"الخطوة الأولى في طريقي الطويل بدأت بعشقي وحبي للانعتاق من العبودية والظلم، فانخرطت في حركة حرية المرأة في كردستان" تقول النسويّة السورية، روهلات عارف، وهي عضوة في اللجنة التحضيرية لملتقى ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا، وعضوة أكاديمية جنولوجيا مركز الأبحاث والدراسات في الشرق الأوسط.
ولدت عارف ونشأت في عفرين في الريف الشمالي السوري، وعانت من اضطهاد مزدوج، مرّة من ذكورية المجتمع، ومرّة لكونها امرأة كردية، فعاشت تحت وطأة قمع مضاعف في ظل دولة ذات صبغة قومية عروبية ونظام بعثي لا يعترف بالمكونات الأخرى.
تقول لـ"ارفع صوتك": "كنت أهتم بالمسائل التي لا تخطر على بال أحد. وكان كل شيء يصادفني أراه سؤالاً مفترضاً، فأبحث له عن جواب مقنع، كنت دائما أردّد.. من أنا؟ وكيف أعيش؟ ولماذا لا حرية لي مثل أية امرأة، ولماذا شعبي لا حرية له مثل بقية الشعوب؟".
وفي عمر الثامنة عشرة، بدأت نضالها النسوي، تقول عارف "قضية المرأة قضية اجتماعية وليست محصورة بجنس معين وهي قضية الرجل أيضا".
"المجتمعات في الشرق الأوسط بحاجة إلى ثورة نسائية ثانية، لأن النظام الأمومي هو ثورة العصر النيوليني النسائي أو الثورة النيولونية التي كانت ثورة نسائية لا تزال البشرية تقتات على نفسها، في حين أن النظام الأبوي هو ثورة المدينة والحداثة المضادة المبنية على انحسار المجتمع الطبيعي"، تتابع عارف.
وتتحدث عن طبيعة فهمها لهذه القضية وإلى أي مدى يمكن أن تتطرف المرأة في المطالبة بحقوقها، مؤكدة أنها "ضد أي عمل فيه تطرف، لكن لابدّ وعند طرح أية فكرة جديدة ستكون هناك ردة فعل وصدى عنيف من مجتمع عاش آلاف السنين بذهنية معينة، لذا لا بد من الإصرار والتصميم بدلا من التطرف، ولا بدّ من المحاولات المتكررة للعمل النسوي حتى نغير من الذهنية الذكورية والقومية والسلطوية، فلا خيار غير نشر الوعي بشكل وافٍ وحقيقي".
وهذا الأمر بالنسبة لعارف ليس بين النساء فحسب، بل في المجتمع ككل، بدءا من الطفل والمراهق والشاب وإلى المسن "وطبعا عند المرأة أولاً" حسب تعبيرها.
وتصف الحركة النسوية التي هي جزء منها، بأنّها "ليست فكرة تعتمد على شعب واحد أو قسم من المجتمعات، بل هي فكرة عالمية تخصّ المجتمع بأكمله".
وتبيّن عارف: "نعتمد في ملتقى الثورة على إمكانيات ذاتية من خلال دعم النساء لنا من مناطق شمال وشرق سوريا، ولكن خلال سنوات الثورة تواصلنا مع شخصيات نسائية، وأيضا مع منظمات تعنى بقضايا المرأة واتحادات وجمعيات، وحتى المسؤولين الذين يعملون في جهات رسمية، لكن لم يكن الدعم بالمستوى المطلوب".
وتضيف "أتمنى أن يصل صوتنا إلى نساء العالم أجمع، فلا فرق بين أي إنسان من أية قومية أو دين أو مذهب أو منطقة أو حتى جهة لأن القضايا أصبحت ذات طبيعة عالمية، وقضية المرأة لها خصوصيتها وتخاطب المجتمعات في مفصل مهم ودقيق، لذلك حتى نصل إلى قسم كبير من النساء يجب أن نتعاون بالأساس مع الجميع".
