّش جريمة خطيرة، وتزداد فترة السجن إلى أربعة أعوام، والغرامات إلى 50 ضعف الحدّ الأدنى للأجور".

وهنا علقت المحامية اللبنانية، نانسي المولى، في حديث لموقع "الحرة"، بالقول: "المشكلة في التطبيق والمثول أمام المحاكم، فمن الصعب على الضحية التقدم بالدعوى أمام أي موظف وعلى العلن، مع طلب توثيقها لأقوالها".

دول الخليج

 في قوانين عمل دول الخليج، لم ينص صراحة على التحرش بل تم الإشارة إلى ما وصف بالاعتداء من قبل صاحب العمل أو الأفعال المخلة بالآداب، على نحو معه يفهم من نصها المعاقبة على أفعال الاعتداء بالعنف أو التحرش بصورة غير صريحة.

وبحسب  اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن العنف والتحرش، تعرف العنف والتحرش بأنه "نطاق من السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أو تكررت، التي تهدف، تؤدي، أو يحتمل أن تؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي، نفسي، جنسي، أو اقتصادي، وتشمل العنف والتحرش على أساس النوع الاجتماعي".

وتقر بحق كل فرد في جو عمل خال من العنف والتحرش، بما في ذلك العنف والتحرش على أساس النوع الاجتماعي، موفرة حماية واسعة تنطبق على القطاعين العام والخاص، والاقتصاد المنظم وغير المنظم، وفي المناطق الحضرية والريفية.

الحرة / خاص - دبي

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".