منذ عام 1923، تتوالى تأكيدات الدساتير المصرية على ضرورة تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة. آخرها ما أقرّه دستور 2014، الذي نصَّ بوضوح على ضمان حقوق المرأة، وتعهّد باتخاذ كل التدابير الممكنة لتمثيل المرأة في المجال النيابية والتعيين في وظائف الدولة وفي الهيئات القضائية دون تمييز ضدها.
رغم ذلك، لم تنعكس تلك الرؤية الدستورية الحالمة على عدد من القوانين في مصر التي ما زالت تميّز بين الرجل والمرأة، لدرجة وضعت عقوبتين منفصلتين للواحد منهما عن ذات الواقعة!
هذا الجدل والتمييز لم يرتبط فقط ببضعة مواد قانونية وعقوبات متفاوتة، بل برؤية كاملة تعتقد بأن النساء لا يصلحن لمناصب معيّنة دون الذكور. واحتاج الأمر أحيانا إلى تدخلات مباشرة من رئاسة الجمهورية لتغيير عدد من هذه القوانين، لكن أخرى لا تزال حتى الآن عصيّة على التغيير.
تعيين القاضيات
لم يختلف الوضع في مصر كثيرًا عن باقي دول العالم الإسلامي، والتي وقعت فيها المرأة رهينة للميراث الطويل من الفتاوى التي تحرّم منصب القضاء على النساء استنادا إلى بعض النصوص الدينية، مثل آية "الرجال قوّامون على النساء" في سورة النساء، وحديث "لن يفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة" الوارد في صحيح البخاري.
بناءً على هذين النصّين، ذهب أغلب الفقهاء إلى تحريم منصب القضاء على النساء. لكن فريقا آخر من الفقهاء ـ أقل حجمًا وأقل شهرة- أبدى معارضته لهذا الرأي مستندا إلى تعيين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب امرأة مُشرفة على الأسواق، وهي مهنة تتطلب مراقبة الناس والموازين والحُكم بينهم، ما يجعلها شبيهة بالقضاء. وهو الرأي الذي تتبنّاه مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء المصرية التابعتان للحكومة المصرية.
هذا عن الواقع الفقهي، أما الواقع العملي فتعتريه صعوبات كبيرة بدأت منذ عام 1949م، حين تقدّمت أستاذة القانون الدولي عائشة راتب بطلب لتعيينها قاضية، وهو الطلب الذي رُفض بسبب كونها أنثى! طعنت راتب على هذا الرفض، لكنها خسرت القضية مُجددًا بحُكم قضائي جاء في حيثياته أن "وجود السيدات في مجلس الدولة يتعارَض مع تقاليد المجتمع".
إثر هذا الحُكم، ظلَّ تعيين قاضيات مُجمّدًا حتى عام 2003م حين بدأ تعيين نساءٍ في عددٍ من الهيئات القضائية حتى بلغ عددهن 66 قاضية، أبرزهن تهاني الجبالي نائبة رئيس المحكمة الدستورية، أعلى جهة قضائية في مصر.
أما عن مجلس الدولة، الهيئة القضائية التي تختصُّ بالفصل بين المنازعات الإدارية بين الأفراد والجهات الحكومية، فظلّت لفترة طويلة ترفض تعيين النساء ضمن قضاتها، رغم أن هيئات قضائية أخرى سبقتها إلى هذا النهج مثل النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة.
لم يتغيّر هذا الوضع إلا هذا العام فقط بعدما تراجع "مجلس الدولة" عن موقفه وأعلن نيته تعيين قاضيات، إلا أنه وضع شروطًا تختلف عن الشروط التي تنطبق على الذكور الراغبين في الترشّح لمجلس الدولة. واشترط المجلس في الراغبات للانضمام إليه أن يكنَّ عضوات في هيئات قضائية سابقة وهو ما لم يُطلب من المتقدّمين الذكور.
في النهاية تحقّق جزءٌ من الحلم، لكن بالتعيين، فقد عُيّنت 98 قاضية في مجلس الدولة بموجب مرسوم جمهوري في أكتوبر 2021م، لكن لا يزال الطريق طويلاً أمام النساء للترشّح "السهل" في تلك المنصة القضائية الشامخة.
الميراث
لعقودٍ طويلة قضت التقاليد المجتمعية بحرمان النساء من ميراثهن أو في أفضل الأحوال منحهن نسبة أقل كثيرًا مما أقره القانون المستوحى من الشريعة الإسلامية.
فمناطق كثيرة في صعيد مصر كانت ترفض منح النساء أي ميراث طالما تعلّق بالأصول كالأراضي والعقارات، وتكتفي بمنحهن نصيبًا من الأموال فقط. قُدرّت أعداد هؤلاء المحرومات بنحو 1.2 مليون امرأة، وفقًا لما كشفت عنه مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة.
هذه الظاهرة المتفحشة في الصعيد، في الأوساط الإسلامية والمسيحية أيضا، دفعت الكنيسة المصرية مثلا للتدخّل في بعض الأحيان -بشكل ودي- لإقناع العائلات المسيحية بالكفِّ عن هذه العادة ومنح كل امرأة نصيبها من الميراث.
وفي عام 2017م، أقرّ البرلمان المصري تعديلات جديدة على قانون المواريث تعاقب كل مَن يمتنع عن تسليم المرأة ميراثها بالسجن والغرامة، وهو ما اعتُبر خطوة أولى في طريق القضاء على تلك الظاهرة.
قانون العقوبات
المادتان 274 و277 من القانون، واللتان ناقشتا عقوبة "جريمة الزنا" (ممارسة الجنس خارج إطار الزواج) وضعتا عقوبتين مختلفتين على ذات الجريمة. فالزوجة التي تثبت ممارستها "جريمة الزنا" تُعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنتين. أما الزوج الذي يقوم بنفس الفِعل فإنه يٌعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر.
أيضًا فإن قانون العقوبات ذاته فرّق في مفهوم "جريمة الزنا" بين الرجل والمرأة المتزوّجين. ففي حالة المرأة المتزوجة اعتبرها القانون مرتكبة للجريمة إذا خاضت علاقة جنسية مع رجل غير زوجها سواءً في منزل الزوجية أو بعيدًا عنه. أما الرجل فإنه لا يعتبر مدانًا إلا إذا مارَس الجنس مع امرأة غير زوجته داخل منزل الزوجية فقط. وإن فعل ذلك الأمر خارجه فلا يكون مرتكبًا "لجريمة الزنا" بحسب ما نصًّ عليه القانون المصري.
وتمنح المادة 274 الحق في العفو عن زوجته وإيقاف تنفيذ حُكم القاضي بحقّها، بينما لا تملك المرأة نفس الحق عن ذات الوقائع.
وبالمثل، فإن المادة 237 فرّقت بين عقوبتي الرجل والمرأة عن فِعلة واحدة، هي القتل بسبب الزنا. فالرجل الذي يضبط زوجته متلبّسة "بجريمة الزنا" فيقتلها مع شريكها لا يُعاقب إلا بالحبس المخفف الذي قد تصل مدته إلى 24 ساعة فحسب. أما المرأة فتعاقب عن نفس الجريمة بالسجن المؤبد أو المشدد!
المفارقة أن تلك النصوص القانونية مستقاة من قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام 1810م، والذي أُلغي في فرنسا عام 1975م إلا أن مصر لا تزال تطبّقه.
قانون الأحوال الشخصية
رغم أن هذا القانون تعرّض للعديد من التعديلات منذ إقراره عام 1920م، إلا أنه لا يزال يحمل موادًا تمييزية صارخة بحقِّ المرأة.
فوفقًا للمادة رقم 7 من القانون، يمتلك الرجل حُرية مطلقة في تطليق امرأته دون أسباب، بينما لا تمتلك المرأة الحقّ ذاته وإنما تحتاج إلى التقدم بطلبٍ إلى المحكمة لطلب الطلاق على أن يكون لأسبابٍ محددة أقرّها القانون. وهي: المرض (العجز العقلي أو الجنسي)، عدم الإنفاق، الغياب أو السجن، السلوك الضار مثل سوء المعاملة النفسية أو الجسدية.
أيضًا، فيما يخصُّ حضانة الأطفال فإن المادة 20 تمنح المرأة حضانة الأطفال حتى سن 12 عامًا بشرط ألا تتزوّج الأم، وهو ما يُجبر العديد من النساء على عدم الزواج خوفًا من انتزاع أولادهن منهن، أو الزواج بشكلٍ عرفي حتى لا تقع تحت طائلة القانون.