عرضت جهات عراقية محلية وأخرى سورية وسعودية، تقديم العلاج للفتاة العراقية مريم الركابي (16 عاماً)، وذلك بعد التداول الواسع لقصتها المأساوية، في مواقع التواصل الاجتماعي.
من بينها، كان الإعلان الرسمي بتبنّي تكاليف علاجها، من رجل الأعمال العراقي ورئيس قناة "الشرقية" الفضائية سعد البزاز.
وعبر صفحته في تويتر، ذكر الصحافي العراقي سيف صلاح الهيتي، أن جهات عدة مهتمة بعلاج مريم، ساعياً للتواصل مع ذويها.
كما أطلقت الإعلامية العراقية رفيف الحافظ، حملة تبرعات لدعم علاج مريم، عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك، وأسهمت من خلال حملة إعلامية عبر قناة "INews" الفضائية، في تسليط الضوء على قضية مريم، وتحشيد الرأي العام لصالحها.
كما تقف القناة نفسها وراء هاشتاغ #أنقذوا_الأميرة_مريم الذي تم تداوله بشكل واسع في الصفحات العراقية على مواقع التواصل، ابتداء من يوم الأربعاء الماضي 15 ديسمير.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، أطلقت الباحثة العراقية رشا العقيدي حملة تبرعات لدعم مريم الركابي. جمعت الحملة لحد الساعة حوالي 27 ألف دولار.
I'm raising money for Help Maryam Al Rukabi Recover from Acid Attack. Click to Donate https://t.co/2nGJYgklij
— Rasha Al Aqeedi (@RashaAlAqeedi) December 16, 2021
قصة مريم
مريم، طالبة سنة ثانية في معهد الفنون الجميلة بجامعة المنصور في العاصمة بغداد، وفق ما قالت والدتها، خلال لقاء تلفزيوني مع قناة "الشرقية".
وأوضحت أن ابنتها وعبر أحد مواقع التواصل، تبادلت الحديث مع شاب يكبرها بثلاث سنوات، وهذا الشاب أبدى إعجابه بها لاحقاً، ليتواصل مع العائلة طالباً الزواج بمريم، فقوبل بالرفض، نظراً لأنها "صغيرة السن والأولوية لإكمال دراستها".
وأشارت الأم إلى أن هذه الواقعة حدثت قبل ست شهور، مضيفةً "بعد مدة من طلب الشاب الزواج وإصراره على ذلك، تواصلت معنا فتاة من صفحة على إنستاغرام تبدو حديثة معدّة لغرض الحديث مع مريم فقط، طلبت في رسائلها عدم القبول بالشاب، بسبب سمعته السيئة".
هذا الأمر دفع عائلة مريم للتواصل مجدداً معه، وبين أخذ ورد وتحرٍ، بعثت الفتاة مجدداً رسالة ولكن هذه المرة "معتذرة" عمّا قالته مسبقاً، ولكن القصة لم تنته، لأن الشاب "عاود طلب الزواج بمريم" حسب قول والدتها.
استمر الطلب وكان الرفض، وبعد فترة وجيزة، تعرضت مريم لاعتداء بحرق وجهها بمادة "التيزاب" (اسمها العلمي حمض النتريك، ويطلق عليها أيضاً: ماء النار أو الأسيد أو ماء البطارية).
تقدمت العائلة ببلاغ للشرطة فور وقوع الاعتداء، ووصلت للقضاء، ولكن منذ حوالي ستة أشهر، لم يستجد شيء في القضية، على الرغم من تأكيد والدي مريم بأن الأدلة "تشير إلى الشاب نفسه وهو مرتكب الجريمة".
وفي لقاء تلفزيوني سابق، مع قناة "آي نيوز" قال والد مريم "أنا ووالدتها كنا في العمل ومريم وشقيقها وزوجته في البيت. دخل مجرم إلى البيت وقام بسرقة موبايلها وسكب التيزاب عليها وهي نائمة".
وناشد رئيس مجلس القضاء "النظر في القضية بجدية".
فيما قالت والدتها، إن "كاميرات المراقبة صورت المجرم وهو ملثم ويسير في الشارع ومعه حقيبة وعصا" مشيرةً إلى أنه طليق لغاية الآن.
وتعرض وجه مريم لتشوهات كبيرة، عدا عن إصابتها بضعف السمع، حسب تأكيد والدتها في مقابلتها مع "الشرقية".
وبيّنت في نفس المقابلة، أن "الشرطة المحلية التي أرسلت بعض عناصرها لمكان الحادث بعد ساعات قليلة من وقوعه وتحرّت البصمات وغيرها، لم تتعاون مع العائلة" مشيرةً إلى أن أحدهم وهو ملازم كان "متعاوناً في البداية، لكنه تعرّض للتهديد ونقله إلى مكان آخر، وتهم كيدية، ما دفعه للانسحاب من القضية".
ولمدة خمسة شهور، بقيت مريم تحت العلاج في المستشفى، تقول الأم "خلال هذه المدة رأيت العديد من الشابات الصغيرات ومنهن ناجحات ومتفوقات في الدراسة، تعرضن للعنف الأسري والزوجي، لكنهن يتكتمن على ذلك".
ودعت جميع النساء لعدم الصمت، لأنه يعني استمرار الجرائم والعنف ضد النساء، منتقدة عدم تطبيق القانون بالتالي غياب الرادع.
من جهتها، قالت مريم إنها تريد تحقيق العدالة وأخذ حقها قانونياً "ليس العلاج فقط"، مضيفةً "صوتي وصل كل العراقيين. أريد حقي حتى يكون عبرة للنفوس الضعيفة، لأن ما حدث لي اليوم، قد يحدث لغيري غداً".
القضاء العراقي
بعد تداول القضية التي دفعت عشرات العراقيين لانتقاد القضاء، نشر موقع مجلس القضاء الأعلى، توضيحاً بشأن الإجراءات القضائية المتخذة.
وقال القاضي المختص بالتحقيق، إن "المشتكية مريم تعرضت بتاريخ 2021/6/10 إلى حادث حرق بمادة (التيزاب) في دارها الكائنة بشارع فلسطين، من قبل شخص ملثم وتعرض جهاز الهاتف العائد لها للسرقة".
وأضاف أن "ذويها قدموا شكوى أمام مركز شرطة القناة ضد المتهم (ع. ق) وصديقه (ع. هـ) وتم إصدار أمر قبض بحقهما، وألقي القبض عليهما وتم إيداعهما التوقيف ودونت أقوالهما، لكنهما أنكرا ارتكاب الجريمة".
إلا أن التحقيق مستمر بحق المتهمين لجمع الأدلة، حسب القاضي.
وأشار إلى أن المحكمة "قررت إحالة الأوراق للوحدة التحقيقية في إجرام بغداد، وتم إيداعها لضابط برتبة متقدمة من ذوي الاختصاص بالتحقيق، لبذل مزيد من الجهود من أجل جمع الأدلة ضد المتهمين".
Mariam was doused in acid at her home, a place that every human -- without exception -- considers to be their sanctuary. She was sleeping when it happened. The case made it to court, but her family believe that the judge had erred in favour of the criminal.
— Nazlı نازلي Tarzi (@NazliTarzi) December 16, 2021
#انقذوا_الاميرة_مريم
"ضعف سلطة القانون"
في نفس السياق، تقول المحامية سارة كاظم، لـ"ارفع صوتك"، إن هناك "تبعات خطيرة لضعف سلطة القانون، مدعومة بعدة أمور، مثل الفساد المالي والإداري والخضوع لشخصيات متنفذة".
وتضيف: "حادثة مريم تعكس معاناة الكثير من الفتيات من العنف. فبعض الشبان يلجأ إلى تهديد الفتيات وتعنيفهن للموافقة على الارتباط بهم أو البقاء معهم، وهذا أمر وارد الحدوث في مراحل الدراسة الجامعية".
"ومحاولة إيجاد مبررات لشاب يقبل على حرق فتاة بهذا الشكل، ليس إلا نتيجة الاستخفاف بالقانون والقضاء وحتى بالأجهزة الأمنية، الناتج أساساً عن الفساد"، وفق كاظم.
وتؤكد أن "المجرم الذي لا يهاب سلطة القانون ويستهين بالعقوبة التي سيواجهها في حال ارتكابه لأي جريمة، يقدم دليلاً على انهيار المنظومة القانونية والقضائية".
من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية أمل داود، إن الحادث الذي تعرضت له مريم "دليل على تكرار تعنيف النساء والفتيات بلا رادع".
وتوضح لـ"ارفع صوتك": "تعنيف النساء والفتيات سواء في المنزل أو الأماكن العامة يتزايد بشكل ملحوظ يوماً بعد آخر، وخاصة عندما ندرك أن القانون فيه الكثير من القصور تجاه حمايتهن".
وتضيف داود أن "المشكلة الثانية تتعلق بنظرة المجتمع القبلي إلى المرأة، بوصفها من الدرجة الثانية، وأن الرجل هو الأول، لذا نكتشف أن طلب الزواج بفتاة أو التعلق بها لا يعني بالضرورة ألاّ يتم تعنيفها".
"كل يوم ترتكب جريمة بحق فتاة، وتطلق الحملات المدافعة ويتدخل رئيس الوزراء ووزارة الداخلية والقضاء لحل الموضوع، ثم نفجع مجدداً بحادثة أخرى، كأن شيئاً لم يتغيّر"، تتابع داود.