وتتطرق عارف لتزايد جرائم قتل النساء في دول الشرق الأوسط، خصوصاً التي تعيش حروباً وأزمات سياسية، منتقدة "الصمت الرهيب" للقوى الدولية والمنظمات الحقوقية والنسوية العاملة في هذه المناطق، مقابل ما يجري للنساء.
"التدوين ضروري"
تؤمن عارف بالعمل الجماعي أكثر من الفردي، بقولها "مهما كان وعي المرأة وعملها قوياً، فإن احتمالية الفشل واردة عندما تكون بمفردها، أما عندما تكون مع تجمعات، سينتج عنها حركة دائمة تنتفض بشكل مستمر ولا تستطيع أية مواجهة أن تصدها".
وتقول إن "الحركات الفردية قد تختفي ويرحل صوتها عند أول مواجهة حقيقية، فالتجمع النسائي الواحد، لن يتمكن من صد الهجمات التي تأتي ضده لذلك نعمل الآن على توحيد جميع التجمعات النسائية في العالم، إذ لا بدّ أن نجتمع بمؤتمر نسائي عالمي حتى نتمكن من أن نصل إلى نتاج جماعي موحد".
وفضلاً عن الجهد على الأرض تشدد عارف على أهمية التدوين والتوثيق، مردفةً "أؤمن 100 بالمئة في أننا بحاجة إلى جهد تدويني جاد، فجميع الحركات النسوية في الشرق الأوسط تعاني الضعف في موضوعة التدوين والتوثيق، لأنه دائما وحتى على المستوى العالمي يتم تدوين التاريخ بشكل مزيف".
وتعزو ذلك إلى "عدم وجود ثقافة أو ذهنية التدوين والتوثيق في مجتمعاتنا، بالتالي يؤثر هذا على تدوين تاريخ المرأة"، مضيفة "يجب أن نقوي هذا الجانب بشكل أكثر فللتدوين والتوثيق دور كبير يخفف الحمل عن الأجيال فيما بعد".
"ولأننا في فترة مخاض عسير فيما يخصّ قضية المرأة، كان لابد أن تتشكّل اتجاهات جديدة، لذلك نرى اتجاهات وحركات نسوية تظهر بين حين وآخر، ونأمل بأن تزيد".
"ليست ظاهرة طارئة"
"وما يجري الآن في مناطقنا هو ثورة المرأة النموذجية المتكاملة، لكن هناك من يريد إفشالها وتحويلها إلى ثورة تقليدية لتضيع جهود المرأة التي بذلتها على مدار السنوات الماضية في شمال وشرق سوريا، وما حققته من مكتسبات كبيرة على أرض الواقع، خاصة بعد أن حاربت داعش ودحرته وقامت بتحرير آلاف النساء الأسيرات منه، فهي الجندية والقائدة لذلك هي مستهدفة من الإرهاب الداعشي"، تقول عارف.
وتوضح أن "هناك دولاً وجهات تستهدف المرأة في مناطقنا بشكل ممنهج لكي تخرجها خائبة وتعود أدراجها حبيسة المنزل".
وتضيف عارف بنبرة صوت واثقة، في حوار هاتفي مع "ارفع صوتك": "التحديات التي لاقتها المرأة وتلاقيها الآن في سوريا والشرق الأوسط والعالم من الممكن أن يتم تغييرها عن طريق الفكر، فنحن بحاجة لطريقة تفكير جديدة تحول المآسي إلى إنجازات أو تغييرات جذرية في واقع المرأة وفكرها، ثم الحفاظ على هذه التغييرات وجعلها حالة دائمة لا مجرد ظاهرة طارئة".
وتشير إلى أنها زارت محافظات عدة في العراق مؤخراً، والتقت بشخصيات وأحزاب هناك، ورأت "التغيير الكبير على الساحة، في بغداد هناك تغيير كبير لكن الواقع والنظام السائد والحكومة الموجودة لم تنظم حياة المجتمع بشكل مثالي كما كنتُ أتمنى"، حسب تعبيرها